test

علم الاقتصاد السلوكي ومستقبل صنع السياسات العامة

Related Articles

علم الاقتصاد السلوكي ومستقبل صنع السياسات العامة

منتدى صنع السياسات العامة 

IFPMC-LONDON 

SPTEMBER 2022

كان علماء الاقتصاد القرنين 18 و19 مهتمين بالفعل بالأسس النفسية للحياة الاقتصادية. ومع ذلك، حاول العلماء خلال الثورة الكلاسيكية الجديدة في مطلع القرن العشرين بشكل متزايد محاكاة العلوم الطبيعية الفيزياء والكيمياء وعلم النفس، ولكنهم ارادوا ان يميزوا استخدامهم لعلم النفس بطريقة تجعل للمشاعر والسلوكيات مؤشرة بأرقام ومثبتة تجريبياً. تطرق ادم سميث الى علم الاقتصاد السلوكي في نظرية (العواطف الأخلاقية) Theory of moral sentiments، الا ان عالم الاقتصاد Richard Thaler ريتشارد ثالر الحائز على جائزة نوبل قام بتطوير هذا العلم وجعله قابل للاستخدام والتفسير وقابل لان يكون جزء أساسي من صناعة القرارات الاقتصادية والسياسات العامة. ونظرية ثالر تقوم على مفهوم المحاسبة العقلية التي أساسها ان الناس تفكر في القيمة من حيث القيمة النسبية بدلا من القيمة المطلقة. ووفقاً لثالر غالبا ما يفشل البشر في النظر بشكل كامل في تكاليف الفرصة البديلة (المقايضات او trade offs) ويكونون عرضة لمغالطة التكلفة الغارقة sunk cost الاستمرار في سلوك اقتصادي معتاد حتى وان كانت حساباته عالية [1].

لقد استلهم ثالر نظرياته من عاموس تفيرسكي ودانيال كانيمان Amos Tversky and Daniel Kahneman الذين طوروا في دراساتهم نظريات سلوكية في اتخاذ القرار قوضت الأفكار السائدة حول الطبيعة البشرية التي كان يدرسها علماء الاقتصاد الكلاسيكيون. واشتهرت نظرية التوقعات ليكينمان وتفيرسكي كأهم نظرية لدراسة اتخاذ القرارات. وتلخصت هذه النظرية في أن القرارات ليست دائما مثالية وإنها تتأثر برغبتنا في تحمل المخاطر بالطريقة التي يتم بها تأطير الخيارات، أي أنها تعتمد على السياق الذي نرى فيه الخيارات المتاحة.

اذن فأن اهم القرارات في العالم التي يتخذها صناع السياسات في الشركات الكبرى والمؤسسات العالمية الدول العظمى أصبحت تعتمد بصورة متزايدة على العلاقة بين بيانات علماء وخبراء علم الاقتصاد السلوكي وقدرتهم على الموازنة بين البيانات التجريبية للمستهلكين وسياقات الخيارات المتاحة لصانع القرار.

وبناءاً على ما سبق لم تعد سياسات البنوك المركزية والحكومات تناقش في دوائر مغلقة بعد اليوم حيث ان طبيعة استجابة الجمهور وسلوكهم الاستهلاكي والاستثماري أصبح امر حاسم في سياسات الإصلاح الاقتصادي. ويشرح رئيس البنك الفدرالي الأمريكي Jerome Powell

لماذا يجب على صناع السياسات ان يراقبوا بعناية توقعات التضخم لدى الأسر والافراد والشركات، والتي تقاس من خلال استطلاعات منتظمة، في آفاق زمنية مختلفة. حيث ان استطلاعات الرأي تشير الى زيادة توقعات التضخم في غضون ثلاث إلى خمس سنوات إلى أن التوقعات أصبحت غير مستقرة وبالتالي سوف تكون هناك حاجة إلى زيادة أسعار الفائدة لإبقاء التضخم تحت السيطرة، ولكن هذا يتطلب من البنوك المركزية ان تعمل على إعادة تشكيل توقعات المستهلكين والمستثمرين من التطورات المستقبلية في الاقتصاد العالمي من خلال شرح السياسات العامة الاقتصادية وتوضيح تبعاتها على الحياة اليومية  والواقع أن نجاح إجراءات صناع السياسات يعتمد بشكل حاسم على قدرتهم على نقل التأثير المقصود إلى الأسر المعيشية وتوجيه توقعاتها وفقا لذلك.

وفي مقال لصندوق النقد الدولي يشرح مدى صعوبة قياس اراء المستهلكين بالنسبة لصناع السياسات حيث حاولت مجموعة كبيرة من أبحاث الاقتصاد السلوكي ان تحفر بعمق في وجهة نظر الجمهور في التضخم وكيف تتشكل لدى الافراد الآراء بوجود تضخم يهدد دخلهم اليومي. النتائج الرئيسية هي أن الأسر لديها وجهات نظر متباينة للغاية حول التضخم وتميل إلى اعتباره أعلى وأكثر ثباتا مما هو عليه عادة أي ان هنالك تضخم في رؤية الافراد للتضخم[2].

يميل المستهلكون أيضا إلى الاختلاف حول توقعات التضخم أكثر من الخبراء، فهم يغيرون وجهة نظرهم في كثير من الأحيان.    ولاستقراء التغييرات في التكلفة الإجمالية للمعيشة غالباً ما تعتمد الأسرة على عدد قليل من المنتجات الرئيسية التي يتم استهلاكها يومياً بانتظام مثل القهوة والبنزين او الشاي والسكر او اللحوم ومواد التنظيف.. الخ  [3]. علاوة على ذلك، ترتبط التوقعات الفردية ارتباطا وثيقا بالخصائص الديموغرافية بما في ذلك الجنس والعمر والتعليم والتوجه السياسي. فعلى سبيل المثال، تميل النساء والأشخاص الأقل تعليما أو ذوي الدخل المنخفض إلى توقع ارتفاع التضخم. كذلك فإن التجارب السابقة تشكل بعض من مخاوف الافراد وتجعلهم يشعرون بالفزع من اعراض التضخم مثلاً في الولايات المتحدة او في أوروبا لايزال هنالك خوف من ذكريات العيش خلال فترة الكساد العظيم أو الحظر النفطي الذي فرضته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عام 1970، والذي دفع التضخم إلى أعلى بشكل حاد، يمكن أن تشكل بقوة تصورات الناس للتضخم لبقية حياتهم.

 خطط وقرارات صناع السياسات يجب ان تدرس السمات السلوكية للطريقة التي تشكل بها توقعات الافراد والشركات في نماذج الاقتصاد الكلي والابتعاد عن افتراضات التوقعات العقلانية الكلاسيكية. ان الاقتصاد الكلي السلوكي behavioural economics، يتوسع بسرعة، ولكنه يواجه بعض التحديات الكبيرة. اهم عوائق هذا المجال هو اعتماده الكامل على الرياضيات والبيانات، مما قد يحد من استخدامه الفوري في العمل السياسي اليومي لأنه سوف يحتاج كل صانع سياسات الى خبير بيانات ليساعد في فهم وتحليل المؤشرات البيانية المعقدة. وعلاوة على ذلك، فإنه يعتمد بشكل حاسم على الأدلة التجريبية على كيفية تفكير الأسر في الاقتصاد الكلي وتشكيل التوقعات، والتي لا يستطيع الاقتصاديون السلوكيون بناءها بقوة إلا من خلال العديد من الدراسات المتأنية والتي يجب ان تكون ممولة جيداً وبطريقة شفافة لكيلا تعطي ارقام خاطئة او مشوشة. ومع ذلك، فإن استخدام أدوات الاقتصاد الكلي السلوكي في التحليل سوف تكون المصدر الأساسي والحاسم على تشكيل كل من الاقتصاد الكلي النظري وصنع السياسات في العالم الحقيقي في السنوات القادمة.

المصادر 

[1] Dr. Samson. Alan, 2014.An Introduction to Behavioral Economics

An Introduction to Behavioral Economics

[2]Carlo Pizzinelli .2022, A deeper understanding of how consumers think about the economy would help policymakers control inflation, https://www.imf.org/en/Publications/fandd/issues/2022/09/hall-of-mirrors-how-consumers-think-about-inflation-pizzinelli?utm_medium=email&utm_source=govdelivery

[3] Malmendier, U., and S. Nagel. 2016. “Learning from Inflation Experiences.” Quarterly Journal of Economics 131 (1): 53–87

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories