الجولة الأوربية وحكومة مصطفى الكاظمي

Related Articles

الجولة الأوربية

وحكومة مصطفى الكاظمي

 د.رنا خالد

Excutiv Director & Head of Researchers 

IFPMC_LONDON

2020/ October

 حشد الدعم الدولي لمساعدة العراق على تجاوز ازمته الاقتصادية الخانقة. هذا هو عنوان الجولة الاوربية المهمة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاسبوع الماضي والتي شملت العواصم الأوربية الثلاث الرئيسية فرنسا والمانيا والمملكة المتحدة. رافق السيد الكاظمي عدد من كبار المستشارين والوزراء المسؤولين عن الملفات الاقتصادية التي تعد القضية الحاسمة في الساحة العراقية خاصة بعد تداعيات انهيار اسعار النفط وجائحة وباء كورونا مضافاً لها الأستقرار السياسي والأمني الحرج الذي بات يحرج الحكومة العراقية ويحاصر جهودها.

فرنسا

البداية كانت في العاصمة الفرنسية باريس والتي تفور فيها موجة من الغضب الشعبي جراء حادث مقتل المعلم الفرنسي على يد احد المتطرفين رداً على قيام الاخير بنشر صور مسيئة للاسلام ،وهي اجواء اعادة الى الاذهان اجواء التوتر التي شهدتها فرنسا على خلفية احداث شارلي ايبيدو. في هذه الاثناء وصل الوفد العراق برئاسة السيد الكاظمي محملاً بملفات الاقتصاد العراقي المتعثر والتوتر الامني الذي بات يهدد فرص الاستثمار والتنمية في العراق .استقبل الرئيس (امانويل ماكرون) السيد مصطفى الكاظمي وجرى تأكيد دعم الحكومة الفرنسية لجهود الحكومة العراقية في مكافحة الارهاب واحداث الاصلاح الاقتصادي .وجرى في خضم الزيارة عدد من الاجماعات مع كبار الشركات الفرنسية والتي اثمرت عن توقيع ثلاث مذكرات تفاهم اقتصادي. المذكرة الأولى تتضمن تعزيز التعاون بين الجانبين في مجال تعزيز القدرات المؤسساتية لوزارة الزراعة العراقية كما وتشتمل المذكرة تشجيع الشراكات الزراعية والغذائية، في مجالات الصناعات الغذائية والزراعية والآلات الزراعية وتنمية موارد الأراضي والمياه. فيما تعلقت المذكرة الثانية بالتعاون في مجال النقل والموصلات مع مذكرة تفاهم جانبية تخص مشروع سبق ان تعاقدت عليه الحكومة العراقية السابقة يتعلق بإنشاء القطار المعلق ببغداد والذي لايزال معلقاً منذ سنوات، وتضمنت المذكرة الثالثة تعزيز التعاون في مجال التعليم بين الطرفين، وخاصة ما يتعلق بتطوير التعليم العالي وزيادة حصة العراق من البعثات الدراسية الى الجامعات العراقية. الا ان المذكرات التفاهم جميعها لم تشمل اي نوع من التفاصيل المتعلقة بشروط التنفيذ و التمويل لتلك المشاريع خاصة وان فرنسا تشدد على ان اي عملية دعم اقتصادي لابد ان يسبقها خطوات عملية من قبل الحكومة العراقية لحصر سلاح المليشيات والتنظيمات المسلحة وهذا ما اكد عليه الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته الاخيرة الى العراق.

من جهته عبر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال لقائه رئيس الحكومة الفرنسيّة جان كاستيكس إن حكومته تسعى إلى علاقات متينة مع دول العالم تقوم على أساس المصالح المشتركة وإعادة العراق إلى وضعه دوليّاً. كما اعلن الكاظمي خلال لقائه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون تطلعه إلى تمتين علاقات الصداقة القائمة بين البلدين، وتوطيد سبل التعاون المشترك، بما يعزز المصالح المشتركة بينهما، مثمنً الجهود التي تقوم بها فرنسا لإطلاق مبادرة لدعم الحكومة العراقية في تنفيذ بعض فقرات برنامجها الحكومي الإصلاحي -على حد وصفه-.

المانيا

المحطة الثانية كانت العاصمة الالمانية برلين التي لطالما دعمت جهود العراق في محاربة داعش . وتعهدت المستشارة الألمانية (أنغيلا ميركل) خلال استقبالها للسيد الكاظمي بمواصلة دعم بلادها للعراق في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي الذي اعتبرته تهديد لمنطقة الشرق الاوسط وللعالم. من جهته اكد السيد الكاظمي رغبة العراق في تدعيم اواصر العلاقات مع المانيا في كافة المجالات وخاصة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وتحديداً ” وضع خارطة طريق للتعاون مع الشركات الالمانية في مجال تطوير شبكات الكهرباء “. والجدير بالذكر ان  رئيس الوزراء العراقي  المستقيل عادل عبد المهدي كان قد اعلن  في زيارة مماثلة له لجمهورية المانيا الاتحادية في 30 نيسان من العام 2019 ان شركة سيمنس الألمانية في وضع يؤهلها للفوز بمعظم الطلبيات البالغة قيمتها 14 مليار دولار، ضمن خطة لإعادة تشييد البنية التحتية لقطاع الكهرباء في العراق. هذا التصريح عد في وقتها بمثابة ضربة لشركة جنرال إلكتريك الأمريكية، التي كانت تخوض سباق لتطوير شبكة الكهرباء في العراق. كما وقع مسؤولون في حكومة المهدي السابقة  عدد من الاتفاقات مع رئيس شركة “سيمنس” الألمانية العملاقة للصناعات الهندسية والإلكترونية، جو كيزر، وصرح رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بان العراق نجح في عقد “اتفاقا تنفيذياً” لـ”خارطة طريق” من أجل إعادة تأسيس شاملة لقطاع الطاقة.

المملكة المتحدة

العاصمة البريطانية لندن كانت المحطة الثالثة في زيارة السيد مصطفى الكاظمي. بريطانيا تشهد واحدة من اهم مراحلها التاريخية حيث تتراكم ازمات الاقتصاد المتدهور بفعل اجراءات الغلق لاحتواء جائحة وباء كورونا مع ازمات الاقتصاد المتحول بفعل قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوربي وكل ما يتعلق بمرحلة ما بعد الخروج من اعادة لبناء وتأسيس شكل ومحتوى جديد للعلاقت مع الشركاء الاوربيين والعلاقة مع الشركاء العالميين.

الوفد العراقي برئاسة الكاظمي هو الأخر جاء الى المملكة المتحدة ليطلب اسناد ودعم العراق في جهوده في اعادة اصلاح الاقتصاد. حيث التقى رئيس الوزراء العراقي مع نظيره البريطاني بوريس جونسون وجرى خلال اللقاء الاتفاق على المزيد من التعاون بين البلدين، في مجال محاربة الإرهاب، وأيضا في المجال السياسي والاقتصادي، في ظل ما يواجهه العراق من تحديات اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية وتداعيات جائحة كورونا، والمضي قدما لتعاون إستراتيجي بين العراق والمملكة المتحدة، يشمل محاور متعددة . ولم يتم الاعلان عن الألية التي سيتم فيها هذا التعاون خاصة بعد عدد من الهجمات التي تعرضت لها مؤخراً بعثة التدريب العسكرية البريطانية في العراق وكذلك تفجير عبوة ناسفة لقافلة بريطانية في بغداد في أول عملية من نوعها تستهدف دبلوماسيين غربيين في العراق منذ سنوات وهي عمليات عجزت الحكومة العراقية عن تسمية مرتكبيها لحد الان . ومع هذا فقد اعلن السيد الكاظمي خلال لقائة مع وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب رغبة العراق في استقطاب المزيد من الشركات البريطانية  وأكد أن “الفرصة متاحة للشركات البريطانية للاستثمار في العراق”، مؤكدا ان “الحكومة حريصة على توفير المناخات المناسبة للعمل”.

على عكس سابقاتها الفرنسية والالمانية ، كانت الزيارة الى العاصمة لندن اطول من حيث الوقت واكثر من حيث عدد اللقاءات والاجتماعات التي عقدها الوفد الحكومي مع الوزراء ورؤسا الشركات ومجموعات التفكير ومراكز البحوث. التقى الكاظمي مع الامير تشارلز في قصر كليرنس هاوس وهو استقبال لم يحضى به رؤساء الوزراء السابقين المالكي والعبادي والمهدي، والمعروف ان العائلة المالكة في بريطانيا قل ما تستقبل مسؤولين من الشرق الاوسط الا الذين يشكلون اهمية خاصة لديهم . وفعلا جرى خلال اللقاء مع ولي العهد الملكي الامير تشارلز تأكيد روابط العلاقة التاريخية التي تربط العراق مع المملكة المتحدة .

كذلك تم الاعلان عن اطلاق مجموعة الاتصال الاقتصادي للعراق في العاصمة لندن والتي وصفها السفير البريطاني في العراق ستيفن هوكني بانها خطوة مهمة لحشد الدعم الدولي للاصلاحات الاقتصادية للحكومة العراقية حيث وصف في تغريدة له على موقع تويتر “بان الدعم الدولي حاسم في هذه اللحظة الصعبة للاقتصاد العراقي “. وتضم هذه اللجنة ممثلين عن مجموعة السبع الكبار ، الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وفرنسا والمانيا وكندا وايطاليا اضافة الى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومن العراق وزارة المالية والبنك المركزي العراقي اللجنة المالية في البرلمان العراقي وستستمر لمدة 3 سنوات وبكلفة 6 ملايين جنيه استرليني . وجرى الاتفاق على ان تعقد هذه اللجنة اجتماعات دورية كل ثلال اشهر لرصد التقدم في انجاز الاصلاحات الاقتصادية في العراق وحشد الدعم الدولي لتنفيذ هذه الاصلاحات.

التحرك في وسط الازمات

الجولة الاوربية للحكومة العراقية كانت واحدة من النقاط التي تحسب لصالح حكومة الكاظمي. فهذه الحكومة جائت بعد مخاض سياسي صعب وعلى اثر الفوضى التي عمت العراق بعد فشل حكومة عادل عبد المهدي في فهم مدى خطورة وجدية الازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق وحاجته الماسة الى التحرك السريع والعملي والديناميكي، الامر الذي قاد الى انتفاضة تشرين الشعبية التي عمت المدن العراقية والتي وضعت حداً لفوضى الاصلاح الاقتصادي وتفشي الفساد وتأكل سمعة العراق الدولية.

الكاظمي في جولته الاوربية يستكمل نهج حكومته في محاولة خلق الفرص من جديد حتى وان كانت تبدوا صعبة التحقيق في ضل وضع العراق السياسي الذي لا يزال منقسم بين التيارات المختلفة ،ووضع العراق الاقتصادي الذي ضل يتدهور بوجود وباء كورونا وقبل الوباء، اضافة الى معضلة الاقتصاد الريعي التي ضلت تخنق فرص الاصلاح لعقود طويلة وعقد القطاع العام المتهالك الذي يستنزف موارد الدولة وازمة الديون الخارجية وتداخل ازمات حفظ الامن مع ازمة بسط سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية وقدرتها على حماية الحلفاء ومصالحهم.

وعلى عكس سابقيه المنتخبين والذين كانوا يتمتعون بدعم تياراتهم السياسة الكبيرة والمهيمنة على قرارات البرلمان العراقي ، استطاع الكاظمي ان ينجز منهج اصلاحات اقتصادي او ميعرف باسم ( الورقة البيضاء). ورقة الاصلاح الاقتصادي التي كانت اقرب الى البيان الحكومي منها الى خطة اصلاح ولدت هشه لا تقوى على ان ترضي الخصوم ولا حتى الحلفاء السياسيين في الداخل. ولكنها كانت ورقة التوت التي احتاجتها حكومة الكاظمي لتستر حقيقة انهيار النظام السياسي والاقتصادي في العراق. ومع هذا وخلال الجولة الاوربية، كانت كافية في ان  تكون السند الذي حمله الكاظمي معه في جولته الاوربية لعكس جدية حكومته في تحقيق الاصلاح الاقتصادي خاصة وانه يعرف بان هذه الدول والمؤسسات الاقتصادية العالمية لاتفهم سوى لغة الارقام وجداول العمل والاصلاح الموثقة .

ولكن الواقع ان اوربا تعاني من ازماتها الخانقة ايضاً. وبالتالي فان هذه الدول ليست جاهزة بعد اليوم الى تقديم الدعم المالي او الاقتصادي ليس فقط للعراق الذي لم يعد فيه الكثير الذي يغري المستثمرين والشركات الاوربية الكبرى، بل ان هذه الدول تواجه ضغوط داخلية تحتم عليها التوقف عن دعم الحكومات في العالم الثالث وهي بحسب وجهة النظرالاوربية حكومات فاسدة وتعاني من اختلالات جوهرية ادت الى تردي الاوضاع المعيشية في بلدانها مما سبب في تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية لمواطني هذه الدول بحثاً عن حياة افضل. وهو ما يبرر عدم تغطية الصحافة في العواصم الثلاث لزيارة الوفد الحكومي العراقي ما عدى لقاء السيد الكاظمي بصحيفة الغارديان البريطانية في ختام زيارته الى العاصمة البريطانية لندن.

من جهتها حكومة الكاظمي تدرك ان تنشيط علاقات العراق الخارجية واعادة ربطه بالعالم باسرع وقت ممكن هو المخرج الاساسي  يمكن ان يساعد في اخراج العراق من ازمته الاقتصادية الخانقة او على الاقل  ابطاء سرعة الانزلاق نحو الهاوية. كما ان اعادة ربط العراق بالمؤسسات المالية والنقدية الدولية يمكن ان يساعد جهود الاصلاح الحكومي اضافة الى ان تشجيع عودة الشركات والاستثمار الدولي سوف يعيد النشاط الى الاقتصاد العراقي الراكد وكذلك يقلل من حالة اليأس المسيطرة على الشارع العراقي التي تعد الاساس في انهيار الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني.

في ختام زيارة الكاظمي الى العاصمة البريطانية لندن اجرى السيد مصطفى الكاظمي حوار مهماً مع صحيفة الغارديان البريطانية. خلال هذا اللقاء وضح الكاظمي مدى التحديات التي تواجهها حكومته في ايجاد توازن بين ايران وحلفائها في الداخل العراقي والولايات المتحدة ومطالبها الصعبة . حيث علق بالقول انه مضطر يومياً الى (الرقص مع الثعابين).

ان تصريح الكاظمي يدل على جهد الدولة العراقية يسخر في محاولة ايجاد حلول وسط بين قوتين متصارعتين على النفوذ والمصالح في الشرق الاوسط وهي عملية لن يقوى عليها العراق بعد اليوم وعاجلاً ام اجلاً على العراق ان يقرر مصيره في وسط هذا الصراع الذي لن يدفع ثمنه الباهض سوى العراق واستقراره ووحدة اراضيه.

وعلى ذكر الثعابين، وعلى عكس زيارة الكاظمي الى الولايات المتحدة لم تعلق ايران على الجولة الاوربية. علماً ان العواصم الثلاث التي شملتها جولة الكاظمي (فرنسا والمانيا وبريطانيا) سبق وان اصطدمت مع الولايات المتحدة منتصف سبتمبر الماضي حول تجديد مجلس الامن الدولي العقوبات على ايران حيث وصف بيان موحد لهذه الدول الاوربية الثلاث، هذا القرار بانه باطل قانونياً. واتفقت رؤى فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع نظيرتها الإيرانية والتي أكدت على أنه لا يحق لواشنطن إعادة فرض عقوبات على طهران كونها لم تعد مشاركة في الاتفاق النووي. الذي سبق ان انسحبت منه في عام 2018. ولم يتجاوب مجلس الامن الدولي مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي  في اوغسطس/اب 2020 الذي دعا فيه إلى تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات الدولية، وأيضاً إعلانه الأخير دخول هذه العقوبات حيز التنفيذ مجدداً. وذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاتجاه ذاته، حين أكد أن بلاده وشركائها الأوروبيين “لن يقبلوا” بوجهة نظر الولايات المتحدة بأن بإمكانها إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. وتابع ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (23 سبتمبر/ أيلول 2020) قائلاً إن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها باستدعاء ما يسمى بآلية إعادة فرض العقوبات (سناب باك) بشأن الاتفاق النووي الإيراني لأنها انسحبت من هذا الاتفاق “بمبادرة منها”.ومن جهة اخرى سمحت المانيا لخمسة بنوك إيرانية على الأقل بالتعامل بصفة عادية، رغم  العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وكياناتها الاقتصادية والمالية، ومن بين هذه البنوك بنك (ميلي) الايراني المملوك بالكامل للحكومة الايرانية، وكذلك بنك (سبه Sepah) المرتبط بوزارة الدفاع الايرانية.

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories