asd

منظمة شنغهاي للتعاون.. اشكالية التنسيق بين الأمن والتنمية في أوراسيا

Related Articles

منظمة شنغهاي للتعاون

اشكالية التنسيق بين الأمن والتنمية في أوراسيا

د.رنا خالد 

رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات العامة 

IFPMC-LONDON

September 2022

حقائق:

عقدت خماسية شنغهاي في عام 1996 وضمت خمس دول ثلاثة منها كانت من دول الاتحاد السوفيتي السابق وهي كازاخستان وقرغيزستان وطاجاكستان إضافة الى كل من روسيا والصين. ولقد دشنت خماسية شنغهاي اول تحرك روسي صيني لخلق عالم موازي يربط اوراسيا امنياً واقتصادياً، ولكنه في وقتها لم يكن تحدي جدي للولايات المتحدة حيث ترجم على انه جزء من ترتيبات العولمة الاقتصادية التي كانت الولايات المتحدة تحمل لواءها وكانت مشروع إدارة الرئيس بيل كلنتون.

كما ان خماسية شنغهاي جرى الترحيب بها دولياً باعتبارها ترسيخ للأمن في منطقة اوراسيا في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث تم توقيع معاهدة الثقة العسكرية في المناطق الحدودية للجمهوريات الاتحاد السوفيتي المستقلة حديثاً وفي العام 1997 وقعت نفس الدول في قمة موسكو على معاهدة الحد من القوات العسكرية في المناطق الحدودية المشتركة. وفي قمة دوشانبي في العام 2000 وقعت الدول معاهدة احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام حقوق الانسان والاستقرار والتنمية الاجتماعية[1].

في العام 2001 تم الإعلان عن تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون SCO وتوسعت العضوية فيها لتشمل ثماني دول أعضاء (أوزبكستان، وباكستان، وروسيا، والصين، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، والهند)، وأربعة دول مراقبة أبدت الرغبة في الحصول على العضوية الكاملة (أفغانستان، وإيران، وبيلاروس، ومنغوليا)، وستة شركاء حوار (أرمينيا، وأذربيجان، وتركيا، وسريلانكا، وكمبوديا، ونيبال). ولكيلا تثير غضب الولايات المتحدة القطب الأوحد في تلك المرحلة كان أول اعلان لها هومشروع قرار يدعم الاستمرار في معاهدة حظر الصواريخ الباليستية الموقعة بين موسكو وواشنطن عام 1972 باعتبارها “حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار العالمي والحد من التسلح. ومنذ إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001، ركزت بشكل أساسي على قضايا الأمن الإقليمي، وعملها في مجال مكافحة الإرهاب الإقليمي، والنزعات الانفصالية العرقية، والتطرف الديني. وحتى الآن، تشمل أولويات المنظمة أيضا التنمية الإقليمية[2].

وظلت منظمة شانغهاي للتعاون مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2005. وفي نيسان/أبريل 2010، وقعت أمانتا الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون إعلاناً مشتركاً بشأن التعاون. كما أقامت أمانة منظمة شانغهاي للتعاون شراكات مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة السياحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة، بالإضافة إلى تعاونها المستمر مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، ومكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب[3].

ورغم ان هذه المنظمة شملت دول ضخمة من حيث عدد السكان والمساحات الشاسعة والموقع الجيوستراتيجي الا ان تطورها كان بطيئاً بحكم ظروف النظام العالمي الذي كانت تتصدره الولايات المتحدة وتحكم التجمعات الدولية ومنظمات التعاون الدولي وكذلك بفعل التناقضات البينية بين الدول المكونة لهذه المنظمة[4].

الحدث المفصلي الذي شهدته هذه المنظمة هو انضمام الهند وباكستان في عام 2017 وحصولهما على العضوية الكاملة في هذه المنظمة. هذا الحدث غير كثيراً من رؤية العامل الى جدوى وفعالية هذه المنظمة حيث انها قدمت نفسها كمحفل دولي أمني في آسيا قادر على ان يحتوي المتخاصمين والمتنازعين كما هو الحال في حلف شمال الأطلسي. ألا ان الفعالية الأمنية لهذه المنظمة وقدرتها على منع الصدامات بين اعضائها المشاركين كانت دائماً محل للنقاش والجدل. الا ان الجانب الذي عملت المنظمة على تطويره هو الشراكات الاقتصادية والتنموية والاهداف الجيوستراتيجية التي تجتمع عليها القوى الاوراسية.

تحليل: عالم ما بعد القطب الواحد

شكل تراجع قوة ونفوذ الولايات المتحدة في اسيا نقطة قوة لتفعيل أنظمة التعاون الإقليمية. هذا بالإضافة الى تحولات النظام الدولي والتبدلات الاقتصادية وملفات الطاقة والمياه وخطوط الامداد العالمي تلك الملفات التي يؤدي فيها الشرق الدور المحوري، بل والمتحكم بأحداثيات هذه الملفات وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي. لذلك حاولت المنظمة تركيز الاهتمام حول خلق شراكات ثنائية او ثلاثية داخل إطار التجمع الواحد، وهي بذلك أعطت استدامة الى المجموعة التي لطالما وصفت بأنها سفينة فارغة متعددة الأطراف.

قمة هذا العام في سمرقند عاصمة أوزبكستان الدولة التي دعمت موقف أوكرانيا في الحرب مع روسيا سوف تكون استثنائية حيث سيتم اعلان انضمام إيران الى المجموعة وسوف يحضرها الرئيس الهندي نراندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ الذي سيلتقي وجه لوجه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليكون اول لقاء دولي يجمع الزعماء الكبار في اسيا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

هذا العام سيتم دعوة منغوليا وأفغانستان وبيلاروسيا بصفة مراقب. في حين ستكون أذربيجان وأرمينيا وتركيا وسريلانكا وكمبوديا ونيبال شركاء في الحوار وهو المنصب الذي استحدثته المنظمة في عام 2008. وسوف يعلن عن انضمام المملكة العربية السعودية وقطر ومصر في الاجتماع المقبل. وهذا يجعل منظمة شنغهاي للتعاون الآن من بين أكبر المنظمات الإقليمية في العالم حيث يمثل أعضاؤها حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وحوالي 40 في المئة من سكان العالم، وحوالي ثلثي مساحة الأراضي الاوراسية [5].

تحليل: علاقات متوازية وليست متوازنة

منظمة شنغهاي من الناحية الاستراتيجية تتحول الى حلف وارسو داخل اسيا. والحقيقة ان قادة هذه المنظمةيعانون من حقائق التاريخ والجغرافية والإيديولوجيات التي تفرق المجموعة الاوراسية ولا تجمعها وهم يحاولون استلهام الدروس من الماضي القريب ومن التجمعات التي سبق ان ربطت اسيا او ربطت اوربا الشرقية خلال مرحلة الحرب الباردة. دول المجموعة في اغلبها -بأستثناء  الهند -عبارة عن أنظمة سياسية شمولية مع الحد الأدنى من الحريات وسيطرة الدولة على الاقتصاد والدخل القومي. إضافة الى وجود ثلاث قوى عظمى هي الصين وروسيا والهند وتوصف العلاقات بين هذه القوى بالتوازي حيث يجمعها الرغبة في اختراق النفوذ الغربي على الاقتصاد العالمي ورغبتها في استغلال لحظة تعددية القوى التي ربما لن تتوفر في القريب العاجل. الا ان هذه العلاقة الثلاثية تتوفر في داخلها على عومل تنافسية طويلة الأمد والتي حتماً سوف تؤثر في التوازن الحرج.

محور روسيا – الصين

بالنسبة الى روسيا فأنها تنظر الى منظمة شنغهاي باعتبارها عنصر أساسي في مشروعها (بعث اوراسيا) الذي تنظر له على انه مشروعها العالمي البعيد المدى والذي سيعيد لروسيا امجادها الإمبراطورية ويحافظ على هويتها الخاصة ويردع توسع حلف سمال الأطلسي باتجاه حدودها الجنوبية. والفضاء الاوراسي في النظرية الروسية يمتد شرقاً من ميناء فلاديفوستوك على المحيط الهادي الى بحر المانش غرباً، على ان تكون موسكو مركز لهذا المشروع الذي يجب ان يعيد تجميع دول الاتحاد السوفيتي السابق، ولكن الأهم هي مناطق اسيا الوسطى والتي تكون البعد الجيوستراتيجي لهذا المشروع.

وعليه فأن من المنظور الروسي تعد منظمة شنغهاي تكتيك اولي لمشروع اوراسيا الكبير ،وهي تجسيد للحظة الادراك المشترك الروسي الصيني بان العلاقات بينهما لا تشكل خطورة على مستقبل القوتين الأكبر في أسيا، بل انها تشكل نقطة محورية في الامن والاستقرار في اسيا ككل. وتزداد مطالب القادة في كل من الصين وروسيا على إيجاد قواسم مشتركة وتحويل العداوة الى صداقة ومصالح مشتركة بدل المصالح المتضاربة[6].

عندما انطلقت قمة شنغهاي الخماسية عام 1996 كان الرابط الذي يجمع الصين وروسيا هو إيجاد ملاذ امن من هيمنة القطب الأوحد الأمريكي واليوم مع تطور المنظمة وتوسعها شرقاً باتجاه مناطق النفوذ التاريخية للولايات المتحدة في اسيا والشرق الأوسط أصبح هذا الرابط أكثر متانة وتشعب، بل وأصبح ضرورة ليس فقط لخلق عالم متعدد الأقطاب، بل كذلك لخلق نماذج اقتصادية وحلول جيوستراتيجية بديلة عن تلك التي يهيمن عليها الغرب والولايات المتحدة.

محور الصين – الهند

أدت الاشتباكات العسكرية في وادي جالوان Galwan valley في عام 2020 إلى خيانة الهند حيث فككت الصين جميع الاتفاقات الرسمية بشأن الحل السلمي للنزاعات الحدودية بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، أصبح مسؤولو الدفاع والأمن في الهند يتعاملون مع التهديد الصيني بصورة جدية بشكل متزايد. لذلك فإن التحدي الاستراتيجي الرئيسي الذي تواجهه الهند هو ضمان شعور الصين اي صراع مسلح مع الهند سوف يكون له عواقب كارثية ليس فقط على الصين، بل على الامن في اسيا. الا ان كلا البلدين وبحسب تصريحات القادة يدركان ان الصراع بينهما سيكون لصالح الولايات المتحدة وبالتالي فأن توازن القوى وحل الصراعات الثنائية أصبح امر حاسم في استراتيجية القوتين الأسيويتين الأكبر[7].

 لكن في نفس الوقت، فان مشاركة الهند في قمة منظمة شنغهاي للتعاون واللقاء الثنائي المرتقب بين الرئيس الهندي ونظيره الصيني لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه ميل الهند لإحياء حركة عدم الانحياز. حيث ان الهند نفسها لم تعد تلك الدولة النامية المؤسسة وفق القواعد الاشتراكية السائدة في الستينات والسبعينات فقد اكتسبت الهند ثقلًا جيوسياسي أكثر بكثير اليوم مما كانت عليه عندما كان عدم الانحياز هو الموضوع الأيديولوجي المهيمن خلال الحرب الباردة. كذلك لا يمكن تجاهل ان الهند هي جزء أساسي من النظام الدولي الليبرالي، كما ان الداخل السياسي في الهند لا يدعم أفكار الداعمين لفكرة المساومة المشتركة ضد الهيمنة الأمريكية فهي بالنسبة للهند الحديثة عودة الى الوراء. لقد نمت ثروة الهند وثقتها بشكل كبير، كما ان نيودلهي تتقن الحرفة الجيوسياسية. المساومة بين القوى المتنافسة، لهذا السبب لا تزال الصين العدوانية تجد صعوبة في فرض إرادتها على الهند[8].

من ناحيتها فأن الصين تبدوا على إدراك تام بالتحديات الاقتصادية العالمية وهذا ما تبين بوضوح في خطب قادة الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمر الحزب 2021. كما تبدوا نظرة الصين للعالم أكثر دقة الآن مع ان التيارات الداخلية تحارب بقوة للتخفيف من التصريحات والتحركات الرسمية المتهورة التي يمكن ان تجعل الصين تقع في فخ تضخم القوة الذي سيفقدها ميزة النفس الطويل الذي اوصلها الى القمة.

وبينما تستغل الصين الفرص الاستراتيجية التي تتحرك باتجاهات مؤاتيه، إلا أنها لم تكن غافلة عن العديد من التحديات. القيادة الصينية نفسها تواجه تحديات البقاء حيث يواجه الرئيس (شي بينغ) التحدي الأكثر إلحاحًا في مؤتمر الحزب العشرين في الصين حيث يصمم على تقديم عرض لولاية ثالثة كرئيس للحزب الشيوعي الصيني. وربما لن يواجه معارضة تذكر لأعاده انتحابه الا ان الامر سيكون صعباً عليه في تعيين نفس طاقم فريقه من الموالين داخل الحزب الشيوعي الصيني.

ولذلك فأن الرئيس الصيني يتحرك بحذر ويسعى الى تهدئة تيارات الداخل المطالبة بعودة الصين الى الهدوء الاستراتيجي وهو ما يعزز رغبة بكين لتحقيق الاستقرار في علاقتها مع نيودلهي، بدلاً من السماح بالتوترات الاستراتيجية بالتصاعد أكثر. هذا لا يعني أن الصين قد غيرت استراتيجيتها طويلة الأجل. لكنها تشير إلى أن الصين مستعدة لتغيير تكتيكاتها.

ربط الاضداد

الحرير وشمال – جنوب

من اهم التحديات التي لازمت منظمة شنغهاي هي انها تجمع أورو-اسيوي يضم دول متفاوتة ومتناقضة ليس فقط في احجامها وامكاناتها وايدولوجياتها وهوياتها وأنظمة الحكم والسياسية فيها، بل الأعقد هو عدم تجانس أهدافها الاستراتيجية. وعدم التجانس والاتساق إثر في تكوين عقيدة دفاعية واحدة تجمع دول هذه المنظمة. فهي تجمع الاضداد والاعداء الذين يحاربون بعظهم في حروب وصراعات تاريخية وعقائدية ليس لها نهاية. ولكن لديهم رغبة مشتركة في إيجاد فرص للتنمية خارج الشروط السياسية للولايات المتحدة والغرب والتي اصبحت تتجاوز شرط الديمقراطية الى متطلبات الليبرالية السياسية والاقتصادية المستحيلة التطبيق للكثير من هذه الدول.

الا ان منظمة شنغهاي دشنت إمكانية ربط هذه المجموعة الدولية غير المتجانسة عبر مشاريع التنمية العالمية. التنمية والاقتصاد وكسر الاحتكار الأمريكي الغربي هي نقاط الاتفاق التي تجمع دول مجموعة شنغهاي أكثر من أي هدف استراتيجي اخر.

الصين مررت مشروعها الحزام والطريق عبر هذه المنظمة واستطاعت ان تلفت اهتمام الدول القلقة والمشككة وتجعلها تتفق على ان فوائد الربط الاقتصادي لأسيا يمكن ان تجعلها تتغاضى عن العدوات والصراعات البينية. وترتكز المبادئ الحاكمة لتطبيق المبادرة على التنسيق السياسي بين الدول وتعزيز التواصل والحوار والتجارة دون عوائق لتهيئة الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية. وتتضمن المبادرة مئات المشاريع التي تتركز في إعادة بناء وتطوير طرق النقل البرية والبحرية التي تربط دول آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر شبكة مواصلات معقدة من الجسور والطرقات والسكك الحديدية والطائرات والبواخر، وكذلك بناء موانئ ومطارات وإنشاء مناطق تجارة حرة. وقد لاقت المبادرة تجاوبًا ومشاركة نشطة من نحو سبعين دولة مطلة على هذا الخط في القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا[9].

الا ان الصين واجهة العديد من التحديات التي تعرقل مشروع احياء طريق الحرير ومن اهم هذه المشاكل هي إتمام البنية التحتية لطرق النقل في الدول التي تعاني من هشاشة شديدة في البنية التحتية. اما التحدي الثاني فهو ارتباطات معظم الدول التي يمر بها هذا المشروع بالولايات المتحدة وهي ارتباطات تجعل تنفيذ المشاريع طويلة الأمد عرضة لتقلبات السياسة. الا ان التحدي الأكبر الذي لا تزال الصين تحتاج الى وقت لتجاوزه هو التكيف الاقتصادي الهدف الأساسي لمشروع الحزام والطريق هو ان تضمن الصين نفاذ سريع وانسيابي لبضائعها في أسواق مستدامة إضافة الى ضمان تدفق المواد الأولية والطاقة اليها بأقل الأسعار، ولكنها في الوقت نفسه تفرض قيود مشددة على أسواقها حيث تمنع تدفق البضائع من دول أخرى إضافة الى انها تضع شروط وقيود صارمة على الاستثمار الأجنبي. وبالتالي فأن فكرة المنفعة المتبادلة والبناء المشترك التي هي أساس فكرة مشروع طريق الحرير لا تزال تحاصرها الصين نفسها وتجعلها محل تشكيك من الحلفاء الفاعلين في اسيا قبل المتنافسين الغربيين.

في عام 1993 طرحت الهند مشروع سبق مشروع الصين (الحزام والطريق) المشروع هو ممر شمال جنوب او الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب International North – South Transportation Corridor (INSTC) وعلى الرغم من الاتفاقات التي تم بين أطراف هذه المبادرة الا انها كل من روسيا وإيران والهند لم توقع على اتفاقية INSTC إلا في عام 2000، ولم يتم التصديق عليها الا في عام 2002. ثم استمرت الاتفاقية تستقطب الدول وخاصة دول مجموعة منظمة شنغهاي حيث انضمت أذربيجان إلى الاتفاقية في عام 2005، كما انضمت 10 دول أخرى إلى المشروع، وهي: أرمينيا، وروسيا البيضاء، وبلغاريا (في وضعية المراقب)، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وسلطنة عمان، وسوريا، وطاجيكستان، وتركيا، وأوكرانيا.[10]

تتألف الشبكة متعددة الطرق، التي تبلغ 7200 كيلومتر، من السفن، والسكك الحديدية، والطرق البرية، وتهدف إلى نقل البضائع، والمرور عبر أراضي الهند، وإيران، وأفغانستان، وأرمينيا، وأذربيجان، وروسيا، وآسيا الوسطى، ثم أوروبا الشرقية. وتهدف المبادرة الى تقليل وقت وكلفة النقل العالمي عبر اوراسيا بنسبة 30الى 40 % من الوقت الحالي. ويربط هذا الطريق ميناء جواهر لال نهرو وكندلا غرب الهند الى ميناء بندر عباس الإيراني ثم الى ميناء بندر أنزلي الإيراني على بحر قزوين ثم بعدها تنتقل الى السلع والبضائع الى ميناء استرخان الروسي المطل على بحر قزوين الذي سوف تنتقل منه البضائع الى روسيا وأوروبا عبر شبكة السكك الحديدية الروسية ولقد ألقت أذربيجان بثقلها في المشروع الجديد؛ إذ تعمل في الوقت الراهن على تشييد خطوط السكك الحديدية والطرق البرية الجديدة لاستكمال الروابط اللازمة في الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب[11].

في قمة سمرقند هذا العام من المرجح ان تنشط الهند هذه المبادرة من خلال حملة سيقودها الرئيس مودي شخصياً حيث سوف يلتقي الرئيس إبراهيم رئيسي لأول مرة منذ تنصيبه رئيسا للجمهورية الإيرانية ويتوقع ان يشمل اللقاء الاتفاق حول تسريع ترتيبات توسيع ممر النقل البحري شمال جنوب خاصة بعد نجاح تجارب النقل عبر هذا الممر الاستراتيجي وازدياد الحاجة الى تفعيل هذا الخط البحري ليكون بديلاً عن ممر قناة السويس.

مبادرة ممر شمال جنوب تسترعي اهتمام العديد من دول مجموعة شنغهاي وتجد فيها فرصة حقيقة أكثر مرونة وجدوى اقتصادية من مبادرة الحزام والطريق وكانت هذه المبادرة تخضع للتطوير والتحسين مع كل اجتماع لمنظمة SCO ولكن هذا المشروع الحيوي بالنسبة للهند وروسيا وإيران يوجه تحديات كثيرة من أهمها:

  • أن حجم تجارة الحاويات المتوقع في المرحلة الأولى من INTSC يتراوح بين أربعة و10 ملايين طن، والتي من المرجح أن تزيد إلى 25-26 مليون طن سنويا في المستقبل. هناك أيضا تقدير أكثر تحفظا لخمسة ملايين طن من البضائع سنويا في المرحلة الأولية، وربما سوف يرتفع إلى 10 ملايين طن “مع مزيد من التوسع في النقل”. هذا الحجم من البضائع ليس قريبا من حجم الحاويات الذي يتم نقلها من جنوب وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا عبر قناة السويس والتي تصل الى 161 مليون طن سنوياً [12].
  • بدون تطوير شامل ومستدام لخطوط السكك الحديدية في جميع دول مبادرة INTSC سوف يصبح المشروع مفرغ من الجدوى الاقتصادية ومؤشرات الواقع تؤكد ان العديد من الدول الموقعة على المبادرة لا تزال تتعثر في إتمام عملية التطوير الشاملة للبنية التحتية خاصة مع تعقد أوضاعها الأمنية مثل أذربيجان وأرمينيا. إضافة الى أزمات العقوبات الدولية وتعثر خطط التنمية في الكثير من هذه الدول. هذا بالإضافة الى اختلاف قياسات سكك الحديد بين الصين وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بالإضافة الى روسيا. كذلك فان مقاييس سكك الحديد مختلفة بين إيران ودول اسيا الوسطى وهو امر زاد من كلفة الربط الإيراني بمشروع INTSC خاصة مع الظروف الصعبة التي تفرضها العقوبات الدولية. وع هذا عرضت الصين تطوير شبكة السكك الحديدية في إيران ضمن إطار اتفاقية التعاون الطويلة الأمد التي وقعها البلدين مؤخراً. الا ان هذا التطوير سوف يضيف الكثير الى فاتورة إيران لتنمية البنية التحتية لكي تكون قادرة على جعل هذا المشروع فاعلاً [13].
  • ضعف البنية التحتية الجمركية في العديد من مشروع INTSC حيث ان ضعف شبكات الانترنيت في هذه الدول وعدم وجود اتفاقيات جمركية تحدد التبادل بين الدول سوف يكون معرقلاً اساسياً لانسيابية النقل في هذا الممر. ومن المرجع ان تناقش منظمة شنغهاي تطوير الربط الجمركي بين دول المجموعة هذا العام خاصة وان هنالك إصرار لحل مشاكل ممر شمال جنوب البحري.
  • العلاقة بين التمويل وعائدات الاستثمار عامل رئيسي آخر سيحدد الجدوى الاقتصادية لمشروع INSTC. لحد الان يستمر أطراف المشروع في الاستدانة من جهات مختلفة لتلبية متطلبات إتمام عمليات تطوير البنية التحتية لطرق النقل بدلا من الاعتماد أساسا على جهة فاعلة واحدة او ممول محدد لمشاريع البنى التحتية المرتفعة التكاليف. فعلى سبيل المثال، قدرة تكلفة خط سكة حديد رشت – أستارا الذي يربط إيران بأذربيجان بما يزيد قليلا عن بليون دولار؛ وتم تقديم 500 مليون دولار من هذا المبلغ عن طريق قرض من أذربيجان بينما قامت كل من إيران وأذربيجان الى تأمين بقية الأموال من فاعل آخر هو بنك التنمية الآسيوي، الذي قدم قرضًا بقيمة 200 مليون دولار لبناء خط سكة حديد باكو يالاما (في روسيا) الا ان القرض تعرض الى عملية تأجيل لأكثر من سنة مما أدى الى تأخر خطط التسليم[14] .

الولايات المتحدة

حاولت الولايات المتحدة الانضمام الى منظمة شنغهاي في 2005 الا انها لم تحصل على الموافقة بعد اعتراض الصين[15] . بينما ترى روسيا الى ان الولايات المتحدة تدعي تشجيعها لمنظمات التعاون الإقليمي الا انها تنظر بعين الشك الى أي تجمع دولي لا تشارك به هي او أحد حلفاءها الغربيين[16]. وحتى قبل توتر العلاقات الامريكية الصينية وتشنج العلاقات بين واشنطن وموسكو على إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، فأن هنالك تنافساً محموماً بين روسيا والصين والولايات المتحدة حول التوسع والنفوذ في اسيا الوسطى. ان محاصرة وتطويق أي قوة مركزية يمكن ان تسيطر وتتحكم بمنطقة اوراسيا هو هدف استراتيجي أساسي للولايات المتحدة [17].

حاولت الولايات المتحدة اختراق منظمة شنغهاي للتعاون عبر سلسلة من الاتفاقيات الدفاعية والأمنية التي وقعاتها مع دول اسيا الوسطى تحت إطار برنامج الناتو للتعاون من اجل السلام والذي يضم كل من طاجاكستان وقرغيزستان، واوزبكستان، وتركمانستان، وكازاخستان. هذا بالإضافة الى اتفاقيات الطاقة مع هذه الدول حيث وقعت الولايات المتحدة وتركمانستان اتفاقيات حول الغاز ومع كازخستان حول النفط.

كما وقامت واشنطن بأنشاء مجموعة (5+2) في اسيا الوسطى لاحتواء منظمة شنغهاي حيث تضم المجموعة كل من طاجاكستان وقرغيزستان واوزبكستان وكازاخستان + أفغانستان والباكستان والتي تحاول من خلالها عرقة النفوذ الصيني الروسي على هذه الدول [18]. الا ان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 2021 أثر كثيراً في تأثير الولايات المتحدة على فرض النفوذ في هذه المجموعة إضافة الى عدم وضوح اهداف السياسة الخارجية لواشنطن وتغييرات مرحلة ما بعد جائحة كوفيد التي غيرت الأولويات وبدلت المواقع الجيوستراتيجية في العالم.

العراق ومنظمة شنغهاي

يمكن ان تقدم منظمة شنغهاي للعراق فرص التنمية والاستفادة من مبادرات ومشاريع التعاون الاقتصادي التي تقدمها المنظمة ومن جهته فأن العراق دولة فاعلة في الشرق الأوسط وهو يمتلك الإمكانات الجيو ستراتيجية التي تؤهله الى ان يكون عضو فاعل في هذه المجموعة. وفعلاً في العام 2017 وجهة منظمة شنغهاي للتعاون الدعوة الى العراق للمشاركة في المنظمة بصفة شريك حوار. ولقد رحبت وزارة الخارجية العراقية بهذه الدعوة واعتبرت انها تأتي في إطار دعم المجتمع الدولي لجهود العراق في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب على داعش. الا ان أي تحرك إضافي لم يتم من قبل العراق او المنظمة في هذا الخصوص [19].

ثم قام سفير العراق في بكين بعقد لقاء مع الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون فلاديمير نوروف في حزيران من العام 2021 وجرى بحث إمكانية التعاون المشترك بين العراق ومنظمة شنغهاي فيما يتعلق في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتعاون الاقتصادي والثقافي [20].

من البديهي ان يكون لتداعيات الوضاع السياسية في العراق وعدم وجود رؤية سياسية واضحة لأهداف السياسية الخارجية العراقية أثر كبير في تأخر انضمام العراق الى هذه المنظمة الإقليمية المهمة او الى التكتلات الإقليمية الفاعلة. إضافة الى ان الحكومات المتعاقبة عجزت عن رسم مشروع تنموي بعيد الأمد او حتى وضع العراق في إطار مشاريع جيواستراتيجية إقليمية او دولية.

Senior Researchers & Executive.

 ranaifpmc@outlook.com

  info@ifpmc.org

reference

[1] إلياس قسايسية، “العلاقات الروسية الصينية وأثرها عىل التوازن الدولي في القرن الحادي والعشرين”، رسالة ماجستير،غير منشورة، كلية علوم سياسية وعلاقات دولية، جامعةالجزائر،2012،ص.68 .

[2] Jeffry w. legro, “What China Will Want: The Future Intentions of a Rising Power”, Perspectives on Politics (September 2007), p. 516, https://pages.shanti. virginia.edu/largo/files/2011/03/Legro2007.pdf

[3] John J. Mearsheimer, “Can China rise peacefully?”, The National interest, 25 October 2014, viewed 12/04/2014, http://nationalinterest.org/ commentary/can-china-rise-peacefully-10204

[4] Ibid

[5] The Economic Times, Sep 12, 2022, Chinese President Xi Jinping to attend SCO summit, will visit Kazakhstan and Uzbekistan, At: https://economictimes.indiatimes.com/news/

[6]Charles A. Kupchan, “Enmity into amity How peace Break Out”, International Policy Analysis, April 2011, p. 1, at: http://www.cfr.org/world/ enmity-into-amity-peace-breaks-out/p24599

[7] The Economic Times, Sep 14, 2022, Further de-escalation on agenda amid talk of Modi-Xi meet at SCO, At: https://economictimes.indiatimes.com/news

[8] The Economic Times, Ibid.

[10] صحيفة الشرق الأوسط، ممر النقل الدولي {شمال ـ جنوب} يغيّر خريطة التجارة في آسيا يتيح للهند وصولاً افضل الى قلب اوراسيا ،12 يناير 2018، العدد  14290،https://aawsat.com/home/article/1140981/%D9%85%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF

[11] المصدر نفسه

[12] Ritika Passi.2017, Money matters: Discussing the economics of the INSTC

https://www.orfonline.org/research/money-matters-discussing-the-economics-of-the-instc/

[13] Ibid

[14] Ibid

[15] فيودور لوكيانوف، “منظمة شنغهاي نموذج أويل للعامل الجديد”، أنباء موسكو، الرابط على، 2014/4/6: شوهد في، 2012/6/8 http://anbamoscow.com/opinions/20120608/375508665.html 28

[16]  المصدر نفسه

[17] Julie Boland, “Ten Years of the Shanghai Cooperation Organization: A Lost Decade? A Partner for the U.S.?” Policy paper presented at the 21st Century Defence Initiative at Brookings, Washington, 20/6/2011, pp. 26. 27, at: http://brook.gs/15ZFnv8

[18] Marcel de Haas, “Partners and competitions /NATO and the (Far) East,” Analyses, April 2013, pp.1- 6, at: http://bit.ly/1wpd0lT

[19] جريدة المدى العراقية28-3-2017 العدد 3887 https://almadapaper.net/view.php?cat=167600

[20]  موقع وزارة الخارجية العراقية 16-6-2021 https://mofa.gov.iq/2021/06/?p=23807

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories