asd

خلق الثروة.. الحكومة البريطانية الجديدة وإعادة احياء التاتشرية الأقتصادية  

Related Articles

بيان رأي

خلق الثروة

الحكومة البريطانية الجديدة وإعادة احياء التاتشرية الأقتصادية  

د. رنا خالد

رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات العامة

IFPMC-LONDON

SEPTEMBER 2022 

قبل حدود الأربعين عاماً وتحديداً بعد فوزها الأول في انتخابات الثالث من مايو \ أيار 1979، اطلقت رئيسة الوزراء البريطانية رؤيتها الاقتصادية لإعادة هيكلة الاقتصاد البريطاني بعد تضخم الستينات والركود التضخمي في السبعينات وازمات الطاقة التي هزت عرش اوروبا وبريطانيا.

ارتكزت سياستها الاقتصادية على واحدة من اعقد معادلات الاقتصاد السياسي التي كانت متأثرة بشدة بأفكار رائد الليبرالية الجديدة الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان Milton Friedman وأفكار الاقتصادي النمساوي فريدريك هايك Friedrich Hayek.  التاتشرية Thatcherism كانت أركانها الأساسية هي:

سياسات السوق الحر

خصخصة القطاعات الخدمية

تخفيف الضوابط على الاستثمار

خفض الضرائب

التخلص من قيود صرف العملات

تحطيم سلطة النقابات العمالية

هذه الأركان مثلت مكونات أيديولوجية (خلق الثروة بدل توزيعها).

بعد 18 شهر تم انتخاب الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي جمعته مع تاتشر علاقة ثنائية غير مسبوقة في التاريخ اتاحت لبريطانيا ان تعود قطباً دولياً فاعلاً يتيح لها مكانة تنافسية جاذبة لرؤوس الأموال العالمية المهمة وقدرة على اختراق الأسواق العالمية في اسيا والشرق الأوسط وامريكا اللاتينية. شكلت ثنائية (التاتشرية) في بريطانية و (الريغانومكس) في الولايات المتحدة سمة العالم الرأسمالي المعاصر واساس القوة الناعمة فيه.

لم تكن حياة تاتشر سهلة في الداخل حيث ان الحرب مع نقابات العمال من جهة والحرب مع الشين فين من جهة أخرى جعلت شوارع لندن والمدن البريطانية مسرحاً للاحتجاجات الغير منتهية، واعمال العنف، والتفجيرات، والجريمة. ولكن مارغريت تاتشر صاحبة مقولة (لا يوجد ما يعرف بالمجتمع، يوجد افراد سواء كانو نساء او رجال وهنالك أسر) لم تكن تريد ان يصفق لها العامة، بل كانت عازمة على إعادة بريطانية الى التنافسية العالمية بعد ان أصبحت امة منطوية ومقسمة ومنسية.

استمرت سياسية تاتشر الاقتصادية في الإبحار في الأمواج العاتية وتحقق لها ما ارادت حيث خلقت بريطانيا منهجاً اقتصادياً تم استنساخه في العديد من دول العالم ليكون البديل عن اشتراكية الدولة الذي لم يكن مذهباً اقتصادياً فحسب، بل كان نظام سياسي يعزز سلطة الاشتراكية في النظام العالمي. وحيث ان قوة الاتحاد السوفيتي قاربت على الأفول كان لابد من خلق بديل رأس مالي جديد يكون حلاً وسطاً للانتقال من الاشتراكية المطلقة الى الرأسمالية فتتحول أدوار الدول الاشتراكية من توزيع الثروات الى عملية خلق الثروات عبر الخصخصة وسياسات اقتصاد السوق والانفتاح على الاستثمار دون قيود الدولة.

ولكن قبيل انتهاء حقبة تاتشر بدأت التشققات والعيوب تهز اركان الليبرالية الجديدة والتاتشرية الاقتصادية حيث فشلت في تخفيض الانفاق الحكومي على الرغم من انها لم ترتفع ايضاَ طوال عقد الثمانينات ومطلع التسعينيات كما وان عملية خلق الثروة فشلت ايضاّ حيث ان خلق الثروة الوحيد تم لصالح الافراد الذين تكدست ثرواتهم، إضافة الى ان انفتاح الأسواق ساهم في نمو الفساد المالي. ولكن النجاح الذي حققته التاتشرية كان بارزاً في مجالين:

الأول هو النجاح في إيجاد بديل عملي للاشتراكية وهو امر أنقذ العديد من الدول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وأصبحت الخصخصة واحدة من اهم منافذ توليد الثروة وإنقاذ الاقتصاد في الدول الاشتراكية التي تعاني من اتساع الانفاق الحكومي على القطاع العام.

المجال الثاني هو تقويض سلطة النقابات العمالية التي كانت تتدخل في الأجور وفي تنويع الاقتصاد فقد تحولت هذه النقابات بنظر العمال الى دكتاتوريات معيقة للنمو الاقتصادي واخذت طروحاتها تتآكل تدريجياً في العديد من المدن البريطانية.

ورغم ان نماذج براقة مثل سنغافورا وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا الا ان قلب العالم الرأسمالي كان يعاني من أزمات متتالية وفقاعات اقتصادية كارثية انتهت الى عاصفة الازمة المالية العالمية في 2008 والتي أعلنت نهاية التاتشرية وتم هدم أركانها في معقلها الأساس بريطانيا حيث انقذت الكنزية* الاقتصاد البريطاني وكان الأقل تضرراً في أوروبا والولايات المتحدة .وكان لتدخل الدولة في الإنتاج وضوابط التعاملات البنكية ورفع الضرائب الى حدها الأقصى، الأثر الأبرز في إعادة التوازن الى الاقتصاد البريطاني .

ورثة تاتشر

 اليوم وبعد سنوات من اغلاق حقبة التاتشرية تعود هذه الفرضية الاقتصادية الى الانبعاث جديد عبر جيل من التاتشريين الجدد الذين ينوون إعادة خلق التاتشرية ولكن بوصفة جديدة ربما اكثر تعقيد ولكنها اما سوف تنجح في الهدف المشترك الا وهو (خلق الثروة ) او ربما سوف تحطم السفينة .

ليز تروس أعلنت عن خطة -ترفض ان تسمى بالتاتشرية – ولكنها تحتوي على ذات العناصر. ليز تروس رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة لم تبين لحد الان تفاصيل خطتها الاقتصادية، ولكنها وضحت موقفها خلال حملة الترشيح حيث انها تؤمن بأن اصلاح الاقتصاد البريطاني يجب ان يعتمد على احداث التوازن بين معدلات الضرائب والمستويات الناتجة من الإيرادات الضريبية والمعروف بمنحنى Lafferلافير [1].

كما انها لم تخفِ اعجابها بالاقتصادي البريطاني باتريك منفورد الذي سبق ان اشتهر بنقده لرئيسة الوزراء مارغريت تاتشر على الرغم انه ينتمي الى ذات المدرسة الاقتصادية التي تنتمي لها تاتشر وهي ما تعرف بمدرسة شيكاغو. ويجتمع كل من نائب محافظ بنك إنكلترا السابق تشارلس بين، وعدد من الخبراء على ان اتباع ليز تروس لأفكار منفورد سوف تؤدي الى ارتفاع أسعار الفائدة الى 7%نقطة أساس.

ولكن المفارقة انه بالرغم من ان تروس أعلنت خلال حملة الترشيح بأنها لن تتبنى النهج التاتشري الا انها عينت كواسي كوارتنغ Kwasi Kwarteng وزير للخزانة والذي يعتبر من عتاة التاتشريين المؤمنين بأفكار تاتشر الاقتصادية. وبالتالي فأن عودة الأفكار التاتشرية ستكون سمة المرحلة المقبلة وهي أفكار ليست سهلة الهضم لدى العامة، بل قد تعني صدامات واضطرابات لن تحتاج عقلية تاتشر الاقتصادية، بل شخصيتها السياسية العنيدة والمنضبطة.

وفي جميع الأحوال فأن التاتشرية وفكرة دور الدولة في خلق الثروة من خلال الخضخضة وتقليص القطاع العام وتحديد دور الدولة في الانفاق وفي السياسية المالية هذه الأفكار بكل سيئاتها وعيوبها وحسناتها وفرصها سوف تجتاح العالم بطريقة او أخرى. حيث لم تعد الاشتراكية موجودة الا في عقول الحرس القديم من عتاة المدافعين عن دور الدولة في الاقتصاد، وليس لها سوق رائج سوى في الدول التي لاتزال تنمو فيها أشجار اليسار الجميلة الأوراق، ولكنها مقطوعة الجذور وغير قادرة على الإنجاز كما في دول أمريكا اللاتينية. وكذلك لانزال نشاهد دول الدولة في الانفاق العام في تلك الدول ذات الحكومات الضعيفة والفاسدة التي تحاول ان تشتري ولاء القطاع العام بعد عن عجزت عن علاج الفساد وتصحيح الأخطاء الاقتصادية.

*استخدام الاقتصاد الكلي في سبيل التشغيل الكامل للعمالة

[1] منحنى لافير (Laffer Curve): منحنى ابتكره الاقتصادي الأميركي “آرثر لافر” (Arthur Laffer) خلال سبعينيات القرن الماضي، ويُعنى بالعلاقة بين العوائد الضريبية ومعدّلات الضريبة المفروضة على الناس، إذ وعلى عكس ما يتوقعه الأفراد، فإنّ ارتفاع معدلات الضريبة لا يزيد من تحصيل العوائد الضريبية لأن الضرائب الكثيرة تُثقل كاهل الناس

Senior Researchers & Executive.

 ranaifpmc@outlook.com

  info@ifpmc.org

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories