asd

زيارة بايدن الى الشرق الأوسط .. الهبوط الصعب

Related Articles

زيارة بايدن الى الشرق الأوسط

الهبوط الصعب

د. رنا خالد

رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات العامة 

IFPMC-LONDON

JULY 2022

 

إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن متحمسة لفكرة الحفاظ على العلاقات التقليدية مع الشرق الأوسط منذ ايامها الأولى، وتحديداً العلاقات الخاصة التي لطالما ربطت الإدارات الامريكية المختلفة مع دول الخليج العربي وقواها الرئيسية . في مقال الرئيس بايدن في مجلة FOREIGN AFFAIRS بعنوان Why America Must Lead Again  تحدث فيه عن الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها إدارة الرئيس ترامب ولماذا يجب اصلاح هذه الأخطاء والحرص على عدم تكرارها وفي نفس هذه المقال كتب بايدن ” وفيما يتعلق بمنع الانتشار والأمن النووي، لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون صوتاً ذا مصداقية بينما تتخلى عن الصفقات التي تفاوضت عليها. من إيران إلى كوريا الشمالية، وروسيا إلى المملكة العربية السعودية، جعل ترامب احتمال الانتشار النووي، وسباق التسلح النووي الجديد، وحتى استخدام الأسلحة النووية أكثر احتمالاً. وكرئيس، سوف أجدد التزامنا بتحديد الأسلحة من أجل حقبة جديدة. إن الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما وبايدن منع إيران من الحصول على سلاح نووي”[1]. لقد اقحم بايدن المملكة العربية السعودية في قائمة من الدول النووية المارقة والمهددة للمصالح الامريكية رغم ان السعودية ليست دولة نووية وهي لطالما كانت اهم حلفاء الولايات المتحدة على مدار عقود طويلة وشكلت ركنا أساسيا من اركان السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط سواء ما يتعلق بالأمن اوالسلام في الشرق الأوسط او ما يتعلق بأمن واستقرار مصادر الطاقة وخاصة البترول .

انتصار الواقعية

حاول الرئيس بايدن مقاومة فكرة ان على أي رئيس امريكي ان يستسلم للواقعية في العلاقات الدولية واشتراطاتها التي تتضمن نشر القوة الامريكية واثباتها. واراد ان يثبت لناخبيه الغاضبين من إدارة ترامب ونهج الحزب الجمهوري في السياسية الخارجية بانه الرئيس القادم بعصر جديد يعيد القيم الامريكية العليا في القيادة العالمية وانه رئيس لن يقبل بالتعامل الا مع القادة العالميين (المحترفين) الذين يشتركون مع القيم الديموقراطية الامريكية التي لا مكان فيها للمارقين الذين سبق ان تعامل معهم الرئيس ترامب تحديداً.

 الرئيس بايدن وخلال العامين المنصرمين اثبت ان واقعية إدارة ترامب كانت الحل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من الزعامة الامريكية وان الرئيس بايدن يحاول إعادة خلق القوة الامريكية من خلال أفكار أوباما الا ان الوقت مختلف وان إعادة هذه السياسات تضر قوة الولايات المتحدة وزعامتها العالمية و دون القوة والتعامل مع قوى الواقع فان المثالية التي تكلم عنها بايدن لإعادة القوة والزعامة للولايات المتحدة لا تنتمي الى عالم اليوم بل هي مجرد وعود انتخابية مفرغة تستخدم غضب اليسار الشعبوي الأمريكي لخلق انقسام وانفصام في شخصية القوة والنفوذ الأمريكي.

انهيار سياسة بايدن الخارجية تجلى في ثلاثة ملفات :

اولاً: الصراع مع الصين حيث فشلت محاولات الولايات المتحدة لاحتواء النفوذ والقوة الصاعدة للصين عبر أسلوب الاحتواء الاستراتيجي سواء عن طريق خلق تحالفات قوية مع القوى الكبرى في المحيطين الهندي والهادي حيث ان هذا الاحتواء اثبت عجزه دون وجود التحالف مع روسيا والهند التي كانت من اقوى حلفاء الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب ودون حياد كوريا الشمالية وهو ما نجح فيه ترامب دون سواه . ومن جهة أخرى فشلت المباحثات الاقتصادية مع الصين والتي كان الرئيس بايدن ينتقد فيها إدارة ترامب ويتهمها بالتعنت والتشدد مع الجانب الصيني.

ثانياً : روسيا والامن في اوربا حيث لطالما انتقدت إدارة الرئيس بايدن سياسة ترامب التي تخلت عن الحلفاء الاوربيين وقوضت قوة حلف الناتو واضرت بالاتحاد الأوربي مقابل توطيد الصداقة مع الرئيس فلاديمير بوتين مما قاد الى اشعار موسكو بالقوة والتفوق على جوارها الأوروبي الديمقراطي الحر , الا ان الحرب في أوكرانيا اثبتت ان سياسة الرئيس بايدن ودعمها لتوسع الناتو عرض اوربا الى خطر المواجهة الأخطر مع موسكو والتي ليس لها مثيل منذ الحرب الباردة .

إضافة الى ان السياسات الامريكية لمواجهة اثار العقوبات المفروضة على روسيا تواجه بانتقادات حادة من قبل اوروبا الشرقية والوسطى التي تتهم الولايات المتحدة بانها تنقذ حلفاءها الاقوى في القارة على حساب تعرضهم لمخاطر المواجهة والغضب الروسي ، مما خلق انقسام غير مسبوق داخل المنظمات ومؤسسات التعاون والشراكة الاوربية الاقتصادية والأمنية.

ثالثاً : امن الشرق الأوسط والحلفاء في الخليج العربي الذين حاولت إدارة بايدن تجاهلهم وهي تتفاوض مقدمة كل التنازلات مع ايران فقط لكي تحقق عودة ايران الى الاتفاق النووي الذي اسسته ووقعته إدارة أوباما وشطبته وحطمته إدارة ترامب . لقد اعتقدت إدارة بايدن ان سنوات العقوبات الامريكية وسياسة الضغط الأقصى التي مارستها إدارة ترامب سوف تجعل القادة الإيرانيين يتراكضون للقبول بالعودة الى الاتفاق النووي في طاولات فيينا التي فرشت برعاية الحلفاء الاوربيين وبضمان الضامن الروسي نفسه الذي تريد إدارة بايدن ان تحاصره باعتباره قوة مارقة.

وبعد جولات من الشد المتواصل قدمت فيها الولايات المتحدة كل التنازلات التي تفوق ما تطلبه من الجانب الإيراني وخسرت فيه حلفاءها في الشرق الأوسط ، انتهت هذه الدبلوماسية التي راهن عليها بايدن بفشل تام , ولم يتحقق للولايات المتحدة لا شرق أوسط خاليا من التهديد النووي ولا اتفاق يحقق النصر لأهداف إدارة بايدن العالمية في العودة لإدارة النظام العالمي وفق قواعد القانون الدولي والعمل الدولي المشترك . قوى الواقعية في السياسة الدولية أصبحت لها قواعدها للنفاد من أي عقوبات, اما الحلفاء في الشرق الأوسط فهم غاضبون ومحبطون الان من القيادة الامريكية المتعثرة ومن الطريقة التي تم التعامل بها مع كل التضحيات والقرابين التي سبق تقديمها لصالح دعم قوة ونفوذ الولايات المتحدة.

التضخم العظيم 

الرئيس بايدن طار من واشنطن الى الشرق الأوسط وهو المكان الذي شاء القدر ان لايكون -ولأول مرة-  موقع الصراع العالمي الأخطر الدائر في اوروبا , بل انه المخلص في اللحظة الأخيرة THE DEUS EX MACHINA DELUSION وهي الصفة التي كانت تطلق على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في انهاء الصراعات الأخطر قبل حدوثها او تدارك تبعاتها.

لحظة اقلاع طائرة الرئيس بايدن كانت اسهم ناسداك تهبط بنسبة 0.15% وداون جونز تهبط 0.67% نقطة وستاندرد اند بورز 0.45% نقطة [2]. ومع ارتفاع طائرة بايدن ارتفع التضخم في الولايات المتحدة ليصل الى رقمه القياسي الأعلى منذ 41 عام بنسبة 9.1% مبشراً بان سياسات الفدرالي الأمريكي في رفع سعر الفائدة لم تكن مجدية لاحتواء التضخم وانه بحاجة الى تجاوز السقف في سبتمبر \ايلول القادم . كما ان صندوق النقد الدولي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي الى %2.3 هذا العام .

التضخم العظيم ليس اخر مشاكل الرئيس بايدن بل ان ضغوط أسعار النفط العالمية تزيد من ضغوط الحلفاء الذين أصبحت العقوبات على روسيا تضرهم اكثر مما يبدو انها تضر موسكو نفسها. وبالتالي اصبح التزام الرئيس الأمريكي بتأمين الطاقة لحلفائها امراً غاية في الأهمية . الا ان هذا الطلب الأمريكي سبق وان واجهته دول أوبك + بالرفض القاطع ولم تنجح الجهود الامريكية في كسر التحالف الروسي السعودي في ملف الطاقة وأسعار البترول. لقد أقفلت السعودية ودول الخليج الشبابيك والابواب امام الرياح الغربية وأصبحت الأنظار والارجل والايادي تزداد امتداداً باتجاه الصين القوة الاقتصادية التي لا تطلب مستمسكات الديمقراطية الغربية شرطاً للتعاون الاقتصادي.

وبالتالي فأن هبوط طائرة الرئيس بايدن لن يكون سهلاً في الشرق الأوسط . فما بين ما حاصر نفسه به من الوعود بعالم تقوده الولايات المتحدة وفق قواعد الديمقراطية الليبرالية الفذة وليس تلك التي اهدرها خصمه ترامب ، وما بين قوى الواقع في السياسية الدولية التي غادرت سفنها موانئ العلاقات غير المشروطة مع الولايات المتحدة ، لم يعد هنالك الكثير لكي يبحثه بايدن مع زعماء الشرق الأوسط ،ليس قبل ان يتعهد بان تعود الولايات المتحدة الى قواعد حفظ الامن والاستقرار للحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة دون ادنى تنازل او مهادنه. والحقيقة لا احد يعرف الى أي مدى ابتعدت سفن الشرق الاوسط واذا كان هنالك في خططها العودة الى الموانئ الامريكية، انه امر سوف تقرره هذه المرة مدى أهمية وقيمة الفرص والصفقات التي سوف تحملها طائرة الرئيس بايدن التي سوف تهبط في شبه الجزيرة العربية.

العودة الى شبه الجزيرة

في مقال قبيل الانتخابات الامريكية في نفس مجلة FOREIGN AFFAIRSبعنوان America’s Opportunity In The Middle East لكل من الكاتبين دانيال بنيام وكان يعمل مستشار نائب الرئيس الاسبق جو بايدن و جاك سوليفان كان يعمل مستشار الرئيس السابق باراك اوباما وهو مستشار الامن القومي في إدارة بايدن وهما غالباً ما يمثلان في مقالاتهما وجهة نظر الحزب الديمقراطي في ادارة السياسة الخارجية الامريكية. في هذا المقال المهم تحدث الكاتبان عن إمكانية إعادة خلق دور جديد للولايات المتحدة من خلال بناء اتفاقية امن وسلام جديد تجمع اللاعبين الأساسيين في المنطقة ايران والمملكة العربية السعودية وإسرائيل وان تكون الرعاية لهذا الترتيب الأمني هو الولايات المتحدة وتحديداً الرئيس الأمريكي الجديد-علماً ان المقال كتب قبل انتخاب الرئيس بايدن بشهور-. دور الراعي لهذا الاتفاق الأمني الاستراتيجي في الشرق الأوسط من شأنه ان يعيد القيادة للولايات المتحدة بشكل متوازن دون الحاجة الى ان تميل الكفة لصالح قوى واحدة كما حدث عندما مالت كفة العلاقات الامريكية منذ عهد جورج بوش الاب لصالح المملكة العربية السعودية على حساب ايران مما تركها في عداد الدول المارقة المهددة لأمن الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين [3]. تجاهلت إدارة بايدن فكرة انشاء حلف امني يضم قوى الشرق الأوسط المهمة وفضلت ان تستمر في فكرة عزل القوى الخليجية الأهم لصالح علاقات غير مسبوقة منت بها النفس مع ايران في حال توقيع الاتفاق النووي الذي كان قاب قوسين او ادنى الى ان اندلعت الحرب في أوكرانيا لتغير كل الحسابات واصبح الضامن الروسي حريصاً على ان لا تصل الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي الثمين.

يعود الرئيس بايدن قبل اقلاعه الى الشرق الأوسط ليكتب مقالة يسطر فيها أسباب ذهابه الى المملكة العربية السعودية، محاولاً تبرير تلك الرحلة للديمقراطيين الذين وقف يوماً ما امامهم ليقول لهم بانه الرئيس الأمريكي الذي لن يذهب الى السعودية بل انه سوف يحرص على ان تعاقب القيادة السعودية على جريمة الصحفي السعودي (جمال خاشقجي).

مقال بايدن تناول فكرة الذهاب الى المملكة العربية السعودية باعتبارها رحلة تاريخية لأحياء فكرة السلام في الشرق الأوسط معترفاً بنفسه وبمداد قلمه ان السلام في الشرق الأوسط لا يمكن ان يتحقق دون رمزية وقوة الدور السعودي . انه مقال حاول فيه بايدن ان يكتب الكثير من التفاصيل الا انه فشل في إخفاء حقيقة انه مقال استسلام الولايات المتحدة لقوة الدور السعودي ومجموعة دول الخليج العربي.

في هذا المقال ايضاً كرر بايدن ما ورد في مقال دانيال بنيام ومستشار الامن القومي الحالي جاك سوليفان أي فكرة إعادة ربط منطقة الشرق الأوسط بتحالف امني يحفظ السلام والامن والازدهار لدول المنطقة. ولكن الحقيقة ان زيارة بايدن لا يمكن ان تحقق هذا الحلف الأمني الذي لايزال غير واضح الملامح لا للولايات المتحدة ولا للمجموعة العربية ولا حتى لإسرائيل التي هي الان تحت حكومة تصريف اعمال وليس لديها مطالب محددة للولايات المتحدة سوى ان تستمر في التزامات إدارة ترامب وفق ما يعرف بصفقة القرن، وبالتالي فان زيارة بايدن الى إسرائيل انما هي اعتراف وتأكيد بأن إدارة بايدن لا تستطيع ان تتجاوز سياسة ترامب الخصم العنيد .

الرئيس بايدن في زيارته الى الشرق الأوسط خلط الفكرة الناتو العربي بفكرة الاتفاقات الابراهيمية خلطاً غير محدد الملامح في محاولة لتشويش الهدف الأساسي والوحيد لتلك الزيارة الا وهو امن الطاقة وأسعار البترول ولا هدف اخر عملي وحقيقي لهذه الزيارة. ولكن الان عليه ان يقدم ثمناً باهضاً لتأخره في هذه الزيارة ولا ضمانات بأن دول الخليج والدول العربية او ما يعرف بمجموعة 6+1 سوف تستجيب للطلبات الامريكية ولا احد يضمن ان هذه الدول مهتمة بالدور الأمريكي لاتفاقات الامن والسلام في المنطقة فقد أثبتت هذه الدول انها قادرة على ان تتعامل مع قوى الواقع وتبني لنفسها منظومة امنية عملية سواء مع إسرائيل او حتى مع التهديدات الإيرانية. وهذا ما اسبق ان نبه اليه مقال بينام -سوليفان حيث نبه الى ان “الرئيس الأمريكي القادم عليه ان يسارع الى ان يؤمن دور الضامن لاي معاهدات للامن والسلام في الشرق الأوسط قبل ان تتمكن دول المنطقة من ان تؤدي هذا الدور بنفسها دون حاجة لاي ضمانات أمريكية”[4].

لن تتحدد نتائج زيارة بايدن قبل ان تنتهي زيارة أخرى مرتقبة الى المنطقة الا وهي زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الى ايران الأسبوع المقبل. هذه الزيارة سوف تختبر متانة وعي دول الشرق الأوسط الكبرى بأهمية ان تنسق قوتها وتحالفاتها بعيداً عن المتصارعين العالميين. ولا يمكن تصور ان تعيد قوى الشرق الأوسط لأخطاء الماضي القريب.

Rana Khalid

Senior Researchers & Executive.

 ranaifpmc@outlook.com

  info@ifpmc.org

[1] On nonproliferation and nuclear security, the United States cannot be a credible voice while it is abandoning the deals it negotiated. From Iran to North Korea, Russia to Saudi Arabia, Trump has made the prospect of nuclear proliferation, a new nuclear arms race, and even the use of nuclear weapons more likely. As president, I will renew our commitment to arms control for a new era. The historic Iran nuclear deal that the Obama-Biden administration negotiated blocked Iran from getting a nuclear weapon…’

https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2020-01-23/why-america-must-lead-again?utm_medium=promo_email&utm_source=special_send&utm_campaign=election_active&utm_content=20201107&utm_term=all-actives

[2] https://www.bls.gov/news.release/cpi.nr0.htm

[3] Daniel Benaim and Jake Sullivan, America’s Opportunity in the Middle East

Diplomacy Could Succeed Where Military Force Has Failed

https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2020-05-22/americas-opportunity-middle-east

[4] Daniel Benaim and Jake Sullivan,Ibed

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories