asd

حرب العراق الأخيرة  …انعاش الاقتصاد في العراق

Related Articles

انعاش الاقتصاد في العراق

حرب العراق الأخيرة  

د.رنا خالد

المدير التنفيذي لمنتدى صنع السياسات -لندن IFPMC

العراق اليوم امام مفترق طرق حاسمة ولأول مرة يكون الاقتصاد هو عامل الحسم في بقاء الدولة العراقية اوفناءها .ونكاد نجزم ان معركة الاقتصاد وضمان العيش الكريم للمواطن العراقي هي الحرب الاهم التي تواجه جميع العراقيين ،وهي ايضاً الحد الفاصل الذي يحدد نجاح اي اداء حكومي والتي حتى وان عجزت عن تلبية المتطلبات الامنية والسياسية فان لا مفر امامها من انقاذ اقتصاد العراق بكل قوتها وقدراتها. اليوم المواطن العراقي لم يعد يسأل عن مصير الديمقراطية والمشاركة السياسية بل يسأل عن مصير الرواتب والمعاشات التقاعدية والتعليم والصحة . ومع تراكم اخطاء وكوارث الاقتصاد العراقي اصبح افلاس الدولة هو الخبر والحدث الاهم الذي  يجب ان يسترعي الاهتمام. اصبحت عملية انقاذ وتحسين اداء قطاعات الاقتصاد العراقي من اهم الاولويات الطارئة .

اهم هذه القطاعات التي من الممكن اجراء تحسينات اقصادية سريعة فيها هو قطاع الاعمال والذي يشمل التجارة والصناعة والنقل والزراعة والانشاء والتعمير والخدمات . هذا القطاع هو المعيار الاساسي الذي تعتمد علية المنظمات النقدية الدولية في تقييم مدى جدية الاصلاحات الاقتصادية في الدول .ويمثل المرجع الذي تقدمه حكومات الدول التي تعاني من ازمات اقتصادية التي تبحث عن سبل لانقاذ وضعها الاقتصادي .

اولاً :تحسين اداء الاعمال

مؤشر ممارسة الاعمال السنوي الذي يصدره البنك الدولي  (Doing Business)والذي يعد اهم المؤشرات الاقتصادية بالنسبة للحكومات التي تسعى لجعل بلدانها جذابة لبيئة الاعمال والاستثمار .البعض يصف هذا المؤشر بانه يحدد بطل العالم بالاقتصاد.

هذا المؤشر يقيس مدى سهولة الاعمال في الدول كما انه يقدم النصائح والتوصيات التي تحتاجها الدول لكي تطور قطاعات التجارة والصناعة والاستثمار .وفعلاً ادى هذا التقرير منذ صدور اول نسخه 2005 دور حاسم في تطوير بيئة الاعمال في اكثر من 190 بلد كما ساهم في احداث 3,500 تدبير اصلاحي تراوح بين سهولة بداية العمل التجاري، التعامل مع تصاريح البناء، إدخال الكهرباء، تسجيل الممتلكات، الحصول على الائتمان، حماية المستثمرين من الأقليات، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، توقيع العقود، التعامل في حالة التعثر.

استمرت دول العراق وسوريا وليبيا واليمن تتذيل ادنى مراتب هذا المؤشر سواء على مستوى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا او على مستوى العالم . وبالتأكيد يشخص التقرير تأثير عدم الاستقرار السياسي والحروب الاهلية كسبب اساسي من اسباب تعثر الاصلاح في هذه الدول المتأخرة .

تحاول العديد من الحكومات ان تقوم بتحسينات اساسية بناءاً على توصيات هذا المؤشر المهم لكي تحسن من موقعها الاقتصادي والمالي. فعندما تقوم المؤسسات الحكومية باجراءات تسريع اصدار اوراق الشركات الجديدة او تقديم تسهيلات لبيئة العمل الخاصة بالشباب او النساء فان هذه الاصلاحات مهما كانت تبدو صغيرة الى انها ترفع الاداء الاقتصادي للدول . كذلك التشريعات الخاصة بحماية الاستيراد والتصدير او تطوير المنافذ الحدودية او الموانئ او حماية منشئات العمل والمصانع ..الخ .توصيات مؤشر ((Doing Business قائمة على اسس وضعتها مؤسسات دراسات وابحاث اقتصادية اكاديمية لذلك فهي لا تعامل ارض الواقع الاقصادي في الدول ذات الخصوصيات الاقتصادية .وهذا ما أكده الاقتصادي إيڤان سولتاس في دراسة معمقة نشرها في مايو 2016 على موقعه. حيث أكدت الدراسة القائمة على سؤال: هل يوجد رابط بين تقدم تصنيف الدول التي أخذت بتوصيات البنك الدولي في مؤشر أداء الأعمال (doing business index) ونموها الاقتصادي؟ واستخلصت الدراسة أن الدول التي طبقت هذه التوصيات وارتفع تصنيفها على مؤشر سهولة أداء الأعمال لم يتحسن اقتصادها ولم يتحسن المستوى المعيشي لمواطنيها سواء على المدى المتوسط أو حتى البعيد. فدول مثل نايجيريا وغينيا والغابون تعد من الدول التي حسنت مراكزها في هذا الؤشر ولكن الواقع الاقتصادي لهذه الدول لايزال بعيداصعن الاستقرار والنمو الايجابي .

هذا لا يعني أن السعي لتطوير وتحسين أداء الأعمال لا يعد أمرا إيجابيا، بل على العكس فهذه الإصلاحات لقطاع الأعمال تعد جاذبة للاستثمار الأجنبي والمحلي وتساهم بخلق بيئة تجارية جيدة وضرورية. إنما النمو الاقتصادي للدول لا يرتبط بهذه الإجراءات فقط، فمن الممكن أن تسهل إجراءات إصدار السجل التجاري لنشاط معين مثلا ولكن لا توجد قوى شرائية أو غيرها من الأسباب الأخرى وبالتالي لن ينمو الاقتصاد ولن يتحسن مستوى دخل الفرد بمجرد تسهيل الإجراءات، إنما هي ضرورية بطبيعة الحال متى ما وجدت البيئة المتكاملة التي تساعد على إعطاء هذه الإصلاحات القيمة الحقيقية.

ثانياً: تطوير الخبرات وليس الشهادات

عالم التشغيل اليوم لم يعد يعتمد على اصحاب الشهادات العليا .ربما تبدو هذه الجملة صادمة ولكنها واقعية . فاصحاب العمل باتوا يبحثون عن اصحاب المهارات الخاصة والمطورة عبر التدريب الحثيث .واصبحت تلك معايير التشغيل في اكبر الشركات في العالم خاصة شركات الاتصال الرقمي (غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت) . في العراق يجب ان تتطور معايير التشغيل بهذا الاتجاه الذي يسمح بتطوير العاملين في المؤسسات وامدادهم بالتدريب اللازم لرفع انتاجيتهم بصورة تواكب التطور الحالي . كيف يمكن ان يطور التدريب بيئة الاعمال ؟

اولاً :من خلال خلق فرص عمل للشباب من اصحاب المواهب خاصة في مجال الحواسيب ونظم المعلومات الرقمية . ولقد حققت هذه الميزة قفزة نوعية للتشغيل في دول مثل الهند والصين وفيتنام والفلبين .

ثانياً :تخفيف عبئ التشغيل الحكومي الذي يثقل كاهل الدولة التي لم تعد مؤسساتها ودوائرها سوى حلقات للبطالة المقنعة الضارة بالاقتصاد والتنمية البشرية .

رابعاً : تطوير برامج التعليم في العراق لكي تركز الجهود على خلق جيل من القادرين على الانتاج الحقيقي وليس جيل من المتباهين بشهادات جامعية غير منتجة . فالجامعات والمعاهد يجب ان تجري فيها ثورة لاعادة الاهمية للمهن التي تعتمد على تطوير الخبرة والمهارة والتي يمكن ان تعزز قطاعات البناء والتعمير والتشغيل والادارة والقطاعات الصحية .

ثالثاً :الثقافة الاقتصادية

العراق يعاني من مشكلة عجز الثقافة الاقتصادية المجتمعية .نحن مجتمع لا تتجاوز ثقافته الاقتصاية بعض المعلومات البسيطة والمغلوطة والمشوشة عن الاستثمار والنقد والتظخم والركود والتعامل البنكي لا يتجاوز السحب او الايداع . هذا الجهل الاقتصادي ادى الى اضياع حقوق المواطن الاقتصادية وادى الى تأخر المؤسسات الاقتصادية ايضاً . اليوم جميع مؤسسات التنمية الاقتصادية الدولية تراقب عملية التثقيف الاقتصادي بعين ثاقبة  فهي تربط بين انتشار الوعي الاقتصادي والفعالية الاقتصادية .

الثقافة الاقتصادية في العراق ضلت محصورة بين مؤسسات التعليم الاكاديمية التي هي نفسها عجزت عن التطور حيث برامج التعليم لاتزال تنتمي القرن العشرين وتعجز عن تلبة متطلبات العمل . اما وسائل الاعلام فلقد تجاوزت موضع الاقتصاد تماماً وضلت السياسة محورها الاساسي .وحتى المواضيع الاقتصادي التي يتم تناولها فان اغلبها يركز على عوامل الاحباط والانقسام وليس اسس التنمية الصحيحة ومراقبة نمو السوق او تعليم وسائل تطوير العمل الخاص او جذب الاستثمار .

اليوم العراق بأمس الحاجة الى :

اولاً : برنامج وطني شامل لمحو الأمية الاقتصادية عبر فتح مدارس اقتصادية لمختلف الاعمال يجري فيها تدريس اسس الاقتصاد ومفاهيمة الاولية واهم التطورات والتحديثات في مجال الاقتصاد .

ثانياً: دعم مؤسسات اعلامية اقتصادية محايدة وعلمية تتابع تطورات الاسواق المالية وقطاعات الاعمال بالاضافة الى شرح اوليات الاقتصاد المعاصر الى الجمهور وكيفية الاستفادة من المؤسسات المالية وكيفية تنمية سبل الادخار والاستثمار الفردي .كل تلك المعارف من شأنها خلق جو اقتصادي صحي لا مجال فيه للخرافات والضياع والهدر .

رابعاً: رواد الاعمال

مفهوم ريادة الاعمال هي الاستعداد لإدارة وتنظيم وتطوير المشروعات بالتزامن مع التأثر بالمخاطر بهدف الوصول إلى الأرباح، وتعتمد على المبادرة بإنشاء عمل جديد؛ عن طريق الاستفادة من الموارد المتاحة، والعمل، ورأس المال الذي يُساهم في الحصول على الربح،وتُعرَّف ريادة الأعمال بأنّها نشاط يهتمّ بتأسيس الأعمال المتنوعة؛ من أجل تحقيق الربح مع تقدير المُخاطرة المترتبة على ذلك. المخاطر غير المحسوبة في العراق هي من اهم معوقات تطوير بيئة الاعمال في العراق ،اضافة الى ضعف مؤسسات النقد وعدم قدرتها على تلبية متطلبات السوق النامي في العراق .ومع كل هذه المعوقات نجح عدد من رواد الاعمال في العراق في تطوير مشاريع غير مسبوقة دخلت السوق العراقية واستطاعت ان تحقق تطور مهم .

مركز (المحطة) احدى اهم تلك التجارب الواعدة في مجال ريادة الاعمال في العراق والتي استطاعت ان تجذب نظر العديد من المؤسسات الاقتصادية العالمية لتبني تلك الافكار الاستثمارية الرائدة .العراق بامس الحاجة الى هذا النوع من النشاطات الاقتصادية الفعالة والمؤثرة والتي يمكن ان تبث دماء جديدة الى الاقتصاد العراقي الذي ضل يعاني طويلاً من الاطر الريعية القديمة والبالية . تجارب رواد الاعمال في العراق تحتاج الى ان يتم تحريرها من قيود البيروقراطية السامة في العراق اضافة الى تسهيل انفتاحها على المؤسسات المال والاعمال الدولية التي يمكن ان تسد مشكلة عجز التمويل الذي تعاني منه .

اخيراً نخلص الى ان الاقتصاد في العراق يبدو منهكاً ولا يمكن ان نقفز فوق الواقع ونقول ان انعاش الاقتصاد يمكن ان يكون عملية سهلة خاصة بعد ان دب الاهمال والفساد في اركان الاقتصاد واصبح يهدد وجوده وديمومته .ولكن في الوقت نفسه فأن محاولة احداث فرق والتحرك افضل بكثير من انتظار الكارثة .وربما كانت انخفاض اسعار النفط متزامنة مع ازمة كوفيد -19 قد اصبحت كارثة الكوارث على الدولة العراقية لكن بالنسبة للاقتصاد وطبيعته الديناميكية ربما سوف تشكل هذه الكارثة الفرصة الكبيرة للعمل وخلق الفرص من رحم الظروف الصعبة . حان الوقت للتخلص من الاقتصاد الذي تديره الدولة فهو اثبت ان الحكومات الفاشلة هي اكبر معوقات التنمية وان الاسراع في التخلص من عبء الدولة وتنشيط القطاع الخاص واعادة هيكلته على اسس عملية سليمة وحديثة يمكن ان يغير واقع العراق ومستقبله .

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories