تخفيض سعر الدينار وتأثيره على الإقتصاد العراقي..رأي في المال

Related Articles

 

تخفيض سعر الدينار وتأثيره على الإقتصاد العراقي

عضو اللجنة المالية

المهندس عبد الصاحب الدراجي

في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة المصحوبة بالتخبط الحكومي في إدارة ملف السياسات النقدية والمالية في العراق، برز موضوع تخفيض قيمة العملة (devaluation) وهو خفض سعر الدينار العراقي إزاء الدولار الأمريكي والعملات الأخرى بصورة مدروسة ومتعمدة مع ملاحظة إنَّ ذلك يختلف عن التغير في سعر الصرف الذي يخضع لعملية العرض والطلب في أسواق العملة.

اطلعت قبل فترة على دراسة تم إعدادها من قبل البنك المركزي بخصوص هذا الموضوع وبعد التدقيق في هذا الأمر ونقاشات كثيرة مع الخبراء والمختصين ولاعتقادي بحاجة العراق لهكذا حلول اقتصادية في الوقت الحاضر ارتأيتُ ان أوضح وجهة نظر واقعية لعلها تساهم في بلورة رأي معين لدى أصحاب القرار في هذا الشأن. في الظروف الطبيعية يجب أن يكون هذا النوع من الحلول آخر الدواء ولكن للاسف سوء إدارة اقتصاد البلد وغياب المذهب الإقتصادي واستمرار الإعتماد على النفط كمصدر وحيد واستغلال الاقتصاد كأداة إنتخابية أدى الى شِبه انهيار في الإقتصاد كلما قلَّ سعر النفط، كما إنّ فشل الحكومات المتعاقبة في دعم المنتج الوطني الصناعي والزراعي دفع بأصحاب الإختصاص لأن يلجؤوا إلى هذا النوع من التفكير.

قد أتفق مع الدراسة التي أجراها البنك المركزي في كثير من النقاط والتي تتكلم عن ضرورة إيجاد حلول إقتصادية أخرى غير تخفيض قيمة الدينار العراقي ولكن من خلال الخبرة واستقراء الوضع السياسي العراقي لا أرى في الأفق أيَّ مقدرة لدى أصحاب الحل والعقد على إحداث تغيير إقتصادي جذري بسبب الإفتقار للفهم الحقيقي للمشكلة في العراق و النظر لها من منظار واحد قد يكون فئوي أو حزبي او شخصي لذلك سينصب مقالي هذا لمناقشة فقرة تخفيض قيمة العملة المحلية إزاء العملات الأجنبية والرد على العوامل التي تؤثر أو ترتبط في عملية التخفيض. ولغرض إحاطة الموضوع من كافة الجوانب يجب مناقشة العوامل المرتبطة بهذا التخفيض ومن أهم هذه العوامل: –

أولا: ميزان المدفوعات

 لا أعتقد إن العراق يتمتع بموقف قوي في ميزان المدفوعات لأنّ صادرات العراق نفطية فقط وبنسبة 99%، فإذا ما رفعنا أو حذفنا قيمة النفط المصدر وحسبنا ميزان المدفوعات بدونه سوف يكون موقف العراق سلبيًا جدًا. ومن الجدير بالذكر مناقشة ما جاء في دراسة البنك المركزي حول نسبه الفائض في ميزان المدفوعات والتي تم تقديرها بحدود 5.75% من الناتج المحلي لعام 2019, من ناحيتين الأولى فيما يتعلق بتضمين ميزان الصادرات النفطية من عدمه وتغير هذا الميزان بتغير أسعار النفط العالمية ومن الناحية الأخرى مناقشه سؤال حقيقي ومهم وهو كيفية حساب الناتج المحلي الإجمالي في العراق؟ وما هي نسبة قيمه صادرات النفط فيه؟ وهذا السؤال ينطبق أيضًا على نسبة الإحتياطي الأجنبي المتوفر في العراق والذي يقدر ب 70 مليار دولار والتي تمثل 30% من الناتج المحلي حسب الدراسة فهنا تقع نفس المشكلة و هي كيفية حساب الناتج المحلي وبالتالي كيفية حساب نسبة كفاية الاحتياطي بمقاييس صندوق النقد الدولي أو المقاييس التقليدية الأخرى, من الواضح إن هناك عجزًا في ميزان المدفوعات لأن ميزان مدفوعاتنا يعتمد بنسبة  كبيرة جدا على النفط وبالتالي العجز أو الفائض أو الموقف القوي يعتمد على سعر النفط عالميًا وكمية الإنتاج و كمية النفط المصدرة من العراق وعليه فأن الدراسة التي أعطت مقاييس لعام 2019 تختلف كليًا عن الواقع الحالي لسنة 2020 بسبب هبوط أسعار النفط وهنا أتفق مع عبارة وردت في دراسة البنك المركزي تقول (عندما يكون العجز في ميزان المدفوعات يكون ذلك سببًا في اللجوء إلى تخفيض العملة المحلية) وهذا الأمر الذي لا ينطبق على العراق في 2019  لكنه ينطبق تمامًا على العراق في سنه 2020.

ثانيًا: أسعار المستهلك

قد يكون هنالك أثر لتخفيض قيمة الدينار العراقي على أسعار المستهلك ولكن هنالك نواحي إيجابية كثيرة في هذا الإطار ممكن الإفادة منها وتحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية لبناء مذهب إقتصادي يلائم الوضع السياسي والإجتماعي الراهن.

 إنّ نسبة الإستيرادات في العراق كبيرة جدا والمعدل السنوي للمبالغ من العملة الصعبة التي تخرج خارج البلد لغرض الإستيراد تقدر ب 48 مليار دولار سنويًا وفي حالة تخفيض سعر الدينار فإنَّ هذه المواد المستوردة ستكون قيمتها بالدينار العراقي أغلى من قيمتها الحالية في السوق المحلي مما سيؤدي إلى انخفاض الطلب عليها ,وهنا مربط الفرس لدحض كل الإدعاءات التي تتوقع غلاء في المعيشة مبالغ فيه من جرّاء خفض قيمة الدينار العراقي لأن هذا التخفيض يجب أن يكون مصاحبًا لمجموعة من الإجراءات الإقتصادية التي تكون داعمة له وأهمها السيطرة على أسعار قيمة المواد الغذائية والوقود أما باقي المواد الإستهلاكية والتي يتم استيرادها وهي تعد من عوامل خراب اقتصاد البلد فيمكن معالجتها وتقبّل زيادة معينة في أسعار بعض المواد الكمالية غير الضرورية .

لذلك يجب أن يكون هنالك حزم في تطبيق هذا التخفيض من أجل تشجيع المنتج الوطني ومن الممكن أن نعطي مثال بسيط  في هذا الإطار فإذا كان هنالك مادة نستوردها من دول الجوار وكانت قيمة هذه المادة دولار واحد فقط أي إن قيمتها 1200 دينار عراقي حاليًا  وإن كلفة إنتاجها من المواد الأولية المحلية قد تكلف صاحب المصنع العراقي 1300 دينار عراقي لذلك لا يستطع المنتج المحلي أن ينافس المنتج المستورد سعريًا بسبب قيمة الدينار المرتفعة نسبيًا ولكن إذا كانت قيمة هذه المادة دولار واحد في ظل سعر صرف 1500 دينار عراقي وتبقى قيمة المنتج المحلي لنفس المادة 1300 دينار عراقي سيكون المنتج المحلي أرخص من المستورد بالقيمة المحلية وبالتالي هذا سوف يشجع أصحاب المصانع أو المزارع على الإنتاج محليًا و تشغيل اليد العاملة و تشغيل دورة الاقتصاد الكلي مرة أخرى لذا فأن هذا التخفيض سوف يكون له دور كبير في دعم المنتج المحلي ، وقد لوحظ إن دراسة البنك المركزي تكلمت عن مدى توفر المنتجات المحلية كبديل وهنا نقول إنَّ قاعدة البيضة والدجاجة يجب أن تنتهي في العراق بمعنى هل نعمل صناعة محلية لكي نوقف الإستيراد أم  نوقف الإستيراد لكي نشجع الإنتاج الوطني؟ أعتقد إنَّ الوقت قد حان لكسر هذه القاعدة وأن تضع الدولة حدًا للإستيراد من أجل تشجيع الإنتاج ولأنَّ رأس المال جبان و أصحاب المصانع لن يجازفوا بأموالهم لكي يوفروا مادة ليس لها سوق أو ليس لها مستهلِك أو منتِج أجنبي منافس بسعر أقل وعلى الدولة أن تكون حازمة وتقنن الإستيراد لكي يتمكن أصحاب المصانع من الإنتاج وجعل المنتج المحلي منافس , من الجدير بالذكر أن تكون هنالك فترة زمنية محددة يقل فيها توفر بعض المنتجات في الأسواق ولكن أعتقد بأن المنتج الوطني سرعان ما سوف يسد الفراغ وسنبدأ  مرحلةً جديدةً من الإقتصاد العراقي.

 ثالثًا: مستوى التضخم

العراق حاليا لا يعاني أيَّ ارتفاع في مستوى التضخم الأساس؛ لذلك فإنَّ تأثير تخفيض مقياس خفض العملة على مستوى التضخم الأساس سيكون محدودًا أي بمعنى إذا خفضّنا العملة 30% ستزداد أسعار بعض المواد الكمالية بنسبة 12% وهذه الزياده السعرية يمكن معالجتها من خلال تحريك الإقتصاد حتى إذا اضطررنا إلى زيادة الرواتب الإسمية وتحريك عجلة الإقتصاد من خلال ضخ النقد في الشارع لتحريك بعض القطاعات الصناعية والزراعية والإنشائية.

رابعًا: زيادة النمو الإقتصادي والتجارة

 بينت الدراسة التي أعدها البنك المركزي حول تأثير تخفيض العملة على زيادة نمو التجارة إنَّ العلاقه بين تخفيض قيمة العملة وعجز الميزان التجاري وتحفيز الإقتصاد الوطني هي علاقة مشروطة ومحددة بعوامل منها:

  • مدى قدرة الطاقة الإنتاجية الوطنية تكنلوجيًا وماليًا أو بشريًا على تصنيع ذات السلع المستوردة من الخارج بجودة مماثلة وبأسعار منافسة وإحلال المنتجات الوطنيه مكانها.

ب– مدى المرونة السعرية للصادرات والاستيرادات بمعنى مدى تجاوب الطلب على الصادرات والاستيرادات مع تغير الأسعار الناتجة عن تغيير قيمة العملة.

أعتقد إن العراق يمكن أن يحقق عائد من هذا التخفيض في هذا الإطار والذي نقصد به إطار النمو والتجارة بسبب أنَّ صادرات العراق محصورة فقط في النفط الخام فإنَّ تخفيض عملته قد يزيد صادراته من مواد أخرى تشجع المنتج الوطني سواء كان صناعيا أو زراعيًا على زيادة إنتاجه وتحديدًا بعض المواد  القابلة للتصدير لكي تكون هناك مدخولات دولارية جديدة غير نفطية يمكن الإفادة منها كعملة صعبة لزيادة الناتج المحلي للوطن كما إن هذا التخفيض سيزيد ويقوي الصناعات العراقية المحلية لتكون قادرة على تعويض الإستيرادات لذلك إن تخفيض قيمة الدينار العراقي ستخفض نسبة كبيرة من الإستيرادات و تحافظ على العملة الصعبة الآتية من بيع النفط داخل العراق وتتحول هذه المبالغ بدلًا من إخراجها خارج البلد عن طريق مزاد العملة إلى ضخها في السوق المحلية لتحريك عجلة الإقتصاد، قد يكون المتضرر منها المصارف التي تعمل بمزاد العملة ومن وراءها.

خامسًا: آثار التخفيض على الفئات الإجتماعية الهشَّة

 كما هو معلوم إن عدد المعتمدين على الحكومة في مدخولاتهم من موظفين ومتقاعدين المشمولين بشبكه الحماية الإجتماعية بحدود 6 مليون مواطن فإذا أخذنا معدل خمسة أفراد للعائلة الواحدة بمعنى إنه 30 مليون مواطن معتمدين إعتمادًا كليًا في مدخولاتهم على دعم الحكومه وهذا يمثل 75% من أبناء الشعب العراقي إنّ تأثيرات هذا التخفيض السلبية على القدرة الشرائية لهذه الفئة محدود بسبب إن إجراءات التخفيض ستكون معها إجراءات لدعم البطاقة التموينية وزيادة في رواتب الدرجات الوظيفية الدنيا ومُنَح شبكة الرعاية الاجتماعية.

 وفي الوقت نفسه على الدولة أن تتصرف كتاجر مواد غذائية بمعنى أن تستورد مواد غذائية أو توفرها من الإنتاج المحلي وتخزنها وتدفع بها إلى السوق في أي وقت يكون هنالك رفع متعمد للأسعار أو عملية احتكارية معينة، وبذلك سيكون هناك أمن غذائي لهذه الفئات الهشة وأن تعمل الدولة أيضًا على دعم الوقود والدواء وتوجيه الموازنة العامة إلى الحصة التموينية والدواء وتعقيم المياه والبنية التحتية.

 أما السلع الكمالية الأخرى فلا ضير أن نتقبل غلاء بعض المواد غير الأساسية مثال ذلك هاتف الموبايل بنسبة 12% او ارتفاع سعر العطور مثلا 12%, إنَّ هذا التاثير نسبي لا يعتد به أمام بناء اقتصاد قوي للدولة.

 ومن ناحية أخرى لا أعتقد إن هذا التخفيض يؤدي إلى زيادة في النفقات الحكومية بالعموم لكنه قد يؤدي الى زيادة في نفقات البطاقة التموينية والتي لا تمثل 3% من مجمل الموازنة العامة للبلد وفي الوقت ذاته ممكن أن تستفيد من الزيادة في الإيرادات بالدينار العراقي في نفقات تشغيلية واستثمارية أخرى بنسبة تصل الى 25% مثلًا إذا أصبح سعر الدولار 1500 دينار عراقي.

  وفي الوقت ذاته سيكون لهذا التخفيض آثار إيجابية على تحويلات المواطنين المغتربين من الخارج لذويهم بحيث يكون قيمة مايحولون من العملة الصعبة إلى داخل العراق أكبر من القيمة الحالية وهذا يؤدي إلى معالجة لوضع فئة معينة أمام الغلاء النسبي المحتمل.

سادسًا: تأثير التخفيض على الدين العام

 تبلغ ديون العراق الخارجية بالعملة الأجنبية نحو 23 مليار دولار (عدا ديون ما قبل 2003 المعلّقة والبالغة 41 مليار دولار) أما الديون المحلية بعملة الدينار فهي بحدود 40 ترليون دينار عراقي تشمل حوالات خزنية وسندات، وبما إن 95% من الموازنة العامة تعتمد على واردات النفط الذي يباع بالدولار لذلك فان الديون الخارجية لن تتأثر اي تأثر سلبًا أو إيجابًا بتخفيض سعر الدينار العراقي كونها مستحقات تدفع بالدولار الأمريكي.

أما الدين الداخلي أو المحلي فبالتأكيد سيكون لتخفيض سعر الدينار تأثيرًا إيجابيًا لصالح الدولة حيث إن قيمة الدين المحلي مقابل الدولار البترولي فإذا كانت قمة الدين الداخلي 40 ترليون تساوي حاليًا تقريبًا 33 مليار دولار فإنها ستكون بحدود 26 مليار دولار إذا قلَّت قيمة الدينار بنسبة 25% و بذلك يكون ربح الدولة بحدود 7 مليار دولار  وهذا يدل على إن تخفيض سعر العملة له تأثير إيجابي على الدين العام وبالتالي يقوي من اقتصاد البلد دون أن تُمس الديون الخارجية بأي تأثير سلبي وبالتالي لن يكون هنالك تأثير سلبي على الوضع العراقي لدى المجتمع الدولي جراء هذا التخفيض في قيمة العملة المحلية.

سابعاً: تأثير التخفيض على الثقة بالعملة الوطنية

 لا أعتقد (برأيي الشخصي) إنّ هذا التخفيض في قيمة الدينار العراقي سيؤثر على ثقة الأسواق والاقتصاديات العالمية بالعملة المحلية العراقية لأنَّ هذا التخفيض المزمع  يجب أن يكون مصاحبًا لمجموعة من القرارات الإقتصادية التي تكون داعمة لهذا التخفيض وتقلل أثره سواء على الإقتصاد الداخلي أو العالمي بالعملة العراقية وأهم هذه الإصلاحات هي السيطرة على التضخم المتوقع كما أشرنا سالفًا من خلال السيطرة على الغذاء والوقود والدواء ، ضغوط الطلب على الدولار قد لا تتصاعد وإنما على العكس يمكن أن يكون المقابل المحلي لوحدة الدولار أكثر من ذي قبل فتتحول العملية الى عملية بيع الدولار ومحاولة الاحتفاظ بالعملة المحلية خصوصًا إذا رفعنا أسعار الفائدة على الودائع بالعملة المحلية كإجراء من ضمن القرارات الهيكلية التي يجب أن تصاحب عملية تخفيض العملة فتخفف  بذلك الضغوط على سعر صرف الدولار.

أشارت دراسة البنك المركزي إلى وجود استقرار سعر صرف الدينار العراقي لعدد من السنوات وفي هذا السياق أعتقد إنَّ هذا الاستقرار غير حقيقي وإنما هو ضغط على سعر الدولار من قبل السياسة النقدية للبلد وبالتالي هذا الاستقرار بالنتيجة أعطى مردودات سلبية على الاقتصاد العراقي لذلك يمكن أن يبقى الاستقرار لكن على سعر صرف اخر أقل قيمة من السعر الحالي.

 إذا لاحظنا إن التجربة اللبنانية استمرت عشرات السنين على سعر صرف 1500 هي مستقرة ولكن على سعر حقيقي للّيرة اللبنانية بينما يعتقد إن سعر الدينار العراقي على استقراره الحالي للسنوات الماضية لم يكن سعرًا حقيقيًا إنما كان سعرًا تمت هندسته من قبل القائمين على السياسة النقدية والمالية للبلد، أقصد هنا البنك المركزي وتحديد سعر الصرف في الموازنة العامة السنوية من قبل الحكومة واللجنة المالية في البرلمان العراقي.

ثامنًا: السياسة النقدية والمالية

 قبل أن نخوض في تفاصيل هذا العامل يجب أن نجيب عن السؤال التالي: هل نتوقع أن تكون للعراق قدرة سياسية على إدارة السياسة النقدية والمالية في مواجهه الضغوط التي قد تنتج عن تقليل سعر الدينار العراقي مقابل وحدة الدولار؟ ما تحدد هذا هي قوة الإدارة السياسية في البلد وفهم القوى السياسية حقيقة المشكلة فأدوات السياسة النقدية المتمثلة بسعر الفائدة وسعر الخصم وعمليات السوق المفتوحة وإلى آخره هذه يمكن السيطرة عليها من قبل التنسيق ما بين مالك المال العراقي الذي هو وزارة المالية وما بين الحافظ لهذا المال وهو البنك المركزي ويكون مجلس الوزراء هوالفيصل والحكم في تقريب وجهات النظر بين المالك والحافظ ، أما السياسة المالية فيجب على الحكومة والبرلمان مجتمعين ضبط النفقات والعمل على زيادة الإيرادات (وسبق أن  تحدثنا كثيرًا كما تحدث غيري عن كيفية زيادة الإيرادات) وذلك لاجل ضبط مناسب للكتلة النقديه لكي نخفض من آثار التضخم على المواطن .

 نعتقد إنَّ النظرة التشاؤمية للإدارة المالية والنقدية في العراق يجب أن تتغير وإلّا سيبقى الحال كما هو عليه نعم هنالك فشلٌ كبيرٌ في إدارة هذين الملفين ولكنَّ لكل شيء حد ونهاية وأعتقد إنّ الوقت قد حان لإنهاء حالة الفشل للسياسة النقدية والمالية.

تاسعًا: تأثير تخفيض الدينار على الموازنة العامة

إنَّ الموازنة العامة هي إيرادات ونفقات، وبما إن مصدر الايرادات الرئيسي للعراق هو النفط المباع بالدولار فبالتأكيد سيزيد تخفيض سعر الدينار العراقي من الإيرادات بمقدار التخفيض في سعر الدينار ففرضًا عندما يكون سعر الدولار الواحد 1500 دينار بدلًا من 1200 دينار فكل مليار دولار من الإيرادات النفطية ستكون قيمتها في الموازنة تساوي ترليون ونصف الترليون دينار مقابل ترليون ومئتي مليار دينار بسعر الصرف الحالي. هذا الإرتفاع في الإيرادات سيكون له تأثير واضح وإيجابي عن الموازنة العامة أما النفقات فأود أن أُشير هنا إلى تقرير البنك المركزي ومناقشته مرة أخرى حيث إنه ذكر إن التخفيض سيشهد زيادةً في النفقات بسبب النقاط الآتية:

1-إستيراد الحكومة من البضائع والخدمات

 هذا مردود لأنه كما قلنا آنفا يجب أن تكون الحكومة هي السبَّاقة بتقليل الإستيرادات والإعتماد على المنتج المحلي مهما كانت الظروف وهذه فرصة لخلق اقتصاد محلي وزيادة الناتج المحلي من خلال زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي وتقليل الإستيرادات.

٢-تسديد فوائد الديون الخارجية

 سبق أن ذكرنا في هذا المبحث إنَّ الديون الخارجية لن تتأثر بتخفيض سعر الدولار وإنما الديون الداخلية ستقل قيمتها بالنسبة الى الدولار البترولي.

٣- الاستثمارات والاشتراكات الخارجية

 هذه لاتمثل نسبةً يعتد بها وهي أيضا بالدولار ونحن مواردنا بالدولار ولذا يعتبر هذا الأمر مردود أيضًا.

 ٤-تسديد الاستثمارات ذات العلاقة بالنفط

  يعلم الجميع إن تسديد مستحقات الشركات النفطية هو عيني بالنفط فلا علاقة للدولار او الدينار بذلك.

٥-البطاقة التموينية

 لا أتفق مع تقرير البنك المركزي الذي ذكر إن أغلب مواد البطاقة التموينية هي إستيرادية، فالبطاقة التموينية والتي يجب أن تتطور حاليًا تعتمد على أربع مواد رئيسية وهي الرز والطحين والزيت والسكر ثلاثة منها وهي الطحين والزيت والسكر يتم شراؤها محليًا فخفض قيمة الدينار ستوفر أموال للبطاقة التموينية عند شراء هذه المواد والمادة الوحيدة التي يتم استيرادها هي الرز، وبنفس المنطق الذي تكلمنا به في هذا المقال فالدولار النفطي لن يتأثر لأنَّ العراق يبيع النفط بالدولار ويستورد الرز بالدولار. فبالمجمل سيؤثر خفض الدينار إيجابًا في البطاقة التموينية.

٦- رواتب الحماية الأجتماعية

في حال تخفيض الدينار يجب على الحكومة أن تقوم بزيادة رواتب الحماية الاجتماعية بنفس نسبة التضخم المتوقعة والتي هي 12%. وبذلك نزيل تأثير التضخم المحتمل عن كاهل الفئات الهشة مجتمعيًا.

الإستنتاجات:

في نهاية المطاف إن تقليل قيمة الدينار تدريجيًا سوف تكون له آثار إيجابية على اقتصاد البلد يمكن الإفادة منها وأخرى سلبية يجب اتخاذ إجراءات مسبقة لتجنبها لكي يكون الناتج الإجمالي إيجابيا على الإقتصاد الوطني ولتجنب الهزَّة الإقتصادية المتوقعة.

أما الإيجابيات فتتمثل بالآتي:

١- تشجيع المنتج المحلي الزراعي والصناعي.

٢- تحريك عجلة الإقتصادات الجزئية في البلد.

٣- تشغيل أيدٍ عاملة وامتصاص البطالة.

٤- زيادة إيرادات الموازنة العامة وتقليل النفقات الإستيرادية.

ومن الطبيعي أن تكون لهذا الإجراء آثار سلبية لذلك يجب على الحكومة اتخاذ سلسلة من الإجراءات بالتوازي مع هذا التخفيض تتمثل بالآتي:

١-ايقاف مزاد العمله للحفاظ على العمله الصعبه في داخل البلاد وان يجري بيع وتداول الدولار و العملات الاجنبيه الاخرى مباشرة في أسواق العملة او من خلال سوق الاوراق الماليه لكي نحصل على سعر حقيقي للدينار العراقي مقابل الدولار الاميركي وان يكون الضامن للاسعار هو قيمه الاحتياطي المتوفر لدى البنك المركزي العراقي من العمله الصعبه.

2-وضع منهاج استيرادي ووقف بعض الإستيرادات وضبط المنافذ الكمركية ودعم نظام الضرائب وإعفاء المنتج المحلي من ضريبة الدخل لمدة سنتين.

٣-بناء الموازنة على سعر بترول ثابت للموازنة التشغيلية ومتحرك للموازنة الاستثمارية، وتوجيه الموازنة للرواتب وشراء الحصة التموينية والأدوية وتعقيم المياه والعملية التعليمية فقط.

4-تأجيل مستحقات الشركات النفطية أو دفعها عينيًا خارج حصة أوبك.

5- بيع كوبونات نفط محليًا. بالسعر السائد الآن وشراؤها بعد سنة   بالسعر السائد حينها.

6-زيادة الرواتب الإسمية بمقدار ١٠% وإعادة النظر بالمخصصات العالية تحقيقًا للعدالة الإجتماعية وزيادة رواتب شبكة الحماية الإجتماعية بنسبة ١٢%.

7- قيام الدولة باستيراد مواد غذائية تجارية للأسواق وضخها ضمن برنامج الحصة التموينية في حالة ارتفاع الأسعار. وتفعيل دور الأمن الأقتصادي ودخول الأجهزة الحكومية المختصة لضبط الأيقاع النقدي في سوق العملة وأسواق بيع المواد الغذائية.

8-دعم الوقود للنقل والمصانع وإيلاء أهمية نسبية عالية للصناعات الغذائية.

9-ضخ عملة صعبة لأسواق التصريف للحفاظ على مستوى سعري للدينار العراقي يحول دون انفلات السعر بحيث يزيد انخفاضه عن ٣٠% خلال سنتين.

10-قيام وزاره الماليه باصدار الدينار الالكتروني لغرض جبايه الايرادات الحكوميه والرسوم المستحقه وما يميزها انها غير قابله للتداول بالاسواق كنقد وبذلك نكون قد قللنا من الفساد في هذا الجانب وكذلك معرفه الدوله قيمه تلك الواردات بشكل سريع على ان يتولى اصدارها مصرف حكومي ولا يتم من خلال شركات اهليه.

وختامآ ان هكذا اجراء يحتاج الى قرار شجاع من رجال دولة قادرين على إدارة مرحلة يمر بها العالم عمومًا والعراق خصوصًا ، رجال الدوله الذين يقودون المجتمع ويديرون مؤسسات الدولة بحرفية دون الالتفات الى المصالح الحربيه او الفئوية او الانتخابية. بل يضعون مصلحة العراق اولا.

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories