الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو .. التنمية والجيش في افريقيا

بيان رأي

الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو

التنمية والجيش في افريقيا

د.رنا خالد

رئيسة الباحثين والمدير التنفيذي

IFPMC-LONDON

JANUARY 2022

أعلن الجيش في بوركينا فاسو احدى جمهوريات غرب افريقيا  عن الاطاحة بحكومة الرئيس روك كابوري وان الجيش عازم على تطهير الدولة من الفاسدين بعد ان فشلت حكومة الرئيس كابوري وعجزت عن توحيد البلاد بحسب البيان الذي اذاعه الجيش بقيادة العقيد بول هنري دامبيا  كما أضاف البيان ان الحكومة قد فشلت في اتخاذ ما يلزم في سبيل الحرب ضد الإرهاب الذي يضرب البلاد منذ 2015 خاصة بعد قيام جهاديين يشتبه بهم بهجوم راح ضحيته اكثر من 53 شخص من افراد القوات الأمنية الامر الذي اثار غضب الجيش وبدأت تتعلى أصوات التمرد منذ نهاية العام الماضي وتصاعدت عبر احتجاجات اجتاحت البلاد منذ 11 كانون الثاني انتهت بحملة اعتقالات شملت العشرات من المحتجين ومن بينهم ضباط في الجيش[1].

العقيد القادم من خط النار

يقود الانقلاب في بوركينا فاسو العقيد باول هنري دامبيا الذي يعد من القادة المقربين للرئيس روك كابوري. انه يعد واحد من اهم القادة العسكرين الذين قادوا عمليات القتال في شمال البلاد ضد تنظيم داعش والتنظيمات الجهادية في منطقة الساحل الافريقي واستمرفي قيادة العمليات في منطقة (اوهايا) شمال البلادمن عام 2015-2019[2].

في نهاية العام ، قرر الرئيس كابوري ترقية داميبا ، وتعيينه قائدا للمنطقة العسكرية الثالثة  التي تعتبر منطقة استراتيجية تشمل العاصمة اوغادوغو ومناطق الدولة الحيوية. وقد وصفت هذه الخطوة بانها محاولة لامتصاص غضب الجيش ومحابات قادته الكبار .[3]

العقيد دامبيا لا يختلف عن قادة الانقلابات الأخيرة التي ضربت منطقة الساحل الافريقي حيث انه ايضاً خريج الاكاديميات العسكرية الفرنسية وتلقى تدريب عالي المستوى فيها مثل قائد الانقلاب الغيني مامادي دومبيا . وهو كذلك من القادة الذين اشتهروا في معارك محاربة الجهاديين الإسلاميين وهي معارك طاحنة استخدمت فيها عقيدة حرب العصابات اكثر بكثير من قواعد الاشتباك في حروب الجيوش النظامية. وبالتالي استطاعوا تكوين قاعدة عميقة من الموالين في الجيش وتم تسخير كافة إمكانات الدولة لصالحهم وتم اعتبارهم ابطال وطنيين لا يسمح بمناقشة تحركاتهم ولا حتى انتهاكاتهم لحقوق الانسان في المناطق التي كان يتم تحريرها من فلول التنظيمات الإرهابية[4].

قام العقيد دمبيا في العام الماضي بنشر كتاب مهم لخص تجربته في مقاتلة التنظيمات الإرهابية في شمال البلاد منذ 2012 الى 2019. الكتاب بعنوان  “جيوش غرب أفريقيا والإرهاب: الرد غير المناسب” تضمن مجموعة من القضايا التي كان على الحكومات المتلاحقة اخذها بنظر الاعتبار في الحرب على الإرهاب ومن ابرزها قضية الانفاق على الجيش والاهتمام بتنظيم وتسليح القوات العسكرية التي استهلكتها الحرب الطويلة على الإرهاب [5]. لذلك سيكون دعم الجيش وتعويض الجنود في قائمة أولويات الضباط الانقلابيين الذين اعلنوا ذلك في بيان الانقلاب الأول .

الجيش قبل الخبز

الجيوش في افريقيا الوسطى والغربية تعد من اهم القضايا المعيقة للتنمية في هذه البلدان . ولطالما استنزفت الجيوش قدرات هذه البلدان علماً ان هذه الجيوش كانت اقرب الى قوات المرتزقة التي تجمع بين الحرب على الإرهاب او المساهمة في حملات التطهير العرقي او حتى حماية تجارة المخدرات والسلاح التي تمر عبر حدود افريقيا .الجيش في بوركينا فاسو واحد من اضخم المؤسسات سواء من حيث المنتسبين الى القوات العسكرية او من حيث حجم الانفاق العسكري .

يتجاوز عدد سكان بوركينا فاسو 21.3 مليون نسمة بينهم نحو 8 ملايين نسمة يمثلون قوة بشرية متاحة للعمل ويصل للخدمة العسكرية في البلاد نحو 5.6 مليون نسمة. حجم الميزانية الدفاعية في بوركينا فاسو تبلغ حوالي 434 مليون دولارفي عام 2021، وتصنف في المرتبة رقم 100 عالميا من حيث حجم الإنفاق العسكري[6].الجدول رقم 1 يبين تصاعد حجم الانفاق العسكري في بوركينا فاسو في الأعوام الثلاثة الأخيرة [7]

الا ان حجم الانفاق الحكومي على الجيش في بوركينا فاسو لا يتناسب مع مستويات الانفاق الحكومي على القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم والصناعة والزراعة . الجدول رقم 2 يبين ح[م الانفاق الحكومي على الجيش مقابل حجم الانفاق على القطاعات الأخرى حيث تجاوز الانفاق الحكومي على الجيش 382 مليون دولار 2020 ما يعادل نسبة 3% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في بوركينا فاسو[8].

ولقد استمرت الحكومة في التوسع في مجال الانفاق على الدفاع رغم ان البلاد تمر منذ ثلاث أعوام بأسواء ازمة اقتصادية تضرب البلاد بقسوة نتيجة تداعيات ازمة كوفيد-19 إضافة الى عدم الاستقرار السياسي وعجز السياسات الحكومية .

الجدول رقم 3 يبين انخفاض الناتج القومي الإجمالي الحقيقي الذي تعاني منه بوركينا فاسو .

المجتمع الدولي لا يحب الانقلابات العسكرية

ادان الأمين العام للأمم المتحدة  أنطونيوغوتيرش الانقلاب ودعا الجيش الى ضمان سلامة الرئيس كابوري وطاقمه المحتجز في احد القواعد العسكرية القريبة من العاصمة اوغادوغو .كما وادان عودة الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الافريقي في ظاهرة يمكن ان تكون خطراً على السلم العالمي وعلى التنمية في هذه البلدان الهشة. الا ان الامم المتحدة لم تعلق حول الدور الذي يمكن ان تقوم به الأمم المتحدة لحماية الحكومة المنتخبة في بوركينا فاسو ولم تقدم سوى مطالبة الجيش بإيقاف الانقلاب وإعادة العمل بالدستور في البلاد. الا ان قادة الانقلاب اعلنوا اغلاق الحدود وإعلان الاحكام العرفية وإيقاف الدستور الى اجل غير مسمى.

وعلى الصعيد الدولي تتصاعد الادانات الدولية من دول الاتحاد الاوربي للانقلاب العسكري في بوركينا فاسو . اما بالنسبة للحكومة الفرنسية فان انقلاب بوركينا فاسو يعتبر ضربة كبيرة للتواجد العسكري الفرنسي في منطقة الساحل الافريقي حيث ان فرنسا تقود اكبر عملية عسكرية لملاحقة الجهاديين في هذه المنطقة وهذه العملية تعرف باسم البرخان كما ان لديها فرقة كوماندوز تعرف (بفرقة السيف الضالع ) التي تتولى مطاردة الجماعات الإرهابية عبر حدود جمهوريات افريقيا الوسطى والغربية. اضافة الى مشاركتها  في قوات  (تكوبا ) الاوربية المتكونة من 14 دولة اوربية تمثل المشاركة الفرنسية نسبة60% من هذه القوات. الا ان الانقلاب في بوركينا فاسو سوف يعرض هذه القوات الى الخطر وكذلك كامل التواجد الفرنسي في هذه المنطقة. لذلك لا تريد باريس التدخل في موضوع الانقلاب العسكري ضد حكومة الرئيس روك كابوري الموالي لباريس خوفاً من اغضاب الجيش الذي يمكن ان يعمد الى شن هجمات ضد القوات الفرنسية كما حدث في 2014 . وفي نفس الوقت فان باريس تكثف الحوارات من الفاعلين الدوليين في افريقيا من اجل إيجاد ضمانات لعدم تعرض القوات الفرنسية او الاوربية الى أي خطر, رغم ان الخبراء ينصحون الرئيس ماكرون بانهاء  ما يعرف (بحرب ماكرون الخاسرة ) في افريقيا التواجد العسكري في منطقة الساحل الافريقي فوراً قبل فوات الاوان[9]

لن يكون الأخير

الانقلاب في بوركينا فاسو هو اخر الانقلابات في سلسلة الانقلابات المتلاحقة التي ضربت دول افريقية اخرى كما في غينيا، التي أسفرت عن الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي، كذلك في مالي حيث تدخل الجيش في السياسة مرتين في أقل من عام، وكانت الأخيرة في مايو/ أيار الماضي.أما في النيجر، فقد أُحبطت عملية انقلاب في مارس/ آذار قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس محمد بازوم. ولا ننسى الانقلاب العسكري في السودان الذي أطاح بالحكومة المدنية بقيادة الرئيس عبدالله حمدوك في أكتوبر من العام الماضي.

جميع هذه الانقلابات جرت على حكومات دستورية منتخبة ولكن وباء الانقلابات العسكرية في افريقيا ينتشر من جديد مستفيداً من هشاشة الحكم وتردي الاحوال الاقتصادية والاجتماعية إضافة  الى تداعيات تراكم الغضب الشعبي نتيجة السياسات الفاشلة للحكومات والعجز عن ايجاد حلول للفقر والبطالة وتدهور الخدمات في بلاد تعيش اصلاً في حافات الصراع منذ فترة طويلة .

الحكومات المنتخبة في افريقيا استفادة من الديمقراطية الغربية ليس في بناء مؤسسات حقيقية قوية قادرة على خلق التنمية واستدامة النمو بل سرعان ما استخدمت نفوذها القبلي والعرقي او السياسي لترسيخ الاستغلال . هذه الحكومات استطاعت ان تبني سور يحمي الفساد وسوء الحكم عبر تطبيق بعض الاصلاحات الشكلية التي تمثل الحد الادنى وتعطي انطباع بانها حكومات تدعم التنمية وهي شكليات تعطي للمنظمات الدولية السمعة الرائعة بان برامجها التمويلية  ومشاريعها في الدول الفقيرة تؤدي اهدافها السامية بالمقابل تمنح هذه المنظمات العالمية المرموقة شهادات الكفاءة لهذه الحكومات حتى وان كانت الحقيقة بعدة كل البعد عن الواقع.

ولكي تحكم هذه الطبقة السياسية قبضتها على تلك البلاد التي يمزقها ثالوث الانقسام العرقي والفقر والجريمة لابد من تقديم الدعم المطلق للجيش الذي يمثل القطاع المستحوذ على غالبية الانفاق العام وتقدم دول مثل بوركينا فاسو النموذج الواضح لطبيعة العلاقة التبادلية بين الحكومات الفاسدة والجيوش المتنفذة التي حولتها الحرب الطويلة مع العصابات الإرهابية الى عصابات ذات طابع ميليشياتي اكثر منها مؤسسة عسكرية تخدم الشعب وتنفذ السياسات العامة .

الديمقراطية التي صدرتها الولايات المتحدة والحلفاء الأوربيين الى افريقيا انتهت مدة صلاحيتها وأصبحت عملية استحواذ الجيش على الحكم مجرد مسألة وقت لذلك لن يكون انقلاب بوركينافاسو الأخير في افريقيا .

Rana Khalid

Senior Researchers & Executive.

 ranaifpmc@outlook.com

  info@ifpmc.org

references

[1] BBC. (n.d.). Burkina Faso. BBC News. Retrieved January 25, 2022, from https://www.bbc.com/news/topics/ce1qrvlelrrt/burkina-faso

[2] متابعة, إيلاف المغرب ـ (2022, January 25). العقيد داميبا قائد الانقلاب في بوركينا فاسو.. رقاه الرئيس فأطاح به. Elaph. Retrieved January 25, 2022, from https://elaph.com/Web/News/2022/01/1462872.html

[3] Mali • Burkina Faso: Qui Est Paul-Henri Sandaogo Damiba … (n.d.). Retrieved January 25, 2022, from https://malijet.co/afrique/burkina-faso-qui-est-paul-henri-sandaogo-damiba-le-president-du-mpsr

[4] 180 جثة في مقابر جماعية في بوركينا فاسو: من الفاعل؟. اندبندنت عربية. (2020, July 8). Retrieved January 25, 2022, from https://www.independentarabia.com/node/133416/

[5] Mali • Burkina Faso: Qui Est Paul-Henri Sandaogo Damiba,Ibid.

[6] سبوتنيك عربي. (2022, January 24). معلومات عن جيش بوركينا فاسو بعد محاولة الانقلاب العسكري. سبوتنيك عربي. Retrieved January 25, 2022, from https://arabic.sputniknews.com/20220124/

[7] Sipri Military Expenditure Database, 1949-2020. Knoema. (n.d.). Retrieved January 25, 2022, from https://knoema.com/SIPRI2020/sipri-military-expenditure-database-1949-2020?country=1000100-burkina-faso

[8]Sipri Military Expenditure Database ,Ibid.

[9] Al Jazeera. (2022, January 25). انقلاب في بوركينا فاسو بطعم الكارثة لفرنسا.. 3 أسئلة لفهم ملابسات ما حدث. أخبار | الجزيرة نت. Retrieved January 25, 2022, from https://www.aljazeera.net/news/2022/1/25/%