محمد شياع السوداني بين 2020 و 2023

Related Articles

محمد شياع السوداني بين 2020 و 2023

القدرة على احداث التنمية في الأنظمة السياسية الهشة

منتدى صنع السياسات العامة-لندن

IFPMC-LONDON

September 2023

العراق وفق معايير المنظمات والمؤسسات الدولية يعد من الدول الهشة المرتفعة الخطورة وهو كذلك لا يملك خطط واستراتيجيات ثابتة ومستدامة لمعالجة عوامل الهشاشة وعليه فهو تحول من وضعية الهشاشة الى وضعية الفشل وهو يمر بمفترق طرق خطرة تنتهي جميعها الى حقيقة ان العراق أصبح غير قادر على احداث التنمية لفترة زمنية طويلة[1].

الحكومات العراقية السابقة ما بعد 2003 فشلت في كسر محددات التنمية وتحدياتها في العراق واصطدمت قواعد السياسة الرديئة مع محاولات إعادة بناء الاقتصاد العراقي فاستمرت الأولى في التناوب على الحكم بينما تعثرت التنمية الاقتصادية وتلاشت الفرص وبددت الثروات.

هل استطاع السيد محمد شياع السوداني ان يتعمق في محددات الفشل في التنمية العراقية ويحاول ان يحيد قواعد السياسة والحكم الرديء وتأثيراتها السلبية على التنمية؟

قبل ثلاث سنوات من اليوم خص رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني منتدى صنع السياسات العامة بمقال بعنوان

(العراق ما بعد كورونا.. اقتصادياً). في هذا المقال ناقش السيد السوداني -الذي كان نائباً في مجلس النواب العراقي في وقتها – واقع العراق الاقتصادي وعبر عن اهم أفكاره حول كيفية اصلاح عيوب الاقتصاد العراقي وكيف يمكن إعادة بناء تنمية اقتصادية شاملة في العراق.

أينشتاين يقول (عند التنظير تتساوى النظرية مع التطبيق، ولكن عند التطبيق فأن الاختلاف بينهما كبير)

لذلك سوف نعيد قراءة المقال التي خصنا بها السيد السوداني ونرى كيف تحولت تلك المناقشات النظرية عندما تسلم السيد محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة، كيف تم تطبيق الإصلاح الاقتصادي في العراق من وجهة نظره؟ هل استطاعت حكومة السيد السوداني ان تتجاوز أخطاء الحكومات الأخرى؟ ما هو التحديث والتطوير الذي ادخله السوداني في التنمية الاقتصادية في العراق؟

اهم النقاط التي أشار إليها السيد السوداني في معرض حديثه عن عيوب الاقتصاد العراق كانت:

  • هنالك عالم اقتصادي جديد وعلى العراق ان يستعد لتلك التحولات الاقتصادية العالمية
  • على العراق ان يركز جهوده على التنمية الاقتصادية لأنها أساس التنمية البشرية
  • العراق بلد ريعي يعتمد على النفط في تمويل موازناته العامة السابقة بنسبة 96%.
  • العراق وفي ظل ضعف القطاعات الاقتصادية يعتمد على الاستيراد لتأمين احتياجاته من السلع والمنتجات وهو يستورد بما مقداره أكثر من (50) مليار دولار سنويا وهو ما يساوي (55-60%) من قيمة ايراداته النفطية.

اما اهم الحلول التي اقترحها السيد محمد شياع السوداني.

  • إجراء اصلاح هيكلي في اقتصاد الدولة وتقليل الاعتماد على النفط.
  • مكافحة الفساد
  • تفعيل القطاعات غير النفطية المختلفة (الصناعة، والزراعة، والتجارة، والاتصالات؛ والسياحة) لمعالجة مشاكل الفقر وتعزيز الاستقرار في العراق.
  • اصلاح القطاع المالي بما يساهم في دعم الدينار العراقي ويجعل القطاع المالي داعم لتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة.
  • الاستفادة من تجربة العراق في استنهاض قوة العمل الوطنية وتعزيز الشركات الوطنية لإعادة البناء والاعمار

العراق بعد اكتوبر 2022

إعادة هيكلة الاقتصاد

 

في 27 أكتوبر 2022 تسلم السيد محمد شياع السوداني منصبه كرئيس وزراء العراق وسط واحدة من اعقد عمليات انتقال السلطة في العراق التي تلت انتخابات 2021 وحالة من الانقسام السياسي الحاد الذي هدد الاستقرار الهش في العراق.

وفي نفس الوقت كان العراق مثل باقي دول العالم يعيش تحت ضغط الاقتصاد العالمي الذي يعاني من عالم ما بعد جائحة كورونا ويعيش اثار ازمة الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على سلاسل الامداد العالمي وأسعار النفط.

تركز جهد رئيس الوزراء العراقي في عمل توازن معقد على الجبهتين المحلية والدولية.

– هناك التحدي المتمثل في إدارة المنافسة بين النخب المصطنعة في البلاد.

– ثم هناك التوتر الذي لم يتم حله بين النخب التي تهتم بنفسها والمواطنين الذين فقدوا الثقة إلى حد كبير في قادتها السياسيين.

 – وهناك معضلة السياسة الخارجية المتمثلة في موازنة الاعتماد السياسي والاقتصادي على كل من الولايات المتحدة وإيران.

وبهذه المعايير، فأن ما بعد أكتوبر 2022 كانت تحدي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول كيفية إرضاء جميع الأطراف.

قدمت حكومة السوداني حزمة واسعة النطاق للسكان من خلال الوظائف الواعدة والضمان الاجتماعي. حيث تم توسيع التوظيف في القطاع العام ليشمل اضافة 370,000 موظف في القطاع العام [2]،رغم انه كان ينتقد سابقيه على هذه الخطوة. كما سعى السوداني إلى طمأنة الجهات الأجنبية المعارضة من خلال سياسة خارجية متوازنة (حتى الآن). تم تمكين نهجه من قبل الائتلاف الواسع من النخب السياسية العراقية الذي أوصله إلى رئاسة الوزراء، إلى جانب عائدات النفط القياسية التي تساعد في تشحيم عجلات السياسة والاقتصاد.

 الا أن الإصلاحات الهيكلية في السياسة والإدارة والاقتصاد والتي تحدث عنها في مقاله 2020 فأنها لم تحدث لحد الان، ولا توجد أي ملامح لحدوثها في المستقبل القريب، وذلك لأن القادة السياسيين في العراق ليسوا بحاجة إليها على المدى القريب. ومع ذلك، فإن خلاف النخبة الذي لم يتم حله ونقص الاستثمار العام وغياب الإصلاح يعني أن العراق يتجه على الأرجح إلى أوقات أكثر صعوبة في غضون عامين.

مكافحة الفساد

الفساد في العراق عبارة عن نظام وليس مجرد ظاهرة. انه نظام سياسي واقتصادي واداري رديف للنظام السياسي العراقي وهو عملاق يزداد ضخامة ويخنق قدرة الدولة وصانع السياسات على التأثير في السياسة العامة.

عندما تسنم محمد شياع السوداني منصبه كان خبر انفجار فضيحة ما يعرف ب (سرقة القرن) قد غطت على كل الاحداث في العراق ورغم خطورة فضيحة الفساد التي تورط بها مسؤولين في حكومة السيد مصطفى الكاظمي الا ان الإجراءات الحكومية بحق المتورطين كانت محدودة، تراوحت بين منع السفر وحجز الأموال والحبس المؤقت. كما تم استرجاع جزء بسيط من الأموال المسروقة.

من جهة أخرى عمد السيد محمد شياع السوداني الى انشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد في بداية نوفمبر 2022 وفي منتصف نوفمبر من نفس العام اوعز السوداني الى جميع الوزرات في العراق الى ان تقدم تقرير شهري حول جهودها في مكافحة الفساد.

الا ان إجراءات حكومة السوداني لاتزال كبيرة الصدى محدودة الأثر حيث لاتزال هذه الإجراءات غير قادرة على عرقلة والعلاقة بين الفساد وبين النفوذ السياسي للزعماء السياسيين المؤثرين على صنع السياسة العامة في العراق. والواقع ان جميع الحكومات السابقة في العراق كانت تعاني من عجزها عن احتواء نظام الفساد النافذ في العراق والذي تدعمه شبكة معقدة من العلاقات الداخلية والدولية إضافة الى قدرته على التكيف والتطور وهس قدرة تفوق سرعة الحكومة وقدراتها.

شكل رقم 1

حالة الفساد في العراق حيث يرتفع مؤشر الفساد في العراق ولا يوجد الي تغيير في حالة الفساد منذ 2021

المصدر: https://www.transparency.org/en/cpi/2022/index/irq

القطاعات غير النفطية

 

وضعت حكومة محمد شياع السوداني موضوع تطوير وتحسين القطاعات غير النفطية وزيادة حجم زخمها في دعم الاقتصاد في العراق في قمة أولوياتها. وفي مقاله في 2020 شدد السيد السوداني على خطورة اعتماد العراق على الاقتصاد الريعي وعلى أهمية تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية وضمانات وقروض ميسرة ودعم حقيقي للقطاع الخاص وإحتضان رؤوس الاموال العراقية الوطنية الجادة وحمايتها من الابتزاز والفساد. كما أكد على خطورة ضعف تنمية ودعم الزراعة والصناعة والتجارة وأثرها على زيادة اعتماد العراق على الاستيراد من الخارج حيث -حسب مقاله – “فان حجم الاستيراد العراقي يشكل (50) مليار دولار سنويا وهو ما يساوي (55-60%) من قيمة ايراداته النفطية”.

ولكن سياسة حكومة السوداني الاقتصادي ولغاية النصف الثاني من 2023 تعاني من مشاكل بنيوية في تطوير تنمية مستدامة في القطاعات غير النفطية.

حيث أشار تقرير البنك الدولي الى ان ” هنالك انكماش في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي بنسبة 9 في المئة (على أساس سنوي مقارَن) خلال الربع الأخير من العام 2022، مما ألغى ما حقّقه من نمو خلال الثلاثة أرباع الأولي من العام. ومع بوادر استقرار سوق العملات الأجنبية، في ضوء الإجراءات التي اتّخذها البنك المركزي العراقي، يُتوقَّع لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي أن يستأنف النمو، ليبلغ نسبة 3,7 في المئة في العام 2023. وبعد أن ارتفعت نسبة التَّضخُّم إلى 7 في المئة في شهر كانون الثاني / يناير، بدأ التَّضخُّم في الاعتدال على نحوٍ يعكس الانخفاض في أسعار السلع على المستوى الدولي ورفع سعر صرف الدينار العراقي بنسبة 10 في المئة، ويُتوقَّع لمعدل التَّضخُّم أن يبلغ 5,6 في المئة في المتوسط خلال عام 2023″[3].

كما أكد التقرير الذي تم اعاده من قبل لجنة من خبراء صندوق النقد الدولي بان التوسع المالي في الانفاق الحكومي سيزيد بشكل أكبر، حسب ما هو مقترح في مسودة قانون الموازنة للعام 2023، مما يؤدي الى زيادة في حجم العجز الأولي للقطاع غير النفطي في المالية العامة ليصل إلى 75 في المئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، ومن العجز الكلي في رصيد المالية العامة إلى نسبة 6,5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي”[4].

مشكلة عدم توازن الميزان التجاري العراقي فهي لاتزال تتفاقم على الرغم من كل الوعود الحكومية بشأن تفعيل الصناعة الزراعة المحلية وتقليل الاستيراد الا ان الواقع ان العراق ستورد فقط من ثلاثة دول وهي الصين وتركيا وإيران ما قيمته 53 مليار دولار و81 مليون دولا سنوياً في عام 2022[5] .

من جهة أخرى أشار تقرير البنك الدولي الى ان العراق بعد جائحة كورونا استطاع من ان ان يحقق نمو سريع مستفيداً من الوفورات النفطية، الا ان القطاعات غير النفطية مهددة بالكساد الشديد. إضافة الى معوقات النمو التي تتراكم نتيجة الاعتماد الأحادي على القطاع النفطي مما يفوت فرصة تنفيذ إصلاحات ملحة تلك التي طال انتظارها والتي تعتبر أساسية من اجل تعزيز نمو القطاع الخاص[6] .واشار كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي الى ان “العراق يشهد تعافياً قوياً بعد سنواتٍ طوال من الاضطرابات. إلا أنه لا يستطيع الاستمرار في الاعتماد على العائدات النفطية غير المتوقعة فحسب للتعافي على المدى القصير. في غياب التزامٍ سياسي عالٍ باعتماد وتنفيذ الإصلاحات الضرورية التي دعا إليها العراق منذ وقت طويل، سوف يواجه أخطار نفاد احتياطاته بوتيرةٍ متسارعة، والعودة إلى المربع الأول في وقت قصير للغاية. ومن الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لإسراع المضي باتجاه تنويع النشاط الاقتصادي ومعالجة العوامل القائمة التي تزيد الهشاشة الاقتصادية، والتصدي للتحديات الملحّة المتعلقة بالمناخ لتأمين رفاهية الشعب العراقي على المدى البعيد.[7]

كما وجه البنك الدولي انتقاداً الى الموازنة العامة التي اقرتها حكومة محمد شياع السواني حيث شهدت الموازنة توسع كبير في حجم الانفاق العام المعتمد على أسعار النفط وهو ما يشكل خيبة امل كبيرة حيث بعد عقدين من تغيير النظام السياسي في العراق 2003 لا يزال الاقتصاد العراقي يعتمد على القطاع العام ويشكل النفط النسبة الأعظم من الناتج القومي الإجمالي [8].

وعلى الرغم من ان السيد السوداني كان قد تنبأ ونوه الى خطورة اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط – في مقاله في 2020 – الا ان مؤشرات الأداء الاقتصادي لا تزال تؤكد استمرار اعتماد العراق على النفط كمصدر أساسي للتنمية الاقتصادي وتراجع دور القطاعات غير النفطية بصورة خطيرة.

شكل رقم 2

تراجع أداء القطاعات غير النفطية خلال النصف الأول من العام 2023

اصلاح القطاع المالي

عانت الحكومات العراقية المتتالية من مشكلة اصلاح القطاع المالي في العراق حيث عكست اثار الهشاشة المؤسسية في العراق على هذا القطاع مما أدى الى ان يصبح عرضة للفساد والضعف البنيوي. في مقاله الذي تناول حالة الاقتصاد العراقي ما بعد جائحة كورونا ابدى السيد السوداني دراية كبيرة بأهمية تطوير وإصلاح القطاع المالي في العراق. وأشار السيد السوداني الى ان اصلاح القطاع المصرفي وتطوير الشمول المالي ورفع البيروقراطية من البنك المركزي العراقي سوف يحسن وينشط القطاعات الاقتصادية في العراق.

الا ان حكومة السيد السوداني كانت أكثر الحكومات العراقية التي واجهت مشاكل اختلالات القطاع المصرفي إضافة الى تفاقم مشكلة اسعار صرف العملات التي اثرت بدورها على سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار.

وبالتالي فأن الحلول والتنظيمات الحكومية التي تعالج ظاهر الازمات وليس جذورها لاتزال تهيمن على شكل السياسات الحكومية. فالقطاع المصرفي التابع للدولة يعاني من مشكلة نقص رؤوس الأموال، في حين يعاني القطاع المصرفي الخاص من مشاكل أعمق تتعلق بضعف الحوكمة والبنى التحتية وانعدام الشفافية والتعاملات المالية المشبوهة.

أشار تقرير صندوق النقد الدولي الى انه على المدى القصير، فإن تنفيذ حكومة محمد شياع السوداني للخطط التي وضعتها للمالية العامة من الممكن أن يدفع نسبة التَّضخُّم إلى التصاعد، ويعيد سوق صرف العملات الأجنبية إلى التقلب. أما على المدى المتوسط، فإن استمرارَ العمل بالسياسات الحالية في ظل قدر كبير من عدم اليقين بشأن مسار أسعار النفط مستقبلًا، يفرض مخاطرَ بالغة على استقرار الاقتصاد الكلي. وباستثناء حالة حدوث زيادة كبيرة في أسعار النفط، فإن موقف المالية العامة الحالي يمكن أن يؤدي إلى تصاعد العجز، وتشديد الضغوط المالية في السنوات القادمة.

وفي كل الأحوال تحتاج حكومة شياع السوداني إلى وضع سياسة مالية متشددة عاجلاً ام اجلاً خاصة وان جميع البنوك المركزية للدول المجاورة للعراق قد بدأت تتخذ السياسات المالية المتشددة وترفع أسعار الفائدة. وفي نفس الوقت فأن العراق لابد من ان ينفذ الأفكار التي طرحها السيد محمد شياع السوداني قبل ان يتولى رئاسة الوزراء والتي سطرها في مقاله المذكور ادناه في 2020 والذي أكد فيه على ضرورة الحدِّ من اعتماد الحكومة على الإيرادات النفطية مع الحفاظ على احتياجات الإنفاق الاجتماعي الملحة. إضافة الى تنويع إيرادات المالية العامة، وخفض الفاتورة الضخمة لأجور موظفي الحكومة، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية لجعله سليمًا ماليًّا وأكثر شمولًا للجميع.

التنمية في العراق

حكومة مختلفة -وقواعد متشابهة

من اهم النقاط الجديرة بالاهتمام هي ان الحكومات السابقة ما بعد 2003 أصبح سلوكها السياسي والتنموي قابل للقياس حيث أصبحت هنالك تواترية في الأسس التي تبني عليها هذه الحكومات سياساتها العامة. وحكومة السيد السوداني لديها نفس تلك الأهداف التي سبق ان أعلنتها الحكومات السابقة. الا ان الفرق في حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هو ما ذكره السيد السوداني نفسه في 2020 حيث انه في مقاله -العراق ما بعد كورونا: اقتصاديا- أشار الى تجربة العراق في إعادة البناء اثناء الحصار الاقتصادي. والحقيقة ان السيد السوداني هو الوحيد الذي استلهم هذا النموذج المأخوذ من زمن النظام السياسي السابق حيث نموذج احتكار الدولة الريعية للتنمية، وهذا يدل على نقطتين مهمتين:

الأولى: ان محمد شياع السوداني هو ابن المؤسسات العراقية الذي واكبها وخبر مراحلها المختلفة وهو ما يختلف عن جميع رؤساء الوزراء السابقين الذين لا يمكن لهم ان استيعاب تجارب العراق السابقة حيث انهم كانوا يعيشون خارج العراق طيلة عقود الثمانينات والتسعينات التي من أصعب مراحل العراق الاقتصادية والتنموية.

الثانية ان السيد محمد شياع السوداني يؤمن بأن الحلول التنموية للعراق لا يمكن ان تكون مستوردة من خارج العراق وهو يؤمن بقدرة المؤسسات والإمكانات المحلية على احداث تنمية وإعادة بناء وتمكين اقتصادي إذا ما تم توظيفها بالشكل الأمثل.

ولكن اختلاف البناء الفكري للسوداني وتجربته الطويلة كجزء من المؤسسات العامة في الدولة العراقية قد تجعل منه شخصية سياسية مختلفة الا ان الابعاد الشخصية للسوداني لا تستطيع اختراق قواعد بناء الدولة والسياسة ما بعد 2003 والتي هي قواعد هشة وتهزها الفواعل الداخلية والخارجية. الإشكالية هي انه ما بعد 2003 استمرت فكرة احتكار الدولة للمفاصل الاقتصادية وفرض رأسمالية الدولة التي تمول مشاريعها. ولكن هذا النموذج في الأنظمة السياسية الشمولية فاشل لأنه غير مستدام، الا انه كارثة في الأنظمة السياسة الديمقراطية الهشة الفاسدة المشتتة المبنية على المحاصصة الطائفية والعرقية. ومنذ 2003 ولحد اليوم فأن نموذج رأسمالية الدولة الريعية الهشة الذي ساد جميع الحكومات العراقية وترعاه الأحزاب والقوى السياسية العراقية ركز جميع جهوده وفوائض الريع النفطي لإنشاء مشاريع استهلاكية جعل المدن العراقية الكبيرة في العراق تعيش نوع من التحديث المادي في حين فشل فشلا ذريعاً في تحقيق تنمية شاملة تقوم على مؤسسات صلبة وبناء مدنية راسخة تقوم على تعزيز روح المواطنة وتتجاوز الانتماءات الضيقة وتطوير تنمية بشرية مستدامة تقود الى حداثة وتنمية جوهرية تمس روح المؤسسات والتنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 العراق ما بعد كورونا …إقتصاديا

المصادر 

[1] انظر الى :

د.رنا خالد ،العلاقة بين الهشاشة والفشل في العراق :استراتيجيات الحل والتصحيح ،منتدى صنع السياسات العامة -لندن IFPMC،https://ifpmc.org/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%b4%d8%a7%d8%b4%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b4%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88/

[2] رئيس الوزراء العراقي يتوجه نحو توسيع القطاع العام متجاهلاً الانتقادات، https://amwaj.media/media-monitor/iraqi-pm-sudani-raises-suspicion-of-political-appointments

[3] https://www.imf.org/ar/News/Articles/2023/05/31/pr23188-iraq-imf-staff-concludes-staff-visit

[4] نفس المصدر

[5]انظر:

[6] Without Reforms, Iraq’s Oil Boom Could Turn to Bust, https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2023/07/31/without-reforms-iraq-s-oil-boom-could-turn-to-bust

[7] نفس المصدر

[8]  انظر:

The Spring/Summer 2023 edition of the Iraq Economic Monitor, titled “Reemerging Pressures: Iraq’s Recovery at Risk , IN:https://documents1.worldbank.org/curated/en/099453507282342287/pdf/IDU0b9f5dc440cf2f047f9098e202d3dab0861c7.pdf

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories