جدلية الأمن والتنمية بالعراق

Related Articles

جدلية الأمن والتنمية بالعراق

قاسمي عبدالسميع

باحث بمنتدى صنع السياسات

JULY 2021

 

 

لطالما شكّلت العلاقة بين الأمن والتنمية محور النقاشات النظرية في حقلي الدراسات الأمنية ودراسات التنمية، ولا شك أن أغلب أدبيات هذه الحوارات النظرية والجهود المعرفية تُجمِع على وجود علاقة طردية بين الأمن والتنمية [i]، وهو ما يجد أرضية امبريقية  empirical ground -تجريبية- في الحالة العراقية. حيث لا يختلف اثنان على أن تدهور الوضع الأمني بالعراق بعد أحداث 2003 وما تبعها من تداعيات لازالت آثارها قائمة لغاية اليوم؛ أدّى لانخفاض معدلات التنمية بشكل دراماتيكي في كافة الميادين والمجالات، بل وأدخل العراق في أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية متجددة ومتعددة الأبعاد والأشكال.

وبحُكم معرفة الجميع وادراكه لهاته الأزمات والمشاكل التي لازالت لغاية يومنا هذا، تؤرق المواطن العراقي وتصعِّب من حياته اليومية، فالسؤال المطروح هو كيف يمكن لصانع القرار العراقي أن يستغل الدروس الماضية والتجارب المتراكمة التي عاشها العراق والدول المجاورة في بلورة سياسات عامة تأخذ بعين الاعتبار العلاقة الطردية بين الأمن والتنمية وتستجيب لتطلعات المواطن العراقي ؟

إن طبيعة العلاقة بين الأمن والتنمية تستدعي نوعاً من المرونة في صياغة السياسات الأمنية والتنموية، بمعنى أنه لابد أن يخلق صانع القرار سياسات متوازنة تهدف لتحقيق الأمن والتنمية على نحوٍ متزامن، ولكن في نفس الوقت يجب أن يتم وضع هذه السياسات ضمن ضوابط وأولويات تنطلق من القضايا الأكثر أهمية نحو الأقل أهمية؛ فعلى سبيل المثال، من الضروري أن تركز هذه السياسات على المسائل المستعجلة على غرار إصلاح القطاع الأمني  Securtiy Sector Reform وتكثيف جهود محاربة الإرهاب  Counter-terrorism والجريمة المنظمة Countering transnational organized crime وغيرها. في نفس الوقت يجب أن تقترن هذه السياسات باستراتيجية تنموية مستدامة وشاملة تقوم على لامركزية الإدارات والمؤسسات الخدماتية، تطوير البنى التحتية لاسيما في مجالات النقل والمواصلات، التعليم والصحة وخلق مشاريع تنموية تستجيب لتطلعات العراقيين بكل المحافظات.

من جهة أخرى، إن المقاربة التقليدية في معالجة المسائل الأمنية القائمة على الطرق القسرية وسياسات الأمننة المفرِطة Securitization لم تعد ناجعةً في عصر التهديدات اللاتماثلية Asymmetric Threats والتحديات الأمنية الجديدة New Security Challenges على غرار الحروب الالكترونية، تحديات المناخ والتنوع البيولوجي، الصراعات الهوياتية والاثنية وغيرها من التهديدات التي أصبحت تفرض على صُنَّاع القرار تكييف سياساتهم الأمنية على نحوٍ يتجاوب مع خصائصها ويقي من مخاطرها المختلفة.

وبالتالي، يقع على عاتق صانع القرار العراقي، إدماج عناصر التنمية، المرونة والتكيُف في جهود تحقيق الأمن وجعلهما محور كل السّياسات العامة ذات الصلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعدُّ غياب التنمية في عدة مناطق البلاد خاصة الحدودية مصدراً للآفات الاجتماعية وبيئة خصبة لتنامي التهديدات الأمنية، وذلك لا يقتصر على العراق، بل قد ثَبت تجريبياً بدول أخرى عديدة بالعالم نذكر منها دول السّاحل الإفريقي.

وعلى العكس من ذلك، فإن بلورة سياساتٍ عمومية تتجاوب مع مشاكل التنمية ومعوقاتها بهذه المناطق بالعراق يعتبر خطوة أساسية لتعزيز الأمن بها، حيث أن توفير الخدمات، خلق مناصب شغل لائقة وتطوير البنى التحتية سيساعد في محاربة واحتواء الآفات الاجتماعية على غرار البطالة، تنامي الجرائم وغيرها من آفات قد تتحول لاحقاً لتهديدات أمنية.

في الأخير، من الجدير بالذكر، أن تحقيق الأمن بالعراق سينعكس بدوره ايجاباً على استقرار المنطقة وواقع التنمية على المدى المتوسط والطويل، حيث أن موقع العراق الجغرافي الاستراتيجي وثرواته الطبيعية المختلفة ستجعل منه وجهةً مفضّلة للاستثمار والسّياحة اذا ما اقترنت بوضع أمني مستقر.

 abdelssami@ifpmc.org

الهوامش:

[i] BJÖRN HETTNE, Development and Security: Origins and Future, Security Dialogue, vol. 41, no. 01, February

2010, pp. 31-52

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories