asd

التتويج

Related Articles

رأي

التتويج

ما هي أهمية تتويج الملك تشارلز الثالث؟

د. رنا خالد

منتدى صنع السياسات العامة -لندن

IFPMC-LONDON

MAY 2023

التنصيب هو أعرق الممارسات الملكية التي لم تعد أي من الملكيات في العالم قادرة على القيام بها سوى المملكة المتحدة حيث يعتبر من اهم طقوس الملكية الدستورية البريطانية وحجر الأساس فيها.

العالم سوف يقف مبهورا او ممتعضا، كمنتقد ام منبهر امام تفاصيل من التقاليد السامية سوف يشاهدها جيل بأكمله لأول مرة وربما للمرة الأخيرة. سوف يرى كرسي التتويج المعروف ب Stone of Scone يتوسط Westminster Abbey قلعة الديمقراطية المعاصرة وحصنها المنيع.

عرش الملك او كرسي التتويج هو بحد ذاته صفحة من صفحات تاريخ المملكة المتحدة حيث تم بناءه للملك إدوارد الأول بين عامي 1297 و1300، أحد أكثر القطع الأثرية قيمة التي نجت من العصور الوسطى، وهو عبارة عن كتلة من الحجر الرملي استولى عليها الملك بعد هزيمة الأسكتلنديين في Scone في عام 1296. ولقرون، توج الملوك على “Stone of Scone” وكان اخرهم الملكة إليزابيث الثانية في عام 1953 ثم أعيد الحجر إلى اسكتلندا في عام 1996 كثروة وطنية ثمن التراث الأسكتلندي، ولكن تم طلب استعارته من جديد لتم إجلاس الملك تشارلز الثالث عليه.

عرش التتويج ليس هو الوحيد المبهر في هذا الاحتفال، بل ان هناك طقوس الاعتراف The Recognition حيث يتعرف الشعب على ملكه تليها طقس اليمين او القسم للرب وللرعية المعروف ب The Oath بعدها يشاهد العالم الملك الوحيد في ملكيات العالم الذي يتم مسحة بالزيت المقدس الذي تم تقديسه في طقوس خاصة في بيت المقدس في القدس في طقس ديني مبجل يسمى The Anointing. وكذلك سوف يتم تلبيس الملك الرموز الملكية المحفوظة عبر الأجيال والتي ربما سوف نراها لأول مرة في جيلنا وهي السيف والصولجان والتاج في طقوس دقيقة تسمى The Investing. Enthronement.لي الملك للعرش فيما يسمى بالتنصيب The Enthronement.

هذه التقاليد العميقة في التاريخ لم يحافظ عليها في اوروبا سوى العائلة الملكية في بريطانيا، بل ان الملكية في بريطانيا هي الملكية الوحيدة في كل اوروبا التي لاتزال تحافظ على التنصيب الذي هو في الواقع طقس ديني مأخوذ من روح المسيحية القديمة ولقد تخلت عنه معظم الملكيات الاوربية تباعاً وأصبحت تتوج من قبل البرلمانات وليس الكنيسة بل ان حتى البابا في روما وضع تاجه جانبًا في 1963 بروح الفاتيكان الثاني,  ومهما كانت الحجج ومهما تعدد الناقدون الا ان الملوك في بريطانيا جيل بعد جيل يصرون ان لا يتركون تيجانهم تستريح بأدب على الوسائد، بل يتم مسحهم كوصي على الأرض في حفل تعود جذوره إلى ملوك العهد القديم منذ 1000 عام.

التتويج ليس حفل مسرحي مبهر وليس احتفال بشخص الملك تشارلز الثالث ولا حتى مناسبة خاصة بالملكية البريطانية انه في الحقيقة فلسفة أعمق تتعلق بالصراع البشري الخفي الذي يدور بشراسة بين التقاليد المعقدة والعميقة والمكلفة والتي تختبئ بعمق واستحياء داخل البشر في العالم الحديث، وبين الليبرالية والحداثة وما بعد التكنلوجيا التي صارت تظهر على ملامح البشر ونمط حياتهم وطريقة تفكيرهم وازيائهم وعلاقاتهم وحتى الجندر والروح والنوع.

هذا النوع من التقاليد المحفورة في عمق تاريخ الأمم والذي أصبح يندثر بسرعة وتخاف الشعوب من ان تبوح به او تعيد له الحياة قررت الملكية في بريطانيا ان تتحدى الذات وتتحدى الزمن وتتحدى قوة المد الحداثي المعاصر وتقدم له أقدم الطقوس وأكثرها انغماساً بالأسطورة والأديان والعجرفة والقوة المطلقة لبشر مثل سائر البشر والازياء والتفاصيل التي تذكر العالم بالإمبراطوريات التي حكمت الكوكب ونسجت اثوابها وتيجانها وصولجاناها من الجواهر والحرائر والمعادن النفيسة والتوابل النادرة لهذه الأمم والشعوب والقارات البعيدة.

انه تحدي لا يليق الا بالملكية البريطانية ولا يحدث الا في المملكة المتحدة انها امة لا تخشى التحدي ولا يكسر أي زمن وعصر عجرفتها الراقية.

الم تتحدى الملكية البريطانية البابا وأعلنت استقلال الكنيسة الأنغليكانية عن سلطة الفاتيكان لتؤسس اول الأديان الملكية المستقلة في عصر الملك هنري الثامن؟  لقد كان اول بريكست بريطاني عن الملة في الملكيات الاوربية وقسم الامة الإنكليزية انقسام الزلزال.

الم تتحدى الملكية البريطانية ملكيات اوربا لتقدم اول ملكية تتحالف مع البرلمان والديمقراطية للتشكل الملكية الدستورية والذي سرعان ما انتشر مثل النار في الهشيم في اوربا ليغير شكل الحكم المطلق ونظرة الأوروبيين لملوكهم ودور الملكية؟

الم تتحدى الملكية البريطانية نفسها بعد نزاعات الجمهورية والبرلمان والأحزاب وصراعات المذاهب المسيحية؟

الم تتحدى الملكية البريطانية عصر الايديولوجيات الساحقة التي أطاحت بالإمبراطوريات العريقة وغيرت حدود الملكيات واشكالها في الحرب العالمية الأولى والثانية.؟

الم تبعث الملكية البريطانية الروح والاشعاع والطاقة من رحم ركام الحرب العالمية الثانية واندحار الإمبراطورية وتقدم للعالم واحداً من أعظم مراسم التتويج لملكة في العصر الحديث حيث كان حفل تتويج الملكة اليزابيث الثانية في عام 1953 درساً للتاريخ مفاده ان الروح الملكية لا تموت في المملكة المتحدة انها هي المملكة المتحدة انها الجغرافيا والسياسة والفلسفة ومنطق التاريخ.!

واليوم تعيد الملكية البريطانية استحضار التقاليد العريقة مرة أخرى عبر مراسم قد لا تشبه منطق الزمان والمكان والفكر العالمي الحديث الا انها تكافح بعنفوان من اجل البقاء في ضمير الامة وبالتالي سيكون التتويج التحدي الأصعب الذي ستقدمه الملكية في بريطانيا وتوجه عبره نداء الى كل مراكز التقاليد العريقة في العالم في الشرق والغرب لكي تحافظ على البقاء.

ان فقدان تلك التقاليد العريقة في أي امة ولدى أي شعب خسارة كبيرة لروح الفخر الوطني وعمق الجذور التي توحد الشعوب في عصر الفرية اليسارية الشرسة والمادية الشديدة السريعة التغيير والتجدد والتحديث.

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories