الكهرباء في العراق والتنافسية الدولية

Related Articles

الكهرباء في العراق والتنافسية الدولية

سحبان فيصل محجوب

المهندس الاستشاري

Consultant Electricity & Renewable Energy

منتدى صنع السياسات العامة

IFPMC-LONDON

March 2023

انقر هنا الكهرباء العراقية والتنافسية الدولية والاقليمية

على حلبة الصراعات الدولية والأقليمية الساخنة في العراق كان ملف الكهرباء حاضراً فمًا فعلته أزمة تجهيز الطاقة الكهربائية على امتداد مساحة البلاد من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية كانت كفيلة بتحقيق حوافز استخدامها من قبل الأطراف المتنازعة بهدف الحصول على منافع ذات مردودات سياسية أو اقتصادية كبيرة ومختلفة .

من هي الاطراف المتنافسة؟

للمراقب تتضح أمامه صورة متكاملة لوجود جهات دولية ذات نفوذ مؤثر ولها أدوات محلية استطاعت ان توظف مساعيها باتجاه الحصول على عقود تجهيز وتنفيذ المشاريع الكهربائية وتعدها فرصاً مناسبة للاستحواذ على نصيب كبير من التخصيصات المالية الكبيرة التي ترصدها الحكومة من اجل تحسين واقع المنظومة الوطنية للكهرباء والتي تعاني من واقع متردي فهي عاجزة عن توفير خدمة تجهيز مستمرة على نحو مستقر.

الولايات المتحدة

لقد استطاعت الولايات المتحدة ومنذ عام ٢٠٠٣ م وبفعل سطوتها على عمل المؤسسات العراقية وبوساطة الشركات الاميركية من الفوز بالعديد من العقود الكبيرة الخاصة بقطاع الكهرباء.

وكان من أبرز هذه العقود هو الذي تم توقيعه مع شركة جنرال الكتريك (جي .إي ) والمعروف ب ( الميغا ديل )كان ذلك في سنة ٢٠٠٨ م وبمبلغ أولي قدره ٢ مليار ٨٠٠ مليون دولار حتى وصل مبلغه الاجمالي الى ٧ مليار دولار أميركي بعد اضافة عقودا ملحقة به ، ويعد هذا من اكبر العقود التي فازت به هذه الشركة منذ تأسيسها عام ١٨٩٢ م كما يعد كذلك من اكبر العقود التي وقعتها الكهرباء العراقية منذ دخولها الى بغداد سنة ١٩١٧ م أو منذ تأسيس مصلحة الكهرباء الوطنية عام ١٩٥٩.

تضمن العقد تجهيز ٥٦ وحدة توليد غازية سعة الواحدة منها (١٢٥ ميكاواط) لتكون الطاقة السعودية المستهدفة بمقدار (٧٠٠٠ ميكاواط)، لمبلغ التعاقد الكبير وعديد الوحدات وسعادتها اطلقت تسمية ( العقد السمين ) عليه الا إن نتائج تنفيذه لم تضف حلولاً حاسمة لأزمة الكهرباء وتداعياتها المستفحلة.

إيران

على الرغم من تصدر الجانب الاميركي موقع اللاعب الاكبر على حلبة الصراع على السيطرة على ملف الكهرباء العراقي، الا ان من يليه أو يوازيه في المنافسة المحتدمة هو الجانب الايراني. حيث سخرت إيران أذرعها المحلية الفاعلة من أحزاب دينية وسياسية تابعة لها وكذلك الفصائل المسلحة العاملة بأمرتها داخل العراق لغرض تنفيذ منهاج سياسي واقتصادي شبيه بالمركنتلية*، مكنه هذا من فرض احتكارا خاصاً له في تصدير الطاقة الكهربائية. حيث يبلغ التصدير معدل (١٠٠-١٢٠٠ ميكاواط) الى الشبكة العراقية لتغذية مناطق محددة في جنوب ووسط العراق، حيث تم انشاء شبكة نقل تعمل بجهد ١٣٢ كيلو فولت لهذا الغرض وهي أربعة خطوط (سربيل زهاب–خانقين)، (خرمشه-البصرة)، (كرمنشاه ديالى)، و(كرخة- العمارة).

إدخلت الى الخدمة تباعاً و منذ ما يقارب ١٥ عاماً وتشير المصادر الى ان الخزينة العراقية ملزمة بتسديد مستحقات مالية قدرها ٤مليارات دولار اميركي سنوياً الى ايران وذلك عن قيمة كميات الطاقة الكهربائية المجهزة عبر هذه الخطوط كما قامت الشركات الايرانية بالتعاقد لتنفيذ العديد من المشروعات الخاصة بإنتاج الكهرباء كمحطات النجف والصدر والحيدرية وغيرها.

وكذلك المشاركة في تأهيل وصيانة الوحدات الانتاجية العاملة في المنظومة العراقية وتوريد قطع الغيار لها على وفق عقود خاصة بذلك، يضاف الى هذا ما جرى الاتفاق عليه في تجهيز الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء داخل العراق حيث يعتمد على هذا النوع من الوقود في انتاج ما يقارب (٧٥٠٠ – ٨٠٠٠ميكاواط ) من الطاقة الكهربائية لرفد الشبكة الوطنية بهدف سد جزء ً ًمن النقص الحاصل تجاه ما مطلوب من أحمال كهربائية وعلى وجه التحديد في أثناء موسمي حمل الذروة (الصيف والشتاء ) .

خلاصة القول فيما يخص الدور الايراني على حلبة الصراع بأنه ترجمة واقعية لكل ما يتعلق بسياسة إفقار الجار من أساليب مختلفة والسعي لتحقيق ما يسمى بالديون القذرة وتقييدها بذمة الجانب العراقي تحت عناوين مستحقات واجبة السداد حيث كان مبدأ خذ ثم سدد ( Take and pay) هو المتبع في تنفيذ العقود مع الجهات الحكومية العراقية والذي سوف يضمن بالنتيجة النهائية تراكم الاموال المتعلقة بهذه الديون .

من غرائب هذا الصراع تخضع جمهورية ايران الاسلامية الى تطبيق عقوبات اقتصادية ومالية صارمة من قبل الولايات المتحدة الاميركية منذ تشرين الثاني من عام ٢٠١٨ م، حيث تشمل هذه العقوبات التحويلات المالية الخاصة بمبيعات النفط الايراني .

الغريب في هذا الامر هو منح الاستثناءات الدورية المتتالية الى الحكومة الايرانية لتصدير الكهرباء والغاز الى العراق وبقرارات اميركية خاصة يوازي ذلك استمرار العراق بحرق كميات كبيرة من الغاز المصاحب في حقوله النفطية قد يقلص وبنحو كبير كميات الحاجة له الموردة من ايران في حالة استثماره لتجهيز ماكينات توليد الطاقة الكهربائية.. أمام هكذا حالة من التناقض الواضحة وعلى حلبة الصراعات الدولية القائمة وبعيداً عما تتناوله وسائل الاعلام المختلفة من تقاطعات حادة بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران تتجلى صورة الحقيقة بوجود اتفاقات غير معلنة في رسم حدود وادوار بين الطرفين.

الأطراف الدولية

يتضح للمراقب أيضا ً بأن هناك أطرافًا ًدولية اخرى تحاول الولوج الى ساحة المنافسة متمثلة بالشركات الاجنبية ومن جنسيات مختلفة.

المانيا وبوساطة شركة سيمنز وعبر ما تم توقيعه من قبلها لمذكرات تفاهم متتالية مع الحكومات العراقية المتعاقبة حيث كان أخرها في شهر شباط الماضي من هذا العام ٢٠٢٣ لدى زيارة وفد حكومي عراقي الى المانيا الا انها لم تستطيع الحصول على أي تعاقدات كبيرة مقارنة بما حصل عليه الجانبان الاميركي والايراني فكانت هذه المذكرات محل تندر من الرأي العام في العراق لعدم جدواها في المعالجة الحاسمة. كما اعتبرتها أراء الخبراء والمختصين بانها جرعات تخديرية الهدف منها إطلاق المزيد من الوعود الوهمية للحد من نقمة الشارع العراقي المتصاعدة تجاه ما يعانيه المواطنين من تداعيات الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي وتعثر الجهود الحكومية في اعادة تأهيل منظومات الخدمة الكهربائية.

وتجدر الاشارة هنا بإنه وبعد اتمام مراسيم توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة مع سيمنز الالمانية من قبل الوفد العراقي والمنوه عنها انفاً، وبعد عودة هذا الوفد الى بغداد بأيام معدودة قام الجانب الاميركي بتوقيع مذكرة تفاهم مع الجانب العراقي عبر شركة جنرال الكتريك الاميركية وبحضور سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في بغداد وهذه إشارة واضحة تدلل على حجم التهافت الحاصل وأساليب قطع الطريق أمام الاطراف الدولية الأخرى الراغبة بدخول شركاتها حلبة المنافسة الخاصة بالمشاريع الكبرى للكهرباء وينطبق هذا الامر على العديد من الدول الأوربية وكذلك الشركات الهندية والروسية والصينية والتي لها مشاركات سابقة في انشاء المحطات الكهربائية داخل العراق وفي أعوام سبقت سنة ٢٠٠٣عام الاحتلال الاميركي للعراق .

الأطراف المحلية

شركات القطاع الخاص العراقية

يمكن تصنيف الاطراف المحلية المتنافسة على وفق الاتي:

– المكاتب الاقتصادية للأحزاب المشاركة في

السلطة.

– الفصائل المسلحة المدعومة من الخارج.

– الشركات العراقية والتجار الذين تربطهم علاقات مع الاحزاب الحاكمة أو الجهات الحكومية.

هذه الأطراف لم تحتل حيزاً مالياً أو تنفيذياً كبيراً مقارنة بما تم ويتم الاستحواذ عليه من قبل الجهتان الاميركية والايرانية وغالبا ما يقتصر حصادها على نسبة العمولة التي يتم فرضها على قسماً من الشركات الاجنبية والعراقية لقاء تبنيها احالة العقود على هذه الشركات أو التعهد بتقديم ما يقتضي من أنواع الحماية اللازمة للعاملين لديها ، فعلى الرغم مما يجري من تغطية مبالغ هذه العمولات بوساطة تنظيم عقوداً تحت عناوين مختلفة شتى كتقديم الخدمات اللوجستية مثلًا الا إن هذه الاطراف (المحلية) كانت سببًا مباشرا ً في عزوف الكثير من الشركات الاجنبية الرصينة عن المنافسة في الحصول على فرص تعاقدية نتيجةً لرفضها التعامل مع أطراف ثالثة غير جهات التعاقد الاصلية وهذا ما حصل مع العديد من الشركات البريطانية مثلًا.. شمل هذا العزوف أيضًا الكثير من الشركات التي تخضع في بلدانها الى قوانين صارمة تخص الشفافية الخاصة بتنفيذ العقود التجارية وعلى سبيل المثال ما حصل لشركة اريكسون النفطية مؤخراً من مسائلات قانونية تخص تنفيذ العقود مع الحكومة العراقية.

المحيط العربي

دأبت العديد من الدول العربية وعلى المستوى الرسمي والقطاع الخاص ومنذ عام ٢٠٠٣ على فتح قنوات اتصال مع الحكومات العراقية المتعاقبة. حيث كانت المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ومصر وكذلك المملكة الاردنية الهاشمية على رأس قائمة الدول التي حاولت الدخول الى مضمار التعاون في مجال الطاقة الكهربائية حيث كان هذا بدوافع سياسية حيناً واقتصادية في احياناً أخرى الا ان الأطراف المتنافسة والفاعلة ( دولية أو محلية )على الساحة قد استطاعت من سحب البساط من تحت معظم هذه المحاولات فكانت ثمرتها هي الاستثمار الإعلامي الواسع فقط عن ما يجري الاتفاق عليه دون اي فعل مؤثر يذكر ، فلم يشهد ترميم قطاع الكهرباء في العراق أي مساهمات عربية غير الاعلان عن الاتفاقات الخاصة بالربط الكهربائي حيث جرى التفاهم والتوقيع على الوثائق الخاصة بتنفيذ اكثر من مشروع ربط مع الشبكات الكهربائية العربية المحيطة فجرى الاتفاق على مشروع تنفيذ الربط مع الكهرباء الاردنية وكذلك الكهرباء السعودية عبر الشبكة الخليجية كما تم الاتفاق مع جمهورية مصر العربية لتزويد الطاقة الكهربائية عبر الشبكة الاردنية.

الا ان اي من هذه المشاريع لم يرى النور لحد الان على الرغم من مرور فترات زمنية طويلة تجاوزت عدة سنوات، علماً ان كميات الطاقة المخطط توريدها الى العراق عبر هذه المشاريع لا تمثل حلولاً حاسمة لمشكلة النقص الكبير الحاصل نتيجة القصور في اداء منظومة انتاج الكهرباء في البلاد. من جانب اخر تسعى ايران وبوساطة أذرعها الطويلة في الداخل العراقي الى وضع العراقيل المختلفة أمام انجاز مثل هذه الاتفاقات وكما حدث قبل سنتين من عمليات تخريب واسعة لعدد من أبراج نقل الطاقة الكهربائية حيث وجهت اصابع الاتهام الى الفصائل المسلحة الموالية للنظام الايراني بتدبير هذه الاعمال بهدف تعطيل مشروعات الربط العربي المعلن عنها في حينه، يوازي ذلك الفعل الإعلامي لهذه الاطراف من خلال القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي لتشويه صورة الجدوى الفنية والمالية لمشاريع الربط المعلن عنها  ، وعلى وفق هذا يمكننا الاستنتاج ان الجهد العربي في زاوية التضييق والتهديد ولا توجد اي نتائج واضحة له على الساحة العراقية منذ عقدين من الزمان تقريبا .

أين الدور الحكومي؟

العديد من المؤشرات الدالة على حرص السلطة الحاكمة في العراق على إنتزاع القدرات الكامنة لدى قطاع الكهرباء والتي تمكنه من المساهمة في اعادة بناء المنظومة الوطنية للكهرباء وتوفير شروط التطور فيه.. من الاجراءات المتخذة لتأكيد هذه المؤشرات هي ما تم تنفيذه منها ومنذ عام ٢٠٠٣ م ولحد الان نذكر منها التالي

– تغييب أو تحجيم دور العناصر البشرية الفاعلة والتي تمتاز بحيازتها الخبرة والمهارة في تسيير شؤون دوائر قطاع الكهرباء المختلفة وذلك بوساطة قرارات إدارية موجهة.

– إلغاء الشركة العامة للمشاريع الكهربائية التابعة الى وزارة الكهرباء.

– الغاء الشركة العامة لتصنيع وحدات انتاج الطاقة الكهربائية والتي بدأت أعمالها بشراء سر المعرفة من الشركات العالمية المتخصصة في صناعة مكونات الوحدات التوليدية وانشاء الورش المتعلقة بنشاطاتها.

– إخضاع المواقع القيادية في قطاع الكهرباء الى شروط المحاصصة السياسية مما أفقدها إستقلالية القرارات الجادة والحاسمة في ادارة شؤون القطاع.

– إلزام ادارة القطاع على قبول تعيين عشرات الالاف من العاطلين بغض النظر عن شروط التخصص والكفاءة حتى تجاوز عديد الموظفين العاملين في دوائر الكهرباء ٢٠٠ ألف شخص مما أحدث ارباكاً كبيراً في العمل.

– حرمان العاملين في بعض من دوائر القطاع من تأدية أعمالهم التي كانت تمارس من قبلهم بمستوى كفاءة عالية قبل عام ٢٠٠٣ م وعلى وجه التحديد جباية أجور الكهرباء وكذلك القيام بالصيانات الدورية لمكونات الشبكة الوطنية حيث إحيلت الكثير من هذه الاعمال الى شركات من القطاع الخاص تحت عنوان (مشاريع الخصخصة) حيث كان ذلك مؤشرًا على محاولات تغطية صفقات الفساد كما يعده المراقبون .

على وفق هذه المؤشرات وغيرها يمكننا وصف الدور الحكومي بأنه مصاب بالشلل التام الذي يمنعه من اداء مهامه المطلوبة فاقتصر عمله على تنظيم العقود واطلاق دعوات المناقصات الخاصة بها من أجل تهيئتها لصالح القوى المؤثرة والقادرة على الفوز بها.

الخلاصة

يمكن صياغة هذه الخلاصة باستشهاد جزءً مما نشرته صحيفة الوول ستريت جورنال واسعة الانتشار في إحدى تقاريرها وقبل ما يقارب ثلاثة اعوام والذي ينص (كل عقد طاقة في العراق يجب ان يحقق استفادة لأحد الأحزاب السياسية والقوى الدينية حتى يوقع)

وعلى مبدأ اليقين فإن غالبية الاحزاب السياسية والدينية في العراق تخضع الى قوى دولية واقليمية داعمة لها. من هنا فإن الصراع السياسي والاقتصادي الجاري على الحلبة يهدف الى تحقيق المصالح الخارجية بوساطة الاستحواذ على الموارد المالية المتاحة وبوسائل مختلفة فكانت موارد قطاع الكهرباء في مقدمة اولويات الميادين المستهدفة.

Consultant Electricity & Renewable Energy

sahbanfaisal@

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories