asd

الحرب الروسية الاوكرانية.. سنة على الحرب العالمية الثالثة زلزال الاقتصاد العالمي الجديد

Related Articles

الحرب الروسية الاوكرانية

سنة على الحرب العالمية الثالثة

زلزال الاقتصاد العالمي الجديد

 د.رنا خالد 

IFPMC-LONDON

FEBRUARY 2023

الحرب في أوكرانيا هي بوابة الحرب العالمية الثالثة بصورتها الساخنة والباردة. ليست الجيوش وانتشارها في رقعة الصراع العالمي من حدد عالمية هذه الحرب، بل المعاناة الاقتصادية وتحديات خطوط الامداد العالمي والتنافسية بين الجبهات العالمية المنقسمة الى شرق وغرب وشمال وجنوب والمنقسمة ايضاً الى حلفاء ومحور وعدم انحياز.

انها سنة طويلة ليست فقط على الجبهة الأوكرانية او الروسية بل هي سنة طويلة على الجبهات الاقتصادية العالمية، شركات الطاقة وطلقات الرحمة لعمالقة التكنلوجيا، وقتلى شركات السيارات والصناعات، ومعارك الغواصات في التجارة العالمية، وخطط وخرائط الحلفاء من الكارتلات النفطية وسباق التسلح في أسواق الأسهم والسندات، والصورة الأخطر في هذه الحرب هي أسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها البنوك المركزية في حرب الدولار التجويع والصدمة.

هذه هي الحرب العالمية الحقيقية التي مثلت الحرب في أوكرانيا الجزء المكشوف لها. بعد سنة من حرب أوكرانيا انجلت الحقيقة المثبتة التي مفادها ان هذا الصراع هو حرب مرسومة كان لابد ان تندلع ليس عندما قرر بوتين اجتياح أوكرانيا 2022 ولا حتى عندما اجتاح القرم 2014 فقد سبق ان اجتاح جورجيا 2008 ولم يهتز للأوربيين ولا الامريكان طرفة عين. الصراع مع روسيا لم يتوقف ومع ذلك لقد جلس الزعماء الاوروبيون والامريكيون في الكرملين تباعاً يتلذذون بغرور بوتين العظيم ويطعمون الاوليغارشية الروسية ما لذ وطاب من ثمار الاستثمارات العالمية المحمية بالقوانين الاوروبية الصارمة والتي عصبت عينيها امام مصادر التمويل المشبوه والتغول المالي للشركات الروسية العملاقة التي تستثمر في كل شيء في اوروبا من دوري كرة القدم والأندية الاوروبية الممتازة الى شركات والسلاح والنفط والغاز .اذن لم يكن بوتين طاغية عندما جلسوا معه في قمم الأثرياء والاقوياء شريكاً يتناقشون معه قضاياهم ولم يكن رومان ابراموفيتش الملياردير الروسي اوليغارش عندما كانت تستلف منه الحكومات الاوروبية سراً لتسد عجز الموازنات الحكومية وحملات الأحزاب الأوروبية.

هذه الحرب ليست صراع بين الاخيار الذين يريدون حماية أوكرانيا الدولة الأوروبية ولا الاخيار الروس الذين يريدون نصره الروس المضطهدين في الدونباس وليست صراع بين اشرار روس يريدون التوسع في أوروبا ولا اشرار غربيين يريدون وضع صواريخ الناتو بالقرب من الحدود الروسية. هذه الحرب هي شرارة الصراع الأكبر القائم على حاجة ملحة لكل الشركات العملاقة الضخمة التي أصبحت أثرى واقوى من الحكومات والزعامات والايديولوجيات. هذه الشركات على كل الأطراف تحتاج للحرب لتبيع وتزدهر وتضرب المنافسين والركاب المجانيين لنظام العولمة والتجارة الحرة.

العاصفة تسبق الزلزال

هذه الحرب التي تطفئ شمعتها الأولى لتشعل العالم تشبه الصراعات الكبرى التي شهدتها تاريخ البشرية الحديث والمعاصر من حيث ان بناءها يسبق اندلاعها بسنوات ومن حيث ان دوافعها ومحركاتها الاقتصادية والأيديولوجية أكبر بكثير من دوافعها السياسية والاستراتيجية. وعليه نحن نتفق مع تلك الآراء التي ترى بأن جذور الحرب العالمية الثالثة التي نشهدها اليوم كانت مقررة منذ الازمة المالية الاقتصادية 2008 عندما انكشفت اخطر عيوب النظام المالي العالمي بالضبط مثلما حدث في الازمة الاقتصادية العالمية 1929 عندما انهار النظام الرأسمالي العالمي ليخلق عالم موازي من المناوئين للرأسمالية العالمية وتحولت مجمل التغييرات العالمية الى شبكة من الصراعات الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية التي انفجرت في الحرب العالمية الثانية التي هي الأخرى تشبه الحرب في أوكرانيا من حيث دورها كصورة خلفية لصراع اعمق وتحولات جيوستراتيجة اخطر.

لنقرب الصورة اكثر، الزلازل التي تهز العالم وهي كوارث تتحطم على اثرها المدن ويندثر تحت انقاضها العشرات من الضحايا ولكنها في نفس الوقت وعلى المدى البعيد عملية رسم تكتونية لسطع القارات والبحار والمحيطات لن تلاحظ التغيير وانت تحصي الجثث والخسائر ولكن بعد سنوات سوف تلاحظ التغيرات التي أحدثها الزلال في تغير مواقع القارات بأكملها . في الحرب الأوكرانية لن تلاحظ التغيير وانت تحصي القتلى والمناطق المدمرة والحصار روسيا وحصار اوربا وهل سينتصر بوتين ام سينهزم الاوربيين والامريكان؟ هل ستخلص العالم من هيمنة القطب الواحد ام ان مجرد عملية التخلص هي تعزيز لأهمية وحصانة فكرة سيطرة القطب الواحد؟ هل القوة والنفوذ وهم ام انه حقيقة لم تعد تصنعها الحكومات بل قوى اخطر واهم واكثر تدميراً وسطوة من أي دولة او حكومة او إدارة سياسة؟.

هذه الأسئلة لا يمكن ان نجيب عليها خلال السنة الأولى من هذه الحرب، ولكننا مطالبين بترقبها وقياسها العالمي الدقيق بالضبط مثل قياس الزلازل ليس لتجنبها، بل لكي نعرف حجم التغير التكتونية التي تحدث بعد كل زلزال.

الوجه الطفولي للحرب في اوكرانيا

نعم نحن لا نختلف مع من ينظر الى هذه الحرب عبر وجهها السياسي والاستراتيجي العالمي وانا شخصيا احب هذا الوجه الطفولي البريء لهذه الحرب والذي يعيدنا الى مورث الصراعات العالمية المبني على أساس وجود قوة غاشمة شريرة طاغية تريد الهيمنة على العالم وفرض نموذجها المنفرد للقوة والنفوذ العالمي . الواقع لم نتوقع ان يكون بوتين ساذجاً الى هذا الحد ليقع في الفخ الأوروبي والامريكي الذي ضل يحفر له طوال سنوات طويلة منذ اول مغامراته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث اعلن ضم اوسيتيا الجنوبية الى الأراضي الروسية لتندلع اول حرب اوروبية بعد الحرب العالمية الثانية والتي لم تكن سوى اعلان عن عودة القوة الروسية كقوة ند للغرب.

منذ ذلك الوقت وعندما كان النظام الرأسمالي العالمي يرى انهياراته العالمية ومساوئ العولمة الاقتصادية التي بدأت تخنق الحلفاء الغربيين والشرقيين على حد سواء وتحاصر الشركات الكبرى وتحطم اساسات البنوك العالمية، بل وحركة النقد العالمي الذي تتحكم به القوى العظمى المهيمنة الأوحد في العالم. في تلك اللحظات التاريخية قررت قوى المال والتكنلوجيا والصناعة والتجارة ان لا مناص من فتح كتب السحر القديمة التي عنوانها صناعة الطاغية العالمي الذي يفجر حرباً عالمية تعيد رسم العالم الاقتصادي الجديد.

فلاديمير بوتين الشخص المناسب في المكان المناسب انه يمتلك الملامح التكوينية ذاتها التي يمتلكها نجوم الحروب العالمية الكبرى نابليون العسكري الغاضب المتحمس لعودة الإمبراطورية الفرنسية الى مكانتها التنافسية في المستعمرات العالمية. هتلر الفاشي المتعصب للأمة الألمانية التي لا بد لها ان تثأر من مهانة الحلفاء لها في الحرب العالمي الأولى. في روسيا بقايا الإمبراطورية السوفياتية نفس الأصوات نفس القصص نفس الأهداف ، ومن هنا ظهر بوتين ليقرر ان يرتدي قبعة نابليون ويرفع ذراعه الهتلري ليحيي القوات الروسية بل الامة الروسية التي تهتف للفوهرر الروسي.او حتى القيصر العظيم الذي يحلم بالقوة الاورو-اسيوية التي تعيد ليس فقط حدود الاتحاد السوفيتي السابق بل مفهوم أوسع بكثير فيه يحتوي على أيديولوجية (النظرية الرابعة ) التي صاغها الكسندر دوغين عراب الأورو-أسيوية الجديدة التي تشبع بها فلاديمير بوتين واعتبرها هدف الامة الروسية الأسمى، وهي أيديولوجية قومية لديها نفس الدماء التي كانت تسري في الأيديولوجيات الفاشية والنازية والأستالينية .

الصفعات المتبادلة

ولكن ليس فخ العظمة والتبريرات الأيديولوجية المستمدة من التاريخ والفرضيات هي وحدها من حول بوتين الى هذا الطاغية الذي تجرأ على الحرب العالمية، بل شيطنة الغرب الممنهجة لهذا النموذج الكلاسيكي من الزعماء المهووسين بفكرة الصراع العالمي. لقد سبق ان تعرضت موسكو للخديعة الاوروبية والأمريكية في العشرات من المناسبات كانت الحرب في كوسوفو وصربيا نهاية تسعينات القرن الماضي من ابرزها عندما طلب الناتو من روسيا التدخل لفك الحصار على قوات الناتو مقابل تقاسم المناطق التي لطالما طالبت بها موسكو ولكن تخلى الناتو عن وعوده وترك القوات الروسية تتورط في الصراع . لقد كانت صفعة لم ولن ينساها فلاديمير بوتين للناتو. ولكن الصفعات تتالت عبر غزو أفغانستان الذي اقترب من حدود النفوذ الروسي ،وحرب العراق الذي تم استبعاد روسيا تماماَ من مغانم الحرب اما شركات النفط الروسية الى التي استطاعت من الحصول على بعض المغانم في الاستثمار في حقول النفط والغاز العراقي فقط تعرضت للتهديدات الإرهابية والمضايقات تحت مرأى ومسمع القوات الامريكية .

موسكو ايضاً نجحت في اغضاب واشنطن وفي هز عرشها في اهم وأخطر منطقة نفوذ لها انها أوروبا الغربية. الولايات المتحدة لم يغضبها بوتين في محاولات إعادة الإمبراطورية السوفيتية عبر خلق حكومات موالية للكرملين حكام منتخبين وفق الديمقراطية الامريكية تلك السلعة التي تم بيعها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لتكون اختراع القرن الأمريكي الجديد. ولم يغضبها الاقتراب الروسي من الشرق الأوسط واللعب بالنار قرب القواعد الامريكية في العراق وسوريا فلعبة الشرق الأوسط تمتلك الولايات المتحدة فيها من المرونة والسيطرة والحلفاء ما يمكنها دائماَ من السيطرة اللاعبين الجدد والطامحين العالميين.

ولكن فعلاً ما اغضب الولايات المتحدة هو النفوذ الاقتصادي الروسي على حلفائها الأقوى والاهم في اوروبا. انهم حلفاء القوة الأثرى والاقوى في العالم يشترون الغاز الروسي الرخيص عبر نورد ستريم 1و2 والنفط السهل المسال الرخيص الذي يغنيهم عن الطاقة الامريكية المرتفعة التكاليف ومغامرات الهيمنة الامريكية. انه صوت تذمر القوى الكبرى الاوربية سمعته واشنطن في قمة دول السبع G7 في 2018 وتلك الصورة التي انتشرت في العالم حيث يجلس دونالد ترامب تحاصره نظرات الغضب والازدراء من الزعماء الاوروبيين الذين يسمعون كلمات مثل الانسحاب من مؤتمر باريس للمناخ ، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، المشاركة المتساوية في كلف الناتو، وشروط الولايات المتحدة القاسية للتجارة مع الاتحاد الأوروبي الذي هو صناعة أمريكية صرفة حان الوقت للتخلص من هذا المنتج الذي لم يعد مربحاً للشركات الامريكية التي تعاني من شروط التجارة والصناعة والتنظيمات الاوروبية الصارمة للتبادل التجاري مع الولايات المتحدة . لقد صنعت الولايات المتحدة فكرة الاتحاد الأوروبي ليكون سداً منيعاً امام القوة السوفيتية وليس ليكون قاضياً يحاكم المنتجات الزراعية الامريكية المحقونة بالهرمونات والأغذية عالية السعرات والنفط والطاقة الامريكية الباهظة التكاليف والتكنلوجيا المخترقة لكل الخصوصيات.

حكومة الشركات العالمية الكبرى

عمالقة الطاقة والتكنلوجيا وصناعة السلاح وشركات الأسهم الكبرى والبنوك العملاقة وحتى الفدرالي الأمريكي امبراطور النقد العالمي هؤلاء لم يعد هذا العالم المتشكل منذ الحرب العالمية الثانية مناسباً لهم انه نظام اقتصادي مقيد للثروة الهائلة التي لم يعد فيها إمكانية لقبول الحدود. انه ايضاً نظام اقتصادي مبني على قوى انتاج ضخمة تحتوي على عدد هائل من العمال والعوائل والسكان الذين يكلفون هذه الشركات اثمان باهظة (مدارس جامعات مستشفيات شرطة منازل مدن حكومات ترعى السكان وتحقق احتياجات الفقراء) هذه الشركات لم تعد تريد الإنتاج من اجل اطعام البشر وتكاثرهم بل هي تريد خلق الابتكار الذي يحل محل كل شيء بشري لذلك تحتاج الى اقل عدد من البشر لذلك سوف تدعم هذه الشركات في النظام الاقتصادي المستقبلي الفردية بكل اشكالها اليسارية الصرفة (التميز، المثلية، الحرية الفكرية والدينية ،أنظمة المناخ المقيدة لنمط الإنتاج الزراعي والصناعي الواسع. الخ من القضايا).

هذه هي الحرب العالمية الثالثة التي تحدث الان هذه الأفكار والايديولوجيات والنقاشات التي ترعاها الشركات الكبرى عابرة الجنسية والحدود والحكومات هي الصراع العالمي المخفي والذي يندلع منذ سنوات وهو وصل الان الى مرحلة الحاجة الى دخان الحروب والحروب المضادة والحروب بالإنابة لكي يتكون النظام الاقتصادي العالمي الجديد على انقاض تلك الحروب.

وكما قلنا سابقاً اننا لا نعارض من يرى الوجه السياسي والاستراتيجي العالمي للحرب في أوكرانيا، ولكن هذا ليس وجه هذه الحرب الحقيقي المجرد. هذه الحرب تمثل الصراع بين الغرب وروسيا جزئها الصغير الظاهر اما جذرها الغاطس فهو عالم اخر يتكون عبر عشرات الزلازل اليومية التي تحدث عبر العالم تمر علينا عبر احداث صغيرة ومتوسطة وكبيرة تمثل قطع احجية عالمية تتركب ببطيء وترسم صور غير مترابطة وغير مفهومة سوف تحتاج الى سنوات أخرى قليلة لكي نفهم نصفها وعقود أطول لكي تكتمل صورتها.

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories