نحو استحداث برنامج ماجستير في اقتصاديات ادارة التنمية المستدامة في الجامعات العراقية

Related Articles

نحو استحداث برنامج ماجستير في اقتصاديات ادارة التنمية المستدامة في الجامعات العراقية

أ.د. هجير عدنان زكي أمين

منتدى صنع السياسات – لندن

يبدو من خلاصة القول ونافلته، ان معظم مشاكل الحاضر المستعصية هي في الواقع نتاج لقرارات اتخذت في الفترات الماضية التي غلب عليها قصر النظر واقتصاره على حاضره دون ان يحزر متخذو القرار الآثار المستقبلية لمثل هذه القرارات.

وما التنمية المستدامة في ابسط تعريف لها سوى اتساع افق النظر لدى متخذ القرار ليستطرد في تقييم ما يتخذه من قرارات في ضوء الآثار التي ستلحق غير الحاضرين، زمنياً، معنا الآن والذين يقعون في دائرة مسؤوليتنا المستقبلية.

من هذه الحقيقة يمكن الاستنتاج ان مشاكل – لا حصر لها يعاني منها الاقتصاد العراقي اليوم في جوانب التمويل، التنمية، التوظيف، الضغط السكاني في المدن، تخلف الريف، المواصلات، وسلاسل العرض، والسياسات التجارية، ومشاكل كثيرة أخرى تعود الى اخفاق الرؤية المستقبلية المسؤولة لمتخذ القرار أو عدم اتخاذ القرار المطلوب في التوقيت المطلوب أساساً.

 لهذا وتماشيا مع الاتجاه الأكاديمي الدولي المتنامي لتعزيز التخصص في مجال التنمية المستدامة وادارتها على المستوى الكلي والجزئي، وانطلاقا من المنحى التداخلي لطبيعة الدراسة المطلوبة، ندعو الى استحداث برنامج دراسة متخصص لتعزيز الافاق العلمية والتخصصية لمجتمع التنمية المستدامة والمساهمة في اسناد عناصر الحياة الاقتصادية – الإدارية – البيئية – الصحية – السكانية، بشكل يساهم في تعميق المعرفة في سبل وأدوات وامكانات تنمية في الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال القادمة على تأمين احتياجاتها.

ينطلق هذا البرنامج، شأنه شأن البرامج الدراسية الأخرى في المؤسسات الاكاديمية الدولية، من تحليل الفجوة المعرفية في هذا المجال الذي كانت الريادة فيه لجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة ثم تبعتها مؤسسات اكاديمية أخرى بدءا من العام 2008، واستمر بالتنامي المضطرد، ولعله يكون من الأولى في مجتمعاتنا النامية، خاصة في العراق، ان يكرس برنامج اكاديمي متكامل في هذا الميدان حيث تتمحور معظم مشاكل الاقتصاد حاضرا ومستقبلا حول اخفاق السياسات الراهنة عن ادراك تبعاتها المستقبلية في مجالات التنمية الاقتصادية، التنمية الاجتماعية، اقتصاديات الإدارة الصحية، الإدارة المسؤولة، حماية البيئة، قضايا السكان والفقر والتلوث واللايقين المرتبط بالعمل والاستخدام والتوسع الحضري والتنمية الحضارية والثقافية وآفاق الزراعة والموارد والازمات المالية والاقتصادية وأخيرا تمكين وتأكيد مقومات الامن المناطقي والإقليمي والدولي في قرن اصبح من أهم معالمه الانتقال الى اقتصاد كثيف المعرفة و التعلم .

الفجوة المعرفية في دراسة التنمية المستدامة

مما ورد أعلاه، بالإمكان تلخيص معالم الفجوة المعرفية في الرؤية التعليمية الشاملة لدراسات التنمية المستدامة، حسب ما تمخضت عنه الدراسات الموسعة للهيئة الدولية للتعليم في مجال التنمية المستدامة – International Commission for Education for Sustainable Development – في النقاط التالية:

  1. الحاجة الى فعل نظامي – “systematic” تداخلي  يعالج هذه المواضيع وغيرها – التي لم يعد بالإمكان معالجتها ورفد المختصين بها الا من خلال برامج اكاديمية تداخلية التخصص – ‘cross-disciplinary’  على مستوى الدراسة والبحث، حيث لاحظت دراسات تحليل الفجوة المعرفية ان مسمى “التنمية” أو “التنمية المستدامة” كان يتم تناوله في الدراسات التخصصية المنحازة لهذا التخصص او ذاك، سواء في مجال العلوم الاجتماعية او العلوم الطبيعية او العلوم الهندسية، في حين ان الأفق الفعال لهذا الموضوع في الوقت الراهن يتطلب برامج عابرة للتخصصات، والتي أكدت ان تناول مواضيع التنمية المستدامة على مستوى تطبيق السياسات صار يشوبه تناقض في كثير من الأحيان، كون ان مؤشرات صنع السياسات الاقتصادية في كل القطاعات على مستوى التعليم والصحة والبيئة بقيت تحدد من قبل وزارات المالية التي تقتصر معرفتها في وجود الرؤية الشمولية لما ستكون مخرجاتها وغالبا ما يستند المختصون فيها الى معطيات النظرية الاقتصادية داخل الغرف المغلقة وبعيدا عن تداعيات الواقع.
  2. ظهور الحاجة الى نوع آخر من المختصين المؤهلين للربط بين العلوم الاجتماعية، والتطبيقية والطبيعية لتأمين الفهم التداخلي المطلوب لقضايا التنمية المستدامة.
  3. الادراك بان السياق المتسارع للتقدم العلمي صار يتطلب استمرار دورة التعليم المستمر في الرؤية للتعليم في قضايا التنمية المستدامة التي تمتاز بحركية عالية ولها تغذية راجعة على مختلف الآجال الزمنية، مما يتطلب خبرات إحصائية مناسبة للتقييم والتنبؤ وإعادة التقييم في ضوء الأهداف المتوخاة.

نطاق البرنامج والمهارات المطلوبة

ان طبيعة التداخل والتشابك لقضايا التنمية تحتاج الى المعرفة العريضة لعلوم علمية مختلفة، البرنامج الدراسي الطموح ينبغي أن يتضمن ثلاثة حقول علمية أساسية على المختص أن يلم بها سواء على مستوى الفصول الدراسية او على مستوى البحث فيما بعد، هذه تحديدا تشمل فروع من:

  1. العلوم الاجتماعية، ونعني بها تفرعات خاصة وأخرى أساسية من الاقتصاد والإدارة وتخطيط الموازنات والإدارة المالية والائتمان وإدارة الموارد البشرية وتصميم المشاريع والبنى المؤسسية والإحصاء والسياسة وحل النزاعات والقانون وعلوم الاتصال والتواصل تكنولوجياً، نقل المعلومات، التحليل الاحصائي للبيانات واللوجستيات والتعليم والأنثروبولوجيا والمهارات الكلامية وأصول حل النزاعات ونظم التعليم الرسمية وغير الرسمية.
  2. علوم الصحة والتغذية وسوء التغذية والأوبئة والتلوث والسكان والديموغرافيا والتخطيط العائلي والنمو السكاني.
  3. العلوم التطبيقية والعلوم الطبيعية: في مجالات المواصلات والنقل والطاقة والزراعة والصناعة وهندسة الريف والحضر والبنى التحتية الأساسية والنظم البيئية والايديولوجية وأنظمة المعلومات الجغرافية.
  4. يمكن أن يلتحق بالدراسة في هذا البرنامج من تتوفر لديهم شهادة البكالوريوس في العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية وبعض العلوم الطبيعية. ونذكر، على سبيل المثال لا الحصر، خريجو كليات الطب والهندسة والعلوم وكليات الإدارة والاقتصاد، ويمكن توسيع وتفصيل دائرة المدخلات بعد وضع المفردات والمنهج.

مواصفات الخريج:

يتوفر في خريج دراسة الماجستير في اقتصاديات إدارة التنمية المستدامة المواصفات الآتية: –

  1. إيجاد الحلول طويلة الاجل لمسائل الزراعة والتجارة ولتمويل والصحة والتخطيط السكاني للمجتمعات المختلفة على المستوى المناطقي والإقليمي والدولي.
  2. معرفة شمولية عابرة للتخصص في التعامل مع الجوانب الشاملة للتنمية المستدامة
  3. القدرة على استخدام وتوظيف المعارف المتشعبة من التخصصات الأخرى في تعميق البعد التنموي المستدام في تحصيله الأولي.
  4. مواكبة اتجاهات حافات العلوم والشمول المعرفي وتوظيفها في مجال التنمية المستدامة.
  5. اتخاذ القرار الإداري او الاقتصادي او في أي حقل من حقول الاختصاص على أساس المنظور المستقبلي لتبعات القرار
  6. فهم وتطبيق أساسيات الإدارة المسؤولة.
  7. فهم وتطبيق أساسيات الاقتصاد المسؤول وتقييم السياسات الاقتصادية والمالية القائمة على أساس البعد التنموي المستدام على المستوى الجزئي والكلي.
  8. مواكبة الاتجاهات العالمية المتنامية والمشاركة في الحوارات الاكاديمية لتطوير دراسات التنمية المستدامة. وكتابة التقارير.
  9. المكنة – intellectual capability، على اعداد البحوث التي تحتاجها الإدارة العليا والإدارات المحلية على أساس البعد التنموي المستدام.
  10. تكوين التصورات عن الجهد الدولي المطلوب لتحقيق اهداف التنمية المستدامة دوليا.

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories