التعليم الرقمي
ليست حل مؤقت بل استراتيجية طويلة المدى
د.رنا خالد
رئيسة الباحثين منتدى صنع السياسات-لندن IFPMC
اكثر من 1.6 طالب حول العالم يمثلون 91% من جميع طلاب العالم تأثروا بصورة كبيرة من جراء توقف مؤسسات التعليم نتيجة حالات الاغلاق بعد انتشار وباء كوفيد -19 الحالي .هذا التوقف كان شيء غير مسبوق في تاريخ العالم وبعض الدول لم يتوقف لديها التعليم حتى في وسط الخراب والدمار في الحرب العالمية الثانية. بالمقابل ازدادت الحاجة الماسة الى اللجوء انظمة التعليم الالكتروني او التعليم عبر الانترنيت. المدارس الابتدائية والموتوسطة اختلفت في قدرتها على الاستجابة لهذه الجائحة فبعض المدارس ذات الاعداد الجيد استطاعت ان تسيطر على الازمة وتجمع الطلاب واهاليهم بصورة كفوئة وعملية تحافظ على الحد الادنى المتمثل بابقاء ارتباط الطالب بمدرسته ويومه الدراسي .
ولكن التحدي الاكبر كان امام الجامعات والتعليم الاكاديمي العالي . في اهم جامعات العالم تم اعداد برامج تدريس طارئ للتعلم عن بعد بسبب عدم قدرة هذه الجامعات ان توفر التعليم داخل الحرم الجامعي . ولكن هذه البرامج في الواقع كانت مؤقته مما جعل قيمة التعليم وفاعليته وقدرته على موكبة متطلبات التعليم الجامعي العالي في محل تشكيك . ونحن هنا لا نتكلم عن جامعات الدول النامية التي تعاني من ازمات هيكلية سواء كان الطلاب حاضرين في الحرم الجامعي ام يتلقون التعليم عن بعد.بل ان الازمة طالت اكبر الجامعات ذات التصنيف العالمي العالي . وباء كورونا لايزال يشكل الخطر الاكبر في العالم ولاتوجد تطمينات اكيدة بان الوباء ينحسر في القريب العاجل بل ربما سوف يشهد العالم المزيد من موجات الانتاشار التي سوف تهدد بالانغلاق التام او الجزئي للمؤسسات بصورة عامة ومؤسسات التعليم بصورة عامة . وعليه اصبح لزاماً على جميع الجامعات ان تقوم بوضع خطط طويلة الامد للاستجابة للازمات والاوبئة العالمية . وتتفق العديد من الجامعات في العالم على ان التعليم الافتاضي سيكون بشكل او باخر جزء من نظام التعليم .زهي تعمل على تطوير وسائل تعليمية افتارضية طويلة الامد .
من اهم الافكار التي يتم تداولها في اوساط التعليم الاكاديمي هي ما يسمى بفكرة (التوازن المتقطع) punctuated equilibrium. هذا المفهوم يعني ان تقوم موسسات التعليم بعملية تغيير بطيئة نسبياً ومدروسة ومحسوبة تختبر فيها فاعلية التغيير ونتائجه ولكن في نفس الوقت تقوم بعملية تكيف سريعة .على سبيل المثال قامت جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة باعتماد نظام التعليم عن بعد باستخدام وسائل مبتكرة ولكن عندما اكتشفت ان الاستجابة كانت سلبية قامت بتغيير اساليبها للربع الاخير بما يتجاوب مع الحاجة المتغيرة للطلاب . فلا يوجد قواعد قطعية في عملية التعلم عبر الانترنيت وكل شيئ قابل للتطوير . الجامعات عبر العالم اصبحت تتسابق لتقديم محتواها عبر الانترنيت باستخدام هيئة تدريس خاصة عالية التدريب في مجالات التعليم عن بعد وكيفية ادامة التواصل وطرح المواضيع والتفاعل .عليه فان ليس الطلاب وحدهم اصبحوا بحاجة الى تطوير مهارات التعلم عبر الانترنيت بل حتى الاساذة والهيئات التدريس الجامعي هي الاخرى اصبحت بحاجة الى ان تتطور لكي تلبي الحاجة .
المشكلة التي عانت منها اغلب الجامعات هي ان طريقة التعليم اما انها حاولت ان تحاكي القاعة الدراسية وهذا امر لم يتقبله العديد من الطلاب او انها استخدامت الفديوات الطويلة . الحقيقة ان التعليم عبر الانترنيت كشف هشاشة تلك الجامعات وعدم قدرتها على التحديث والمواكبة فاصبحت هيئات التدريس في واد والطلاب في واد اخر. في الواقع ان الكليات تحتاج الى اعادة تصور طرق التدريس عبر الانترنيت والاهم من هذا انها تحتاج الى بنية تحتية رقمية اكثر قوة وفاعلية .
في السابق استخدمت الجامعات التعليم الالكتروني لزيادة انتشارها عالمياً من خلال الولوج الى مختلف الدارسين عبر مختلف دول العالم .ولكن اليوم اصبح التعليم الرقمي حاجة اساسية وعنصر اساسي من عناصر ديمومة التعليم العالي في العالم ليس فقط من لمواجهة تفشي جائحة كوفيد -19 بل كذلك لمواجهة مختلف الكوارث المستقبلية . ويتوقع المختصون في مجالات التعليم ان سوق التعليم الرقمي سوف يتصدر اعلى الايرادات العالمية خلال النصف الاول من 2021 . وهذا ما يؤكده النقاشات المستمرة والتغيرات الجذرية التي تجريها الجامعات العالمية ليس فقط في المناهج وطرق التدريس بل حتى القوانين والتنظيمات التعليمية .
