الفائز الثالث..الجماعات المسلحة وعدمية التنمية الإقتصادية في العراق

Related Articles

لوثة اللصوصية 

الجماعات المسلحة وعدمية التنمية الإقتصادية في العراق

 الباحث :سيف حيدر الحسيني

البحث الفائز بالجائزة الثالثة في مسابقة (هشام الهاشمي للباحثين الشباب)

IFPMC_LONDON

2020

                                                       

المقدمة :

يعد الاستقرار الامني والسياسي واحدا من اهم المعوقات التي تواجه عملية تحقيق التنمية وتشجيع الاستثمار في أي بلد ، وبذلك فإن تحقيق الاستقرار الامني والسياسي في النظام السياسي العراقي يكون عبر ايجاد بيئة سياسية قائمة على أساس التنافس الحقيقي بين الاحزاب السياسية للوصول للسلطة وليس عبر توظيف الخطاب الطائفي والعرقي والذي غالباً ما يؤدي الى عمليات اقتتال مجتمعي ، هذا الاستقرار الامني والسياسي يمثل رافعة مهمة لدعم مشاريع التنمية والاستثمار .

ان تنامي مشاريع المكاتب الاقتصادية للاحزاب السياسية العراقية وتمكينها وحمايتها عبر تقوية الجماعات المسلحة التي تحمل السلاح خارج إطار الدولة والتي تمثل الاجنحة العسكرية لهذه الاحزاب ، هذا الامر من شأنه ان يقوض كل مشاريع التنمية والاستثمار ويشكل بيئة طاردة للمشاريع التنموية الدولية التي تقدمها الكثير من الدول المانحة او المنظمات الدولية ، وذلك بوصف هذه الانشطة – التنموية – بحسب الجماعات المسلحة فأنها مشاريع تخريبية تهدف الى ضرب ثقافة المجتمع العراقي ، لذلك عمدت الى تبني الاسلوب العنفي عبر اختطاف وقتل العديد من الناشطين الدوليين الاجانب اخرهم الناشطة الالمانية هيلا ميفيس ، فضلا عن الناشطين المدنيين العراقيين اخرها مقتل الخبير الامني والاستراتيجي هشام الهاشمي  .

أهمية البحث :

تأتي أهمية البحث من كونه يناقش دور الجماعات المسلحة في العراق في التأثير على التنمية الاقتصادية ، فضلا عن كيف شكل عدم الاستقرار السياسي عنصراً مساعداً في تقوية هذه الجماعات وتناميها .

هدف البحث :

يهدف البحث الى معرفة دور المتغير الامني والسياسي غير المستقر بوصفه معرقلاً للاستثمار والتنمية الاقتصادية في العراق بعد عام 2003 .

اشكالية البحث :

تتمثل في السؤال الرئيسي ، هل لجماعات دون الدول – الجماعات المسلحة – تأثيراً في عملية التنمية الاقتصادية في العراق ؟ وما مدى تأثير ذلك على الاستثمار ؟

فرضية البحث :

تنطلق فرضية البحث من رؤية مفادها ان للجماعات المسلحة الخارجة عن القانون تأثيراً سلبيا في عملية التنمية كونها تسهم في ايجاد بيئة غير امنه لرؤوس الاموال والشخصيات المستثمرة .

منهجية البحث :

من أجل التحقق من فرضية البحث واثبات صحة هدفه تم اعتماد المنهج الوصفي والتحليل الاستنتاجي .

المحور الاول : مفهوم التنمية الاقتصادية

في البداية لابد من التعرف الى مفهوم التنمية ومن ثم نتطرق الى التنمية الاقتصادية فالتنمية : هي كل الجهود البشرية التي تبذل من اجل النمو والتقدم وتحقيق الرفاهية للفرد والمجتمع عن طريق وضع الخطط والبرامج والمشروعات التي تهدف الى النهوض بحياة الشعوب اقتصاديا واجتماعيا وفي جميع القطاعات ([1]) .

وكذلك تعرف بأنها الاسلوب العملي الذي يبعد ويقاوم السلبية ويمنع استخدام العنف والهدم بوجه الطاقات البشرية لتحقيق اهداف المجتمعات النامية تحقيقيا يحول الاثار السلبية الى قوة ايجابية وطاقات مادية ومعنوية متكافئة تهدف الى تحقيق تقدم المجتمع([2]) .

فيما تعرف التنمية الاقتصادية : بأنها عملية تهدف الى نقل الاقتصاد القومي من حالة التخلف الى حالة التقدم ، اي الانتقال من الوضع الاقتصادي المتخلف الى الوضع الاقتصادي المتقدم وهذا الانتقال سوف يؤدي الى تفسيرات جوهرية في الانتاج والمستوى الثقافي ([3]) .

وعرفها اخرون بأنها مجموعة من الاجراءات والتدابير والسياسات التي تعتمدها الدولة وتتمثل في تغيير تركيب وهيكل اقتصاد الدولة الوطني رغبة في الوصول إلى زيادات سريعة في متوسط الدخل الفردد الحقيقي خالل مدة زمنية معينة وتكون شاملة ومحققة استفادة للغالبية العظمى من المواطنين([4]) .

وكذلك تعرف بأنها عملية تسعى للوصول إلى كيان جديد ليس فقط على المستوى الانساني ولكن على مستوى علاقات الافراد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يشعر خلالها الافراد بحضارة وتطور و ابداع و من ثم يسود الرخاء داخل المجتمع .

المحور الثاني : المتغير الأمني والسياسي وعلاقته بالتنمية في العراق

بالرغم من ان العراق بعد عام 2003 قد استكمل التشريعات الخاصة بالاستثمار وتغيير الاطر التنظيمية الداخلية والخارجية الخاصة به ، اذ شمل ذلك تطوير التشريعات ذات الصلة بالاستثمار ، فضلا عن تخفيف القيود المفروضة على المستثمرين الاجانب بما يجعل اقتصادات تلك الدول وبيئتها الاستثمارية اكثر تنافسية في ظل التوجه الدولي نحو العولة ، الا ان هذه الاجراءات كانت غير فاعلة في ظل تفشي الفساد المالي والاداري فضلا عن سيطرة الجماعات المسلحة والمكاتب الاقتصادية التابعة للاحزاب السياسية ، فبقيت عاملا معرقلاً للاستثمار والتنمية في العراق .

ولما كان الهدف العام للتنمية هو رفع مستويات المعيشة وتحسين نوعية الحياة للسكان فإن سياسة التنمية تدعو الى تواجد نظام سياسي يستوعب الأطياف الإجتماعية كافة ، وسيتند الى قواعد إجتماعية – انتاجية واسعة ، وقادرة على تنظيم النشاط الإقتصادي وتنمية الموارد الوطنية بكفاءة وبطرق مؤسسية مناسبة ، وفي إطار إجتماعي تتوازن فيه المصالح المختلفة وتتوزع الدخول والثروات على نحو يتسم بالعدل ([5]) .

وبهذا المعنى فإن ضعف النظام السياسي في العراق وتنامي ظاهرة عدم الاستقرار السياسي  وهو اهم العوامل الجاذبة للأستثمار الأجنبي، علاوة على توجيه جانب كبير من الناتج القومي نحو الأنفاق العسكري مما أهمل قطاعات مدنية واسعة مثل الاستثمارات في البنية الأساسية والأتصالات والعنصر البشري، وهي عوامل مهمة بالنسبة لإجتذاب الأستثمار الأجنبي ، فضلا عن ظهور الطائفية السياسية كلها عوامل ساعدت في تعزيز قوة الجماعات المسلحة بوصفها الجهة التي تحمي الجماعات الطائفية المتحاصصة ، وهذا الامر أدى الى ضعف التنمية والاستثمار كونه شجع على بيئة استثمارية غير امنه للجهات التي ترغب في الاستثمار في العراق ، فضلا عن عدم الاستقرار الاقتصادي، وعدم استقرار سعر الصرف، وضعف الجهاز المصرفي، جميع هذه العوامل قد ساهمت في خلق مناخ غير ملائم للاستثمار الأجنبي ([6]) وهذا ما انعكس بصورة اخرى على ظهور أزمة في الاقتصاد السياسي للتنمية في العراق نتيجة فقدان الشرط السياسي المتمثل بوجود الانسجام بين سياسات السلطة السياسية والمصالح التي تمثلها من جهة ، وبين أهداف التنمية الإقتصادية والإجتماعية العامة من جهة ثانية .

ونتيجة للتخبط في أداء الحكومات المتعاقبة في العراق بعد عام 2003 ، بسبب هيمنة الاحزاب السياسية وتقديم مصالها الخاصة على حساب المصلحة العامة ، فضلا عن ظهور الجماعات المسلحة غير الشرعية والتي باتت تشكل أهم دعائم النسق الفاسد للحكم ،و مهمتهما الأولى هي تأمين سدة الحكم ولو أدى الأمر الى ترويع المواطنين ، وهذا ما تمظهر جلياً في أحداث الحراك الاحتجاجي في تشرين ، اذ تبين في الكثير من الاحداث ان جماعات مسلحة عمدت الى استخدام العنف المنظم كوسيلة للحد من انتفاضة تشرين ، فضلا عن عمليات الإغتيال المنظم لعدد من الناشطين في الحراك الاحتجاجي وكان أبرزهم الخبير الأمني هشام الهاشمي .

         اذ أدت الأحزاب السياسية دوراً كبيراً في تأجيج العنف والنزاع داخل المجتمع العراقي بعد عام 2003، والعديد منها حققت مكاسب انية بإستخدام الوتر العرقي أو المناطقي أو الديني، فالصراعات الحزبية جاءت نتيجة عدم وجود نضج سياسي لديها، كما إنعكس الدور السلبي في التثقيف السياسي لتلك الأحزاب على العديد من أفراد المجتمع الذين أداموا تلك النزاعات والبعض منهم إنخرط في أعمال العنف نتيجة تأثره بها .

 ان الواقع الأمني كان بيئة حاضنة للعديد من القوى والحركات التابعة لأحزاب وجهات سياسية داخل العملية السياسية فضلاً عن التنظيمات المسلحة الأخرى، بسبب إمتلاك أغلب تلك الأحزاب مكاتب عسكرية مسلحة خارج إطار الدولة، إذ وصل عدد التنظيمات المسلحة حوالي 40 فصيل مسلح، الاَمر الذي أدى إلى تأجيج العنف المتبادل وإختراق العديد من تلك الجماعات للأجهزة الأمنية وارتباط موظفيها عقائديا بها، وهذا كان اهم عوائق إتخاذ سياسات تنموية واستثمارية ناجحة لتأمين العيش الكريم لأفراد المجتمع العراقي ([7]).

ان عدم الاستقرار السياسي والامني هذا ، يخلق نوعا من القلق الإجتماعي والسخط الشعبي ، لدى كثير من شرائح المجتمع مما ينعكس على الانتاجية والإبداع العام يقابله غياب المعالجة الصحيحة من الجهات المختصة ذات العلاقة لتلك الظواهر ، ففي ظروف من الركود الاقتصادي تجد ان الاجهزة الامنية تعاملت بقسوة مع مشاكل وقضايا الوضع العام الناجمة بسبب الاعداد الكبيرة من العراقيين الساخطين العاديين ، في حين ان المطلوب هو اتباع نهج متوازن مع التركيز على قدم المساواة في إعادة تطوير الاقتصاد المحلي ، فضلا عن إعادة بناء قوات الامن الداخلي ([8]) .

        وقد تستفحل النتائج السلبية لهذا النوع من الفساد عندما يستقر في أذهان المجتمع ان العنف وليس النشاط السياسي السلمي المبنى على سيادة القانون والعدل هو السبيل الفعال للتعبير عن أي هدف مجتمعي، وفي هذه الحالة سيتحول المجتمع الى ساحة قتال بين قوى عنف منظمة ومتعددة لا تجيد سوى الضغط على الزناد داخل هيكل السلطة أو خارجها ، ان فساد مؤسسة الحكم يترتب عليه استشراء الفساد الاقتصادي والاجتماعي (Corruption) بمعنى تخصيص الموارد، أو توزيع الناتج القومي على المجتمع بناءً على اعتبارات لا تعتمد على الكفاءة والصالح العام ،  مثل الحظوة بمصادر القوة كالسلطة والمال، و في سياق ضعف عام لمؤسسات الحكم وصعود قوى أخرى للقهر المنظم ، وينشأ  تفشي الفساد هنا كحلقة مفرغة تعيق التنمية ، وتحد من فرص الاستثمار في البلاد ([9]).

اذ ان مبدأ العدالة في توزيع الثروة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإستقرار السياسي الذي يشير الى حالة السلم وغياب العنف السياسي ، فغياب العدالة وزيادة حدة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الجماعات يؤدي الى الحرمان النسبي والذي بدوره يؤدي الى الشعور بالإحباط والإضطهاد على المستوى الفردي والغضب الاجتماعي والسخط العام على المستوى الجماعي مما يدفع الجمهور الى الاحتجاج ضد النظام وقياداته ، مما ينتج حالة من عدم الاستقرار ، وامام هذه الحالة يتوجب على الحكومات ان تحترم مبدا العدالة في التوزيع والعمل على تحقيق تنمية شاملة انسجما مع اهداف التنمية المستدامة التي اقرتها الامم المتحدة ، وذلك عبر ايجاد اليات للتعاون الاستثماري مع المنظمات الدولية ، فضلا عن الشركات المتعددة الجنسيات ، وبذلك يتحقق هدف التنمية الاساس وهو محاربة الفقر والجوع وايجاد بيئة صحية ملائمة .

 اما اذا استمر التفاوت الاقتصادي والاجتماعي سيؤدي ذلك الى غياب الاستقرار الامني والسياسي مما يؤدي الى اضطرابات عنفية في اشكال شتى الكحركات الانفصالية والحروب الأهلية([10])  ، لذا على الدولة ان تعمل لزيادة معدل النمو الاقتصادي إذ يوفر ذلك المعدل للدولة القدرة التمويلية لإشباع الرغبات الشعبية وتطوير بنيتها الاساسية، وتمويل سياسات جبر الضرر، وسياسات الادماج وعودة النازحين والمهجرين ، وذلك عبر فتح مجال الاستثمار بعيدا عن تدخل الجماعات المسلحة ، من خلال تشجيع القطاع الخاص الذي يؤدي  دورا مكملا لسياسات الدولة التنموية، خاصة مع القدرات والامكانيات التي يملكها، والتي تحقق اهدافا اجتماعية تساعد في ادماج فئات بعينها، أو تحقيق اهداف اقتصادية تسهل من عملية بناء السلام.

الخاتمة :

ان المتغير الأمني والسياسي يلعب دورا مؤثراً في عملية التنمية بصورة عامة والتنمية الاقتصادية على وجه التحديد لا سيما متغير الجماعات دون الدول – الميلشيات المسلحة – ، وبذلك فإن اخفاق التنمية والاستثمار في العراق من شأنه ان ينسحب تأثيره السلبي على كل قطاعات الحياة الاخرى ، وهذا يحرم ملايين البشر من العيش بحياة كريمة ورفاهية ، فضلا عن ان ذلك يقود الى مزيد من التخلف وصعوبة اللحاق بالركب العالمي ، ولذلك لابد للحكومة العراقية ان تعمل بحزم من اجل توفير بيئة استثمارية امنه تساهم بتدفق رؤوس الاموال الى العراق من اجل الاستثمار بمشاريع تنموية اقتصادجية تسهم في زيادة الدخل للافراد وتشغيل الايدي العاملة فضلا عن نقل التقدم العلمي والتكنلوجي والاستفادة من الخبرات العالمية ، هذا الامر يوجب على الحكومة العمل بجدية على محاربة الجهات المسلحة التي لا تعمل تحت مظلة الدولة وحصر السلاح بيد الاجهزة الامنية حصراً ، فالسلاح المنلفت بيد جهات عقائدية لا تدين بالولاء للعراق من شأنه ان يربك الوضع الامني والسياسي وفقاً لمصالح وأجندات الدول التي يدينون لها بالطاعة والولاء .

 

الهوامش :

[1]) ) محمد جميل احمد ، معوقات التنمية في المجتمع العراقي ، جامعة القادسية ،  مجلة القادسية للعلوم الانسانية ، العدد 2 ، 2013 ، ص489 .

[2]) ) رياض عزيز هادي ، الجامعات : النشأة والتطور –الحرية الاكاديمية – الاستقلالية ، بغداد ، جامعة بغداد ، سلسلة ثقافية جامعية ، العدد 2، 2010 ، ص14 .

[3]) ) اسامة عبد الرحمن ، تنمية التخلف وادارة التنمية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1997 ، ص17 .

[4]) ) على لطفي, التنمية الاقتصادية, مكتبة عين شمس, القاهرة , 1980 , ص 185.

[5]) ) صبري زاير السعدي ، الأزمة الاقتصادية الخطيرة في العراق ومأزق التنمية والديمقراطية في البلدان العربية ، بيت الحكمة ، لندن ، 2002 ، ص25 .

[6]) ) للمزيد ينظر : ميل بوتان, الاستثمار الدولي, ترجمة علي مقلد, الطبعة الثانية, بيروت, سنة 1983, ص 39-43.

[7]) ) محمد محي محمد الجنابي ، سياسات إعادة تأهيل مجتمعات ما بعد النزاع وإنعكاساتها على الإستقرار السياسي في العراق ، اصدرات معهد العلمين ، النجف الاشرف ، 2019 ، ص20 .

[8]) ) رشيد باني الظالمي و غسان طارق ظاهر ، اشكالية العلاقة بين التنمية الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي في البلاد النامية ( العراق انموذجا ) ، مجلة المثنى للعلوم الادارية والاقتصادية ، العدد (1) ، 2015 ، ص95 .

[9]) ) حسين علي إبراهيم البطاوي ، الأمم المتحدة وقضايا التنمية في العالم الثالث ، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 2004 ، ص189 .

[10]) ) مصعب شنين ، اثر الاستقرار السياسي على التنمية السياسية ، جامعة قاصدي مرباح ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، رسالة ماجستير ، 2013 ، ص17 .

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories