asd

تداعيات الحرب بأوكرانيا على نفقات استيراد القمح بالعراق

Related Articles

تداعيات الحرب بأوكرانيا على نفقات استيراد القمح بالعراق

قاسمي عبدالسميع*

باحث بمنتدى صنع السياسات

IFPMC-LONDON

March 2022

 

 

تَشهد منطقة شرق أوروبا هذه الأيــــــام تصعيداً عسكرياً حاداً بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما خلق تصدعاً في النظام الدولي بسبب تأزم العلاقات بين روسيا والحلفاء الغربيين لأوكرانيا على غرار الاتحاد الأوروبي، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع تزامن ذلك مع مباشرة جملة من العقوبات اقتصادية ضد موسكو ورفض دولــــي للخطوة الروسية التي تم اعتبارها بمثابة “اعتداء صريح” على جارتها الغربية في جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة تم بموجبها ادانة روسيا[1].

وبحكم العلاقة الوطيدة بين السّياسة والاقتصاد، فلا شك أن تأزم الوضع بين أوكرانيا وروسيا ستكون له تداعيات وأبعاد اقتصادية متعددة لاسيما في ميدان الإنتاج الزراعي، حيث تعتبر روسيا وأكرانيا من أهم المنتجين العالميين لمادة القمح بنسبة تقدر ب 20% من الإنتاج العالمي[2]، وهو ما قد تكون له انعكاسات سلبية على فاتورة الاستيراد العراقية.

  1. نبذة عن نظام التوزيع العام بالعراق :

يتبع نظام التوزيع العام بالعراق  Public Distribution Systemنموذجاً يقوم على مقاربة اجتماعية،  تهيمن فيه الشركات المملوكة للدولة على النظام الزراعي وتشتري المنتجات الزراعية من الفلاّحين العراقيين، وغالباً بتكلفة مبالغٍ فيها، وتشتري أيضاً الواردات، وفي المقابل، توفر المنتجات الزراعية والأسمدة بسعر رخيصٍ أو مجاناً للمواطنين[3].

  1. تفشي الفساد بنظام التوزيع العام العراقي :

يقول تقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO إنه عندما تكون أسعار القمح في البلدان المجاورة أقل من السّعر الذي حددته الحكومة، يقوم التجار بتهريب القمح إلى العراق لبيعه بالسّعر الرسمي الأعلى.  كما تنقل تقارير أخرى، أن درجة تفشي الفساد بلغت ذروتها في عام 2009  عندما تبيّن أن واردات نظام التوزيع العام قد تم تزويرها بأسعار مزيفة لا تمت للواقع بصلة، وتسجيل تجاوزات عدة أدت إلى التحقيق مع وزيرالتجارة الاسبق.  وفي عام 2020، تحدثت جهات إعلامية عن تلقي مسيري المخازن التي تديرها الحكومة رشاوى من المزارعين مقابل تحديد شروط مواتية لشراء القمح.[4]

 

  1. النفط مقابل القمح.. الريع وفاتورة استيراد القمح بالعراق:

من المعروف أن الاقتصاد العراقي قائم على الريع النفطي، وجميع النفقات والمداخيل مرهونة بسعر البترول وحجم الإنتاج النفطي، وهو ما يجعل نظام التوزيع العام والتحويلات الاجتماعية عرضةً لصدمات السوق العالمية واضطراباتها.

فحسب البعض،  يؤدي انخفاض عائدات النفط إلى تقويض قدرة الدولة على شراء المنتجات واستيراد حاجاتها؛ كما حدث تماماً في عام 2014 حين تهاوى سعر البرميل من 100 دولار (السعر المكافئ اليوم) إلى 23 دولارا، وسط عجز الدولة عن شراء المنتجات الزراعية واستيرادها، وهو ما أدى إلى احتجاج من قبل المزارعين وتعرض العراقيين إلى الفقراء الغذائي. أما خلال انهيار أسعار النفط مؤخراً، كان العراق ينفق الجزء الأكبر من الموازنة على قطاع الأمن والدفاع لمحاربة الارهاب، وحسب برنامج الأغذية العالمي، اضطر صناع القرار ببغداد إلى خفض نفقات الاعانة الموّجـــهة إلى الفئات الهشة، حيث أن الحكومة “ركزت جميع الموارد المتاحة على دفع فاتورة أجور موظفي القطاع العام”؛ وهو سيناريو قابل للتكرار، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العراق من 41 مليون نسمة اليوم إلى حوالي 50 مليون نسمة في عام 2030، على نحو سيقود إلى تآكل تدريجي لميزانية الحكومة للرواتب والخدمات[5].

  1. تغير المناخ سبباً لهشاشة نظام التوزيع العام بالعراق:

تم التطرق في مقال سابق لمنتدى صنع السياسات إلى موضوع المناخ بوصفه خطراً منسياً يهدد الأمن البيئي والغذائي بالعراق، فمع نمو السكان وانخفاض أسعار النفط، فإن توزيع القمح الذي تديره الحكومة معرض أيضا لخطر تغير المناخ واستخدام المياه من قبل البلدان المجاورة حيث يجري بناء السدود، بما في ذلك في تركيا وإيران[6].

في شق آخر، تزعم تقارير إعلامية أن سنة 2018 شهدت انخفاضاً لمستويات تدفق المياه  لنهر دجلة بعد بناء السدود التركية على نحو أدى إلى خفض إنتاج القمح بشكل حاد بالعراق، ولو مؤقتاً. ويؤكد هادي فتح الله مدير مجموعة مدير في مجموعة NAMEA للاستشارات حول السّياسات العامة، أن السنة التسويقية  2020-2021  عرفت فشلاً لمحاصيل القمح والشعير في شمال العراق وانخفاض إنتاجية الأرز بحكم شح الموارد المائية المخصصة للري في الجنوب عام 2021؛ وعلية يتعين على العراق استيراد كميات أكبر من الحبوب في عام  2022 لتغطية احتياجاته، في وقت بلغت فيه أسعار الحبوب مستويات قياسية. ومع ذلك، يرى  فتح الله إن أحد الإيجابيات – على الأقل على المدى القصير – هو أن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يدعم النظام الغذائي العراقي. وأضاف أن “فائض الإيرادات الحكومية من النفط في عام 2021  عزز احتياطيات العملة الأجنبية إلى 55 مليار دولار، بعد أن كان 48  مليار دولار في عام 2020، مما ساعد العراق على تغطية واردات الأغذية الزراعية بقيمة ستة أشهر على أساس واردات عام  [7]2019.

وحسب ذات المتحدث فإنه “نظرا للزيادة في أسعار المواد الغذائية العالمية في عام 2021، من المتوقع أن تكون تكاليف استيراد الأغذية الزراعية في العراق قد زادت بنسبة 28  % على الأقل في عام 2021، لتصل إلى حوالي 12 مليار دولار، وهو ما يقترب من ذروته في عام[8].

  1. انعكاسات الحرب بأوكرانيا على نظام التوزيع العام بالعراق:

في مقال بعنوان ” فاتورة استيراد القمح العراقية بمليارات الدولارات: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا على العالم” لكل من روبرت تولاست ومينا الدروبي نُشر بموقع “ذي ناشيونال” ، سلّط فيه الكاتبان الضوء على تداعيات الحرب بأوكرانيا على الأمن الغذائي بالعراق في ظل التحولات التي يعيشها العراق لاسيما مسار تشكيل الحكومة العسير؛ حيث تم الإشارة على أن الأحداث الجارية بأوكرانيا زادت من حدة المنافسة بين دول العالم لتأمين استيراد القمح من منطقة البحر الأسود، وحسب ذات الكاتبين، فإنه الخبراء يحذرون من احتمالية انهيار نظام التوزيع والتحويلات الاجتماعية بالعراق الذي يعتمد عليه ملايين المواطنين العراقيين نظراً لاضطراب أسعار النفط وارتفاع عدد السكان بالعراق. هذا الأخير، الذي يملك أحد أكبر البرامج الغذائية المُدارة والممولة من قبل الحكومة في العالم، يُمكن أن يواجه زيادةً كبيرة في فاتورة النفقات تصل إلــى 3 مليارات دولار هذا العام، وهو ما يعكس ضعف نظام الإمدادات الغذائية في البلاد[9].

وحسب الخبير الاقتصادى العراقى والزميل بالمجلس الاطلنطى احمد طبقجلي، فإن ” أسعار المواد الغذائية بدأت في الارتفاع منذ مايو/أيار ويونيو/حزيران 2020، مؤكداً أن جزءا منه يعزى إلى الجفاف وغيرها من الاضطرابات داخل الدول الكبرى المصدرة لهذه المادة الحيوية، وقد كان العراق استورد في يناير 2022 ، 150.000 طن من القمح الأسترالي بسعر 450 دولار للطن، وهو ما يمثل جزءً بسيطاً من مليوني طن التي يجب ان يستوردها العراق سنة 2022 لتلبية حاجات المواطنين، حيث يجدر التوضيح في هذا السّياق، أن أستراليا تعتبر أحد أكبر مصدري القمح في العالم، ومن المرجح أن يرتفع سعر منتوجاتها من القمح في ظل تزايد حدة التوتر بأوكرانيا[10].

وفي ذات المقال، يؤكد الكاتبان أن العراق غالبًا ما يزيد من وارداته عندما تكون المحاصيل المنتجة محلياً سيئة أو ضعيفة، ويستشهدان في هذا السياق بإحصائيات للمجلس النرويجي للاجئين الذي يؤكد أن 37 % من المزارعين العراقيين عانوا من فشل المحاصيل إلى غاية عام 2021 مع عودة الجفاف إلى البلاد بعد محصول وفير في 2019 و2020.[11]

حسب تقديرات المختصين، بلغت واردات العراق من الحبوب، بما في ذلك مادة الطحين، حوالي 0.9 مليار دولار  بين 2020 و2021، ومن المتوقع أن تصل الواردات للفترة 2021-2022 إلى ثلاثة أضعاف تقريبا، أي حوالي 3 مليارات دولار  وذلك نظراً لفشل محصول الشعير، وانخفاض محصول القمح، وزيادة أسعار الحبوب بمقدار الضعف تقريبا في الأسواق العالمية. وحسب “يوتيكا ريسك”، Utica Risk شركة استشارات مختصة في الاقتصاد السّياسي العراقي، يمثل مبلغ  3 مليارات دولار أكثر من 22 ضعف قيمة نفقات الحكومة على المدارس والمواد التعليمية المقررة في ميزانية 2021.[12]

  • الإصلاح… ممكن وضروري :

الصراع بين أوكرانيا وروسيا والمشاكل المحتملة التي قد يواجهها العراق في ظل تزايد أسعار القمح إلى أعلى مستوى لها في 13 عامًا[13]، هي نتيجة حتمية لوجود اختلالات وظيفية في الاقتصاد العراقي ونظام التوزيع العام بشكل خاص، وهو ما يفتح باب النقاش حول آليات إصلاح هذه المنظومة وضمان فعاليتها خلال الأزمات واضطرابات السّوق العالمية؛ حيث يرى الخبراء، ومن بينهم المحاضر والخبير هادي فتح الله أن هذا الوضع لا يجب أن يستمر، ويجب أن تتم مباشرة إصلاحات جادة وهو ذات الطرح الذي ذهب إليه  الخبير الاقتصادي أحمد طبكشلي، الذي أكد على حاجة العراق الماسّة إلى معالجة برنامج الدعم الحكومي والحد من تدخل الحكومة الذي كان حسب رأيه فاشلاً؛ حيث يرى الخبير الاقتصادي العراقي أن بالإمكان حماية منتوجات المزارعين المحلية من خلال فرض رسوم ورسوم جمركية على الواردات، ولكن شريطة أن يكون العراق قادراً على المنافسة من أجل مصلحته الخاصة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك حسبه إذا كانت الحكومة تسيطر على أسعار المداخيل والإنتاج.[14]

من جهة أخرى، دعا منتقدو نظام توزيع الأغذية الذي تديره الدولة في العراق إلى إجراء إصلاح شامل لنظام توزيع الأغذية، وطرح نماذج أخرى كاستبداله بنظام تحويل نقدي للأسر المعوّزة، وهو أمر تم تجربته في مدينة الصدر بشرق بغداد. كما كانت قد قامت الامم المتحدة بوضع أس نظام التوزيع العام بالعراق قصد مكافحة نقص توفر الأغذية خلال فترة العقوبات الدولية القاسية ضد العراق فــــي التسعينات ويقول المنتقدون أن هذا النظام لم يعد صالحا لهذا الغرض كون أن العراق مختلف جذريا اليوم.[15]

وعموماً فآراء الخبراء تُجمع على ضرورة تحفيز المزارعين والفلاحين بالعراق قصد دعم منتوجاتهم وفرض ضرائب وروسوم جمركية على الواردات بشكل يدعم المنتوج المحلي ويقلص فاتورة الاستيراد، فالفرصة مواتية للعراق في سياق التحولات السياسية الداخلية والدولية والارتفاع النسبي لأسعار النفط لمباشرة إصلاحات تأخذ بعين الاعتبار تنويع الاقتصاد وإصلاح نظام التوزيع العام والتحويلات الاجتماعية وضمان فعاليته وكذا أحقية المستفيدين منه لاسيما الفئات الهشة والطبقة الوسطــى.

abdelssami@ifpmc.org*

GASMI Abdelssami

Junior Researcher

الهوامش:

[1] UN resolution against Ukraine invasion: Full text, AlJazeera, 03/03/2022, accessed on 03/03/2022 at : https://bit.ly/3tqgoO9

[2] Robert Tollast & Mina Aldroubi, Iraq’s multibillion-dollar wheat import bill: how war in Ukraine affects the wider world, The National, 25/02/2022, accessed on 03/03/2022 at : https://bit.ly/3tAF6LU

[3] Ibid.,

[4] Ibid.,

[5] Ibid.,

[6]   ينظر: منتدى صنع السياسات، الخطر المنسي… العراق وتحديات المناخ، الرابط : https://bit.ly/35uFKT0

[7] Robert Tollast & Mina Aldroubi, op.cit.,

[8] Ibid.,

[9] Ibid.,

[10] Ibid.,

[11] Ibid.,

[12] Ibid.,

[13] by Maya Gebeily and Menna A. Farouk, Ukraine war threatens to make bread a luxury in the Middle East, Thomson Reuters Foundation News, 28/02/2022, accessed on 3/3/2022 at : https://tmsnrt.rs/3hCXpKF

[14] Robert Tollast & Mina Aldroubi, op.cit.,

[15] Ibid.,

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories