الشعبوية وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي

Related Articles

الشعبوية وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي

د.رنا خالد 

المدير التنفيذي ورئيسة الباحثين 

IFPMC-LONDON

JUNOARY 2021

من المجر وبولندا إلى بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية ، ومن النمسا وهولندا إلى ألمانيا وفرنسا ، ومن تايلاند والفلبين إلى الأرجنتين والبرازيل ،انتخابات اثر الانتخابات و النتائج الديمقراطية تتمخض عن حكومات شعبوية تعكس كيف أصبح الناخبون في جميع أنحاء العالم محبطين ، لذا فهم يتجهون إلى خيارات سياسية مناهضة للمؤسسات المالية والاقتصادية العالمية التي أصبحت تمثل لهؤلاء المسبب الرئيسي لجميع أزمات الاقتصاد .

,كل تلك الظواهر اعادت الى الواجهة الجدل الاكاديمي الذي يدور حول انتشار الشعبوية وتأثير ذلك على النظام الاقتصادي العالمي ومدى الضرر الذي تلحقه بأسس هذا النظام وقدرته على التعافي من ازماته وتحديداً ازمة كوفيد -19 التي تهدد بانقلاب شامل في مختلف اركان هذا النظام السياسية والاقتصادية .

كيف نفهم الشعبوية: ملامح الشعبوية ام ملامح الشعبيون

ربما نختلف في تحديد مفهوم موحد للشعبوية الا اننا يجب ان نختلف على ان الشعبوية ليست ذات شخصية او طابع موحد وفي الحقيقة ان عدم التحديد تمثل مشكلة كبيرة تواجه الباحثين في هذا الموضوع . الشعبوية ليست اليسار ولكنها موجودة في جمهور الحركات اليسارية . وهي ايضاً ليست اليمين الا انها موجودة في جمهور الحركات والأحزاب اليمينية. والشعبوية موجودة في أحزاب الوسط وفي الجمهور غير المستقطب سياسياً, انها موجودة لدى الغرب والشرق الفقراء ذوي التعليم المحدود والاثرياء خريجي الجامعات المرموقة . جون جوديس في كتابه ( الانفجار الشعبوي :كيف غير الركود الكبير السياسة الامريكية والاوربية) يرى ان الميزة الوحيدة التي تجمع الشعبوية هي ان مصالح ووجهات نظر الجماهير الشعبوية لا تتطابق مع مصالح ووجهات نظر النخب[1]. جوديس يرى بان الشعبويين ليس لديهم اتجاه سياسي واحد يجمعهم ولكن بالتأكيد ان هنالك مجموعة من السمات والملامح التي تجعلهم وكأنهم ينحدرون من “عائلة واحدة” عبر مختلف دول العالم [2].

نحن نتفق مع جوديس في اننا قد نتعثر في إيجاد مفهوم محدد للشعبوية ولكننا يمكن ان نحدد مجموعة من السمات التي يشترك بها الشعبويين والتي تجعلهم افراد عائلة عالمية متشابهة.

اولاً: الشعبويين لا يثقون ابداً في المؤسسات والخبراء. وهذا يشمل كافة اشكال المؤسسات السياسية او الاقتصادية او حتة الشركات الكبرى[3].

ثانياً: الجمهور الشعبوي تترسخ لديه قناعة ان أصوات الناس ومشاكلهم ومطالبهم يتم تجاهلها من قبل الحكومات النخبوية.

ثالثاً: انهم يؤمنون ان قادة الليبرالية ومفكريهم تمادوا في إدارة والتحكم في العالم وان هذه الإدارة هي تصب في مصلحة الأثرياء ورجال السياسة والمتملقين من الاكاديميين والخبراء [4].

رابعا: الشعبويون يرون ان أنظمة السياسة والاقتصاد العالمي تعمل فقط لخدمة النخب[5].

اتباع طريقة فهم الشعبوية من خلال تتبع سماتها وأفكار مناصريها الأساسية وخاصة موقفهم من النخب,لاتزال من اهم الطرق. ولكن الكاتب الإنكليزي ديفيد غود هارت استخدم مواهبه الصحفية التي جعلته يتتبع تطور تيارات الراي العام في بريطانيا والولايات المتحدة واوربا والتي ساعدته في رسم صورة أخرى للشعبوية من خلال ليس تصنيف سماتها التي يجدها قابلة للتغير والتطور مع تطور جمهورها.

غودهارت من خلال كتابه المثير للاهتمام (الطريق الى مكان ما :الثورة الشعبوية ومستقبل السياسة) حاول ان يفسر ظواهر مثل الترامبية والبريكست واليمين المتطرف في اوربا وعلاقتها بانتشار التيارات الشعبوية.ولن (غود هارت) انتهى الى ان يقسم جمهور الشعبوية القسمين:

القسم الأول: شعبويين في مكان ما محدد (ٍSomewhere ) وهم مجموعات الشعبوبين المتجذرين في مكان او مجتمع محدد انه المكان الوحيد الذي يعرفون ولا يريدون الخروج من حدوده انه ينتمون الى هذا المكان. انهم يخافون ويرفضون الغرباء وهم ايضاّ يخافون يرفضون أي نوع من أنواع التغيير خاصة تلك التي يبررها رجال الاعمال او السياسيين او نخبة [6]. (غود هارت) يرى ان هؤلاء هم الأساس الحقيقي والشكل الأول لتشكل ثورات الشعبويين .وهي الأماكن التي يجب دراستها بعمق وفهم ديناميكية افرادها لأنها ستجيب عن كل الاسئلة المتعلقة بالشعبوية .

القسم الثاني : الشعبويون في أي مكان (Anywhere) هؤلاء هم مجموعة من الشباب المتعلم والمثقف والذي يستفاد من الثورة التكنولوجية وهم مرحبين بالتغيير ولا يخشون المهاجرين او المختلفين شرط ان يكونوا وفق شروط العالم الرأسمالي وليس عالة عليه. ولكن الشعبويين (اللامكان ) لا ينتمون الى مناطقهم ومجتمعاتهم الاصلية بل انهم ينتمون الى أي مكان يقدم لهم فرص العمل او الفرص الاكاديمية المرموقة. انهم يعارضون السياسيين وكل الأنظمة التي تحدد القومية او العرق او الجنس انهم يخافون من الانتماء الى مكان واحد او السياسات التي تجعلهم محاصرين في مكان واحد[7] .لهذا فهم يدافعون عن قضايا التنوع الاقتصادي والاجتماعي وقضايا العرق واللون ويدافعون عن قضايا الجنس والمثليين وكذلك يخوضون حرب شعواء على السياسات المدمرة للمناخ ويعارضون العولمة.

بين فكرة جوديس عن الشعبوية التي محورها عدم الثقة بالنخبة وأفكار غود هارت الذي يرى بان محورها الشعور بالخوف من الاخر او الخوف من الانتماء الى مكان واحد. تضل الشعبوية فكرة هلامية تخدع المفكرين والكتاب وتجعلهم يعتقدون انهم يكتبون عن فكرة هم لا ينتمون لها ثم يتفاجؤون بانهم يكتبون عن انفسهم وان ملامحها تشبه ملامحهم.

لماذا تنتشر ؟

 العولمة ليست المتهم الوحيد لنشوء حركات الشعبوية, انها فقط عامل من عوامل عديدة تعد المحفزات الأساسية لانتشار الشعبوية في عالمنا بهذا الشكل الواسع . من اهم تلك العوامل :

اولاً: تراجع الولاء للأحزاب التقليدية وفي الوقد ذاته انخفاض الدعم لأحزاب الوسط حيث انخفض الدعم لأحزاب الأساسية في الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة بنسبة 12% في مطبع التسعينات مقابل انخفاض اكثر من 50% منذ مطلع الالفية وحتى الان. (الشكل 1)[8] يوضح مدى تراجع الدعم الجماهيري للأحزاب الكبرى في الاقتصاديات الكبرى.

ثانياً: الشعبوية أصبحت ملاذاً للذين يشعرون بالعجز والتهميش من قبل النخب التي تتولى الحكم , وهنا نتكلم عن التيارات الشعبوية في العالم الغربي. حيث ان المناصرين لترامب يرون فيه المخلص الذي يستوعب مخاوف الامريكان اليمينيين المهمشين ويهاجم النظام السياسي الأمريكي ,مثلما يرى اليسار الأمريكي من عمال الغرب الأوسط في بيرني ساندرس المخلص الذي يهاجم النخب السياسية التي تستحوذ على البيت الابيض[9].

ثالثاً : الشعبوية تستثمر في صناعة الخوف. الشعبويون اليمينيون على وجه الخصوص مثل مارين لوبان في فرنسا ودونالد ترامب في الولايات المتحدة وجيرت فيلدرز في هولندا ونايجل فراج في بريطانيا جميع هؤلاء واخرين غيرهم نجحوا في اللعب على المخاوف من الإسلام والمخاوف من الاخر المختلف في الشكل او اللون او العرق [10].في( الشكل رقم 2 ) قامت مجلة الإيكونيميست بوضع مخططات واحصائيات توضح كيف بالغت القوى اليمينية في حجم المجتمعات في اوربا .

(الشكل رقم2 ) [11]

رابعاً: أزمة الهوية حيث يرتبط ارتفاع الدعم للأحزاب الشعبوية اليمينية أيضاً بما يمكن تعريفه على أفضل وجه بأنه أزمة هوية. العديد من الدراسات التي ناقشت فكرة الشعبوية وجدت انها تكتسب المناصرين انطلاقاً من الحجج القائمة على اسس تقويض الهوية والمجتمع اكثر بكثير من الحجج الاقتصادية بالمظالم المادية [12]

خامساً: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي :أخيرًا، إذا كنا نتطلع إلى شرح الشعبوية، فمن الضروري مراعاة الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي. يقول هندريكسون وغالستون “إن الشعبويين سارعوا إلى اعتماد واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات اتصال، وأن الشعبويين اليوم  هم النجوم في الفضاء الإلكتروني السياسي، متقدمون بذلك  على خصومهم الوسطيين” [13] . وعدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب , يمكن ان يكون جيرت فيلدرز، المرشح الشعبوي والمناهض للمهاجرين، كنموذج اوربي.  فبالرغم من عدم احتمال انتخاب فيلدرز، فمن المرجح أن يظل محبوباً على وسائل التواصل الاجتماعي وأن يكون له حضور قوي داخل مجال الإنترنت ـ ربما ولو بدرجة أكبر من حضور معاصريه السياسيين أو غيرهم من قادة الأحزاب الهولندية.

النظام الاقتصادي في خطر

لا يختلف احد على مدى خطورة الشعبوية على قيم المجتمعات الغربية ولكن خطورتها الأكبر تكمن في انها تخنق أنظمة الاقتصاد العالمي وتحاصر بيئة الاعمال في مختلف الدول . انها ليست فقط حركة لمجموعات لديها مخاوفها من الاخر او عدم الثقة والشعور بالتهميش من النخبة السياسية . بل انها تمثل التغير النوعي والكمي في سلوك قوى الإنتاج وبالتالي في سلوك الشركات الكبرى والمنتجين الكبار الذين يتحكمون في حركة رأس المال .

الشعبوية ليست ظاهرة حديثة, ولكن نقطة انفجارها كانت ابان الازمة المالية العالمية 2008 . مارتن وولف* كبير المحررين الاقتصاديين في صحيفة الفايننشال تايمز واهم الداعمين والمتحمسين لقوة وصلابة النظام الاقتصادي العالمي على مدار سنوات اصبح اليوم اكثر المشككين في قدرة اقتصاد السوق على مقاومة هجمات الشعبويين . الحقيقة ان (وولف) يرى ان النظام الاقتصادي العالمي كان يعاني من الاجهاد قبل 2008 ولكن الازمة المالية العالمية فتح الباب لمن اسماهم “الديماغوجيين” الشعبويين لكي يحطموا بيئة العمل بطريقتين الأولى من خلال ضرب افاق العمل في جميع انحاء العالم . والثاني من خلال انتاج رد فعل سياسي واجتماعي على سياسات التقشف (تحديداً في اوربا) والتي أدت الى الم اقتصادي قام الشعبويون بتحميل مسؤوليته الى العمال والمستثمرين الأجانب[14]. هنالك أصداء واسعة تؤيد اراء وولف واخرين من الذين يرون في التيارات الشعبوية الخطر الحقيقي على بيئة الاعمال العالمية وخاصة لدى رجال الاعمال وقادة الشركات الكبرى من أمثال ايلون ماسك وبيل غيتس وجيف بيزوس, حيث تمثل الشعبوية تهديد لرؤيتهم الإبداعية ومشاريعهم العالمية[15].

الشعبوية تخنق بيئة الاعمال

الشعبوية أدت الى خنق النمو كما عبر عنها مارفن [16]. فالسياسات الحمائية والجدران الاقتصادية التي تكلم عنها ترامب والبركست الذي ينادي أنصاره بإعادة سيطرة بريطانيا على حدودها واقتصادها وأسواق العمل فيها كل تلك السياسات تهدد والأفكار تهدد نظام التجارة الحرة الذي هو من اهم محركات النمو الازدهار في النظام الاقتصادي العالمي [17]. فانفتاح الأسواق وتحرر الأسواق في التسعينات هي التي جعلت النمو الاقتصادي يزدهر بمعدلات قياسية حيث بلغ النمو العالمي طوال عقد التسعينات بغ 23% وازدادت معدلات التجارة بنسبة 80% وارتفعت تدفقات الاستثمار العالمي بنسبة 500% [18]. ولكن تصاعد الشعبوية سبب ضغط كبير على الحكومات والأحزاب السياسة في الغرب ولم تعد الحكومات راغبة في دعم وإصلاح نظام التجارة العالمي الذي يتطلب تضحيات صعبة وشاقة بقدر رغبتها في انتهاج الطريق الأقصر والفوز برضى التيارات الشعبوية ذات الأصوات العالية [19].

المفارقة هي انه في الوقت الذي بدأ فيه الغرب في بناء الجدران العالية والدعوة الى حماية الصناعة والزراعة والتجارة والانكماش الى الذات ,في هذا الوقت فان الصين ترسم نموذج جديد للانفتاح والعولمة ووضع قوانين التجارة الحرة وفقأ للظروف الاقتصادية الخاصة بالقارة الاسيوية عبر مشروع (الحزام والطريق  BRI)[20], إضافة الى اتفاقية “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” الجديدة والتي تضم دول تأوي ما يقرب من ثلث سكان الكوكب والناتج الاقتصادي، ما جعل وزارة التجارة السنغافورية تصفها بأنها “أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم حتى الآن”. ومن شأن الاتفاق أن يخفض التكاليف ويسهّل الأمور على الشركات عبر السماح لها بتصدير المنتجات إلى أي بلد ضمن التكتل دون الحاجة للإيفاء بالمتطلبات المنفصلة لكل دولة.ويتطرق إلى الملكية الفكرية، لكنه لا يشمل حماية البيئة وحقوق العمال.كما يُنظر إلى الاتفاق على أنه وسيلة للصين لوضع قواعد التجارة في المنطقة[21].

الشعبوية والتكاملية الاقتصادية

التكامل الاقتصادي العالمي ساهم في حرية حركة رؤوس الأموال والسلع والعمالة والخدمات، المعروفة أيضاً بالتجارة الحرة, هذه التكاملية تعد الميزة النسبية التي ميزت الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية. وحسب نظرية التكاملية الاقتصادية ينبغي للبلدان أن تتخصص وتصدر السلع والخدمات التي تتمتع بميزة تنافسية فيها، بينما تقوم باستيراد السلع والخدمات التي لا يمكنها إنتاجها بكفاءة. ومن الناحية النظرية، ينبغي أن يستفيد  جميع الأطراف ولكن عبر السنوات اختلفت الممارسات العملية للتجارة الحرة عن الغاية والهدف من التكامل الاقتصادي خاصة عندما انظمت اقتصاديات كبيرة ,مثل الصين والهند, وهي اقتصاديات ذات مستوى اجور منخفض الى نظام التجارة المفتوح حيث استفادت هذه الاقتصادات الكبيرة وعظمت مكانتها في الانتاج العالمي . ولكن ماذا يحدث للوظائف في الاقتصادات ذات الأجور الأعلى في الغرب؟ الجواب، بكل بساطة، هو أن عدداً كبيراً من الوظائف، خاصة في قطاع التصنيع،  اخذ يتراجع في الغرب. وهذا ما حدث بالتأكيد في أوروبا، وربما أكثر وضوحاً في الولايات المتحدة حيث ارتفعت حصة الطلب المحلي الذي تُلبى من الواردات من حوالي 30% في عام 1990 إلى نحو 50% في عام 2007، كما هو مبين في الشكل (رقم3)[22]

 بطبيعة الحال، لا تأتي كل الواردات إلى الولايات المتحدة  او بريطانيا او اوربا من الاقتصادات ذات الأجور المنخفضة، ولا يمكن إلقاء اللوم على الواردات أيضاً في كل فقدان الوظائف في قطاع التصنيع في هذه الاقتصاديات الغربية الكبرى, ولكن الشعبوية استخدمت النتائج المباشرة للتكاملية الاقتصادية لتلقي اللوم عليها في كل الخسائر التي تكبدها العمال في المدن الصناعية الكبرى[23]. من جانب اخر استفادت النخب الشعبوية في الغرب هذا الغضب الشعبوي لتصفي حساباتها مع الكتل الاقتصادية الكبرى التي بدأت تطالب بحصص اكبر لاقتصاديات مثل الصين والهند او ما اصبح يعرب بالرابحين من نظام التجارة الحرة[24].وهذا ما انتج الترامبية التي كان لديها  حل واضح:الا وهو التخلي عن سياسة التجارة الحرة التي أدت إلى هذا الوضع والتصرف بشكل أكثر عدوانية تجاه المنافسين الذين ألحقوا الكثير من الأضرار الاقتصادي. والبريكستيين* او دعاة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.

الشكل رقم (3)

إعادة بناء الثقة

لطالما تجاهلت المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية الإنذارات التي كانت تتنبأ بمخاطر إدارة الاقتصاد العالمي بأفكار وقواعد ثابته والتغاضي عن الإصلاح الجذري لإعادة بناء الثقة بها وبقدرتها على تخطي الازمات. قبل انتشار الحركات الشعبوية نبهت الحركات المضادة للعولمة من اضرار اهمال المؤسسات المالية لسياسات الإصلاح. سوزان سترينغ احد اهم المفكرين الاقتصاديين الذين لم يتوقفوا عن تفسير اخطار العولمة , فسرت قبل اكثر من 25 عام العلاقة بين هشاشة المؤسسات الاقتصادية العالمية وبين نشؤ جيل من الغاضبين من هذه المؤسسات حيث وصفت  تزايد سيطرة الاقتصاد العالمي على التمويل وما أسمته “المال المجنون” بانه بمثابة الخطر المؤكد الذي يهدد النظام الاقتصادي بأكمله حيث سيصبح أكثر تقلباً من أي وقت مضى وهو بدوره سوف يهدد بثورات واضطرابات متكررة من قبل هؤلاء الذين لم يعودوا يثقون بهذه المؤسسات [25].

ازمة وباء كوفيد-19 جعلت بيئة الاعمال العالمية تواجه أزمات عميقة تتطلب عملية اصلاح واسعة خاصة, علماً ان الازمة المالية العالمية 2008 دقت أجراس الإنذار مسبقاً الى ان السياسات الخاطئة والهياكل الاقتصادية المتضررة لا يمكن إصلاحها غبر إجراءات محدودة او عمليات تجميل شكلية , المؤسسات المالية العالمية بحاجة الى إجراءات ثورية لإصلاح نفسها[26]. ان المؤسسات الاقتصادية العالمية بحاجة اليوم الى اجراء عملية اصلاح وعملية إعادة بناء الثقة. حيث ان الحركات الشعبوية لديها حجج متينة تنتشر عبر مختلف انحاء العالم تؤكد بان هذه المؤسسات قد شاخت وأصبحت عاجزة عن فهم التبدلات والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تمر بها المجتمعات العالمية. بناء الثقة تعني التوقف عن دعم راس المال بالمقابل بذل الجهود لإعادة دعم العمل لان هؤلاء الشعبويين هم اساساً قوى العمل التي تم تجاهلها عبر سنوات طويلة[27]. بعد الازمة المالية العالمية قامت المؤسسات المالية والحكومات بأجراء إصلاحات استهدفت دعم المستثمرين بالمقابل تم اهمال قوى العمل والتغاضي عن الخسائر التي اصابت صغار المستثمرين. وبالتالي الاصلاحات في النظام الاقتصادي العالمي تتطلب التركيز على الاستثمار الأطول أجلا، وتحسين الإنتاجية والأجور، والتحرك نحو الأسهم والابتعاد عن الديون.[28] اضافة الى الإجراءات الاقتصادية يجب ان يكون هنالك معالجات جذرية للمخاوف الاجتماعية والثقافية التي ولدتها الازمة المالية وانفتاح أسواق العمل للمهاجرين الأجانب التي تعد حجة الشعبويين في الغرب مقابل فساد الحكومات اضطهاد الطبقة العاملة في الشرق, هذه المخاوف التي لحد اليوم لا توجد لها معالجات واضحة [29].

المصادر

[1] Judis, J.B. 2016. Us v them: The birth of populism. Available: https://www.theguardian.com/politics/2016/oct/13/birth-of-populism-donald-trump [2021 January]

[2] Ibid

[3] Ibid

[4] Cox, M. 2017. The rise of populism and the crisis of globalisation: Brexit, Trump and beyond. Irish Studies in International Affairs,P 28.

[5] Judis, J.B. 2016,Ibid.

[6] Goodhart, D. 2017. The road to somewhere: The populist revolt and the future of politics. London: Hurst Publishers.P67-68

[7] Ibid.

[8] Barth, Marvin .2017. The Politics of Rage”: What’s driving the collapse of the political centre?, Barcklays Bank ,Website ,[Online] Available At :https://www.investmentbank.barclays.com/our-insights/politics-of-rage.html .[

[9] Charles Postel.2016,If Trump And Sanders Are Both Populists, What Dose Populist Mean?, Organisation of American Historian {website], Available in : If Trump and Sanders Are Both Populists, What Does Populist Mean? | The American Historian (oah.org)

[10] [10] Cox, M. 2017. Ibid.

[11] The Economist .2016: Islam in Europe: perception and reality:

How Europe views Islam, Available in: Daily chart – Islam in Europe: perception and reality | Graphic detail | The Economist

[12] Oesch, D. 2009. Explaining Workers’ Support for Right-Wing Populist Parties in Western Europe: Evidence from Austria, Belgium, France, Norway, and Switzerland. International Political Science Review (2008), Vol. 29, No. 3: 349–373.

[13]Alvares, C. & Dahlgren, P. 2016. Populism, extremism and media: Mapping an uncertain terrain. European Journal of Communication. 31(1):P46-57.

[14] Wolf, M. 2017. The economic origins of the populist surge. Available: https://www.ft.com/content/5557f806-5a75-11e7-9bc8-8055f264aa8b [2017, November 20].

  • يمكن مطالعة مقالات مارتن وولف في صحيفة الفاينناشال تايمز إضافة الى كتابه الجدير بالاهتمام Wolf, M. 2004. Why globalization works.New Haven: Yale University Press.والذي يحلل فيه أنظمة الاقتصاد العالمي وقدرة العولمة على مواجهة مختلف تحديات المجتمع والاقتصاد الرأسمالي ولكن يبدوا انه قد غير الكثير من هذه القناعات بعد الاكمة المالية العالمية 2008

[15] Ibid.

[16] Barth, Marvin .2017, Ibid.

[17] Balentine .2017, The Political Cycle and Markets: Does the Rising Tide of “Populism” Matter? Balentane Website, [Online[ Available At : https://balentine.com/insights/blog/the-political-cycle-and-markets-does-the-rising-tide-of-populism-matter/

[18] Ibid

[19] ibid

[20] ibid

 [21] وكالة فرانس 24: 2020، 15 دولة من منطقة اسيا والمحيط الهادئ بينها الصين توقع اكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم ، https://www.france24.com

[22] Khan, M. 2016. UK facing ‘dreadful’ wage stagnation: 3 charts from the IFS. Available: https://www.ft.com/content/16662297-2067-3289-81bf-95da91628fbc.

*البريكستيين, مأخوذ من Brexiters  أي انصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي .

[23] Klein, C. 2016. How many US manufacturing jobs were lost to globalisation? Available: https://ftalphaville.ft.com/2016/12/06/2180771/how-many-us-manufacturing-jobs-were-lost-to-globalisation/ .

[24] Ibid

[25] Strange, S. 1996. The retreat of the state: the diffusion of power in the world economy. Cambridge: Cambridge University Press.

[26] Stepek, Johan. 2017.What’s driving populism and why investors should care, LinkedIn, Website. [Online] Available At: https://www.linkedin.com/pulse/whats-driving-populism-why-investors-should-care-john-stepek/

[27] Ibid

[28] Ibid

[29] Barry Eichengreen.2019, The two faces of populism, VOX EU [Website],Available in : The two faces of populism | VOX, CEPR Policy Portal (voxeu.org).

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories