test

التدخلات الإيرانية تقوّض استقرار العراق     

Related Articles

التدخلات الإيرانية تقوّض استقرار العراق                                                                                                                    

 

 

  شاهوالقرةداغي

02\02\2020

المقدمة

“وليعلم مسؤولونا بأن ثورتنا غير محدودة بحدود ايران، بل ان ثورة الشعب الإيراني هي نقطة انطلاقة ثورة العالم الإسلامي الكبرى التي يحمل لوائها الإمام الحجة ، ليعلم المسؤولون بأنه إذا ما اعاقتهم المسائل الاقتصادية والمادية عن أداء المهام الملقاة على عاقتهم ولو للحظة واحدة، فسيترتب على ذلك خطر عظيم وخيانة كبرى ، لذا يجب على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تبذل كل ما في وسعها في تلبية احتياجات الشعب على أفضل نحو، غير أن ذلك لا يعني التغافل عن أهداف الثورة العظيمة المتمثلة في إقامة حكومة الإسلام العالمية.”

الخميني ،صحيفة الامام (الترجمة العربية )، ج21 ، ص : 279

في الأول من شباط /فبراير 1979 عاد “الخميني” إلى طهران من فرنسا، بعد خروج شاه إيران محمد رضا بهلوي من البلاد ، بالتزامن مع انهيار المراكز و الدوائر الحكومية بسبب تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد الشاه ، وفي 11 فبراير سقط نظام الشاه في إيران وتم الإعلان عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إجراء استفتاء شعبي في نيسان 1979 .

ومع إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة “الخميني” و بناء مؤسسات الدولة من جديد و كتابة الدستور وخطابات المؤسس ، أصبح واضحاً أن السياسات الإيرانية لن تقتصر على تشكيل دولة تقليدية تُركز على الداخل و تعمل على تطوير الاقتصاد و تعزيز السيادة الوطنية و الاستقلال، بل ستكون دولة ثورية تعمل على نشر المبادئ الثورية التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة و تدعم الحركات الثورية و المعارضة و تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة في سبيل تحقيق الأهداف الرئيسية التي تحدث تُجسد رؤية الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية.

تصدير الثورة في خطاب “الخميني”

كان الخطاب الثوري الذي يحمله “الخميني” إيذاناً بالدولة الثورية التي كان يعمل لتأسيسها، و أصبحت ملامح الخطاب الثوري يظهر في خطابات و كلمات الخميني حتى قبل انتصار الثورة وسقوط الشاه ، حيث يقول في احد رسائله: (إن لي وطيد الأمل بهذه الصحوة التي عمت البلدان الإسلامية، وبخاصة إيران، وبهذا النفور العام من أنظمة الجور و القمع و الإرهاب و الاستعمار، فإن هذه الصحوة ليست قوة مؤقتة، إنها ستستمر للقضاء على أنظمة الجور والطغيان، فإن ظلم الأنظمة و حرمان الشعوب الفقيرة لهي بمثابة قنبلة ستتفجر وتقتلع كافة الأنظمة العميلة وحينها سينتقم الله من القوم الظالمين” (1)

بينما في يوم القدس العالمي بتاريخ 10/8/1981 يقول : (إن الجميع يعلمون إن الثورة الإسلامية الإيرانية العظيمة لا مثيل لها بين أقرانها إذ أن القواعد التي انطلقت منها راسخة ومن أهم تلك القواعد أنها ثورة عقائدية إسلامية، وعلى هذا كانت حركة الأنبياء، ونأمل في ان تكون هذه الثورة مشعلاً إلهيا بحيث تبعث على إيجاد انفجار عظيم في بلاد المستضعفين المظلومين و أن تشكل حركة في العالم وتنطلق ثورة تستمر حتى تتصل بطلوع فجر ثورة بقية الله الأعظم أرواحنا له الفداء) .

وحول تصدير الثورة يقول الخميني في بيان بذكرى الثورة الإيرانية في 11/2/1980 : (إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم، لأنها ثورة إسلامية) (2)

وفي رسالة الى حجاج بيت الله الحرام يقول: (سنعمل على تصدير تجاربنا إلى كل مكان في العالم ، وسنضع حصيلة خبراتنا في النضال ضد الظلمة في متناول مناضلي طريق الحق دون أن نطمع بشيء )

من الممكن تلخيص فكرة “الخميني ” خلال عدة نقاط رئيسية :.

أولا: الخميني كان يحمل فكراً ثورياً عابراً للحدود ، ويعمل على تأسيس دولة ثورية قوية تكون الأساس للانتشار في المنطقة ، تحت شعار نشر العدالة و الوحدة الإسلامية و محاربة الاستكبار العالمي.

ثانيا: يُركز على المستضعفين و الحركات الثورية و المعارضة في المنطقة للتأثير عليها و تجنيدها لتحقيق اهداف طهران الاستراتيجية و لاستخدام هذه الحركات في التوسع و الانتشار .

ثالثا: وجود إرادة حقيقية لتطبيق هذه الأفكار الثورية و مبدأ تصدير الثورة على أرض الواقع، حيث لم يكن الأفكار مجرد شعارات لتخدير المواطنين أو محاولة تأليب شعوب المنطقة على الأنظمة السياسية الحاكمة، بل يتحول هذا التحريض إلى الدعم الفعلي عن طريق إرسال الميليشيات المسلحة و تدريب المعارضين لتنفيذ هذا الدور.

رابعا: استخدم الخميني الشعارات الدينية و الدعوة إلى حكم الإسلام للتأثير على شعوب المنطقة المسلمة ، و أيضا ركز خطابه على قضية القدس لأنه يُدرك أهمية هذه القضية عند المسلمين ، وسهولة التأثير عليهم من خلال هذا الباب.

الحرب الإيرانية-العراقية

كان المخطط الإيراني لتصدير الثورة سيتم تنفيذه على أرض الواقع ، ومن المؤكد انها كانت ستبدأ من العراق للانتشار في المنطقة ، ولكن الحرب الإيرانية-العراقية التي اندلعت في 22 سبتمبر 1980 و استمرت 8 سنوات ، عرقلت تنفيذ مشروع (تصدير الثورة) إلى الخارج ، وأنهكت النظام الإيراني بسبب الاضرار الجسيمة التي وقعت به خلال سنوات الحرب، و أصبح النظام الإيراني منشغلاً في إعادة الترميم و البناء الداخلي و التجهيز للانطلاق نحو الخارج حتى خرجت الفرصة الذهبية في 2003 مع التدخل الأمريكي في العراق و اسقاط النظام العراقي السابق .

صدمة الحرب الإيرانية العراقية دفعت القيادة الإيرانية للإجماع على اعتبار العراق أولوية أمنية بالنسبة لإيران خارج حدودها، بصفتها جاراً تشترك في أطول حدودها البرية (حوالي 1500 كلم) ، و البلد الوحيد الذي هاجمه في القرنين الماضيين، وملجأ لجماعات المعارضة المسلحة ، و بالتالي يجب ضمان وجود حكومة مركزية عراقية ، تملك القوة الكافية للحفاظ على توحيد البلاد وتأمين حدودها مع إيران و عاجزة عن تشكيل التهديد مجدداً على إيران .

والصدمة الإيرانية من القوة العسكرية العراقية التي تسببت في امطار سماء إيران بالصواريخ العراقية ، دفعت إيران للعمل على منع العراق من تشكيل قوة عسكرية قد تُشكل خطراً على العراق مستقبلاً، ولتحقيق هذا الهدف عملت على إضعاف القوات الرسمية الحكومية عن طريق الأحزاب الشيعية و دعم الميليشيات لإخراج القوات الامريكية من العراق حتى لا تتخذ أمريكا من العراق مركزاً للانطلاق او الاضرار بإيران ، كما أنها استغلت ظهور داعش لتأسيس العديد من الفصائل و الميليشيات المسلحة في 2014 ونجحت في إشراكهم في العملية السياسية في انتخابات مايو 2018 ليكونوا جزءاً من السلطة التشريعية .

هدف إيران الرئيسي في العراق في السنوات القادمة ، وسط عدم الاستقرار الناجم عن ضعف الحكم ، والفساد المستشري وغياب المصالحة بين الطوائف ، هو منع ظهور تهديدات جديدة ، سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو وكلاءهم. وسوف تفعل ذلك من خلال ضمان استمرار الحكم من قبل الحكومات التي يقودها الشيعة ، ودعم وحدات إدارة المشروع لمزيد من النفوذ العسكري والحفاظ على نفوذها على العناصر الحاسمة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية. (3)

ومن الممكن أن تنحو ميليشيات الحشد الشعبي إما منحى شبه عسكري يحاكي “نموذج حزب الله ” في لبنان و تكون قوة عسكرية قوية وفاعلة ، وإما ان تتحول إلى هيكل مزدوج على غرار الحرس الثوري/ الجيش النظامي في إيران (4)

تقويض الاستقرار في العراق

من الواضح أن إيران تخشى من إمكانية نشوء جيش وطني عراقي أو حكومة قوية تُشكل خطراً على مصالح طهران في العراق ، أو تهدد إيران عن طريق إشعال حرب أخرى معها، و لتجنب هذا السيناريو الكارثي بالنسبة لإيران ، قررت تدمير المنظومة الأمنية للعراق عن طريق بناء منظومة موازية من الميليشيات و المجاميع المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة ولكن بصلاحيات وقدرات كاملة بإمكانها منافسة الأجهزة الأمنية الرسمية و إخضاعها .

وعلى الرغم من محاولة إيران الإبقاء على حكومة ضعيفة ومستقرة تنجح في حماية الحدود مع إيران ، بالإضافة إلى منع نشوء أي تهديد على ايران من داخل الأراضي العراقية ، ولكن انتشار الميليشيات بهذه الكثافة يتسبب في زعزعة الأمن و الاستقرار بشكل مستمر داخل الأراضي العراقية، وخاصة أن الميليشيات المدعومة من طهران تُخلق العداء و الكراهية في المناطق التي تُسيطر عليها، بالإضافة إلى تسبب هذه الميليشيات في حدوث فراغات أمنية ، بدليل ما حصل في المناطق المتنازع عليها والتي انتشروا فيها بعد 16 أكتوبر 2017 و تسبب هذا الانتشار في إعادة نشاط تنظيم “داعش” والجماعات الإرهابية المتطرفة من جديد.

والمشكلة الأكبر أن وكلاء طهران في العراق يتم تجهيزهم لمهمات خارج حدود العراق مثل ميليشيا “النجباء و كتائب حزب الله ، و أبو فضل العباس” والتي تعلن جهوزيتها للمحاربة خارج العراق ولديها تواجد ونشاطات داخل سوريا كجزء من مشروع تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج، وهذا الأمر يخلق مشاكل أمنية و يهدد استقرار العراق على المدى البعيد، ويقوض كل المحاولات الدولية و الإقليمية لإعادة بناء العراق و إعمار المدن المدمرة .

لا يمكن التعويل على الاستقرار الهش الذي تحقق بعد الانتصار على تنظيم داعش، فالتدخلات الإيرانية تعيق خلق جهاز أمني مستقل بإمكانه تحقيق الامن و الاستقرار على المدى الطويل، وفي ظل استمرار التدخلات الإيرانية و ازدياد نشاط الميليشيات المرتبطة بها فإن الاستقرار مُهدد بالانهيار و دخول البلاد في نفق مظلم مرة أخرى .

ثورة تشرين التي اندلعت في أكتوبر الماضي شكلت أملاً حقيقياً لدى العراقيين لإحداث تغييرات جذرية في العراق والتخلص من منظومة الميليشيات التي سيطرت على الجانب السياسي و الأمني و الاقتصادي في الدولة ، ولكن التدخلات الإيرانية المستمرة عن طريق قادة الميليشيات والضغوطات المستمرة على السياسيين منعت من وصول مرشح قريب من الشارع إلى رئاسة الوزراء، حيث ضغطت طهران عن طريق زعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر) على الأطراف السياسية لإعادة تكليف شخصية من داخل المنظومة السياسية لضمان عدم المساس بمصالح طهران او الاقتراب من سلاح الميليشيات، و إضافة إلى ذلك فإن زعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر) أعلن عن تأسيس جبهة المقاومة الدولية لمحاربة التواجد الأمريكي بعد مقتل الجنرال الإيراني (قاسم سليماني) ، وهذا يعني زيادة مخاطر تحول العراق لساحة صراع بين الأطراف الإقليمية و الدولية بسبب وكلاء إيران من الأحزاب الدينية و الميليشيات الخارجة عن القانون

(1)رسالة الخميني الى الطلبة الجامعيين في 23 أيلول 1977

(2)تصدير الثورة كما يراه الخميني ، ص14

Iran’s Priorities in a Turbulent Middle East/ crisisgroup(3)

(4) المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ،ريكاردو ريدايلي

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories