الترابط بين المساءلة والاصلاح لمكافحة الفساد في العراق

Related Articles

د. فادي حسن جابر

IFPMC-London

April-2022

توطئة:

يعد العراق من الدول التي استشرى فيها الفساد في الأعوام المنصرمة وأصبح من التحديات الكبرى التي تواجه بناء الدولة والنهوض بالواقع الاقتصادي, ولذلك لابد من التصدي لهذه الظاهرة والحد من انتشارها لا سيما في المرحلة الراهنة التي يتطلع فيها العراق إلى بناء اقتصاده المدمر ، وهذا لا يتم إلا بتوافر الارادة السياسية الصادقة التي تتبنى استراتيجيات تستهدف انتشال البلد من الفساد والمفسدين ، من خلال تعزيز الحكم الصالح وتفعيل حزمة من الإصلاحات الادارية والاقتصادية . ومن خلال بناء نظام النزاهة الوطني القائم على مبدأ المساءلة السياسية والإصلاح الاقتصادي، وأن تؤدي الإصلاحات إلى تقوية مؤسسات الحكم وآلياته من أجل الحد من الفساد، ووضع التدابير التي تقلل من الانغماس في الممارسات الفاسدة.

وبدون ذلك سيتم نهب المال العام الذي سيكون ضرورياً في إعادة أعمار الاقتصاد العراقي المنهك . والسيطرة على الفساد هو مسعى طويل الأجل ، يتطلب تبني استراتيجيات شاملة في المواجهة ، من خلال بناء نظام النزاهة الوطني القائم على مبدأ المساءلة السياسية والإصلاح الاقتصادي، وأن تؤدي الإصلاحات إلى تقوية مؤسسات الحكم وآلياته من أجل الحد من الفساد، ووضع التدابير التي تقلل من الانغماس في الممارسات الفاسدة.

اذ قدّرت لجنة النزاهة النيابية الأموال العراقية المهرّبة من قبل بعض الفاسدين في عهد النظام السياسي القائم منذ عام 2003 وحتى الآن بنحو 350 مليار دولار او اكثر ، أي ما يعادل 32% من إيرادات العراق خلال 19 عاماً و ان عملية استعادة واسترداد الأموال المنهوبة عملية مضنية وقد تستغرق سنوات طويلة، فضلاً عن تكاليف الملاحقة، لأن الاموال المنهوبة والمهربة تدخل في اقتصاديات دول الملاذ.

كذلك ارتفعت رواتب الوزارات والمحافظات التي تشكل 90% من مجموع الرواتب الكلية بمقدار 15.7% مقارنة مع 2019. اذ ارتفعت رواتب وزارة الداخلية التي تشكل 28% من مجموع الرواتب بحدود 12% مقارنة مع 2019 كذلك ارتفعت رواتب وزارة الدفاع التي تشكل 16% من مجمل الرواتب بنسبة 19% اما مجلس الوزراء والهيئات التابعة لها والتي تشكل 11% من مجمل الرواتب فارتفعت بنسبة 28% مقارنة مع 2019 وكانت اعلى الارتفاعات في الوزارات والمحافظات في مجلس الوزراء والهيئات التابعة لها وفي محافظة البصرة التي ارتفعت نسبة الرواتب فيها بمقدار 27.5% مقارنة مع 2019 وتمثل رواتب البصرة ما نسبته 2.64% من مجمل الرواتب.

المساءلة مع الاصلاح لمكافحة الفساد


لا يمكن تحقيق مساءلة تمنع اعادة انتاج الفساد بدون وجود اصلاح مستدام على المستوى الاداري والاقتصادي

ستناول في هذا الورقة المحاور الآتية :

اولا: الإصلاحات الادارية لمكافحة الفساد

ثانياً : الإصلاحات الاقتصادية لمكافحة الفساد

اولاً : الإصلاحات الإدارية لمكافحة الفساد

على الدولة العراقية اجراء تغييرات واصلاحات في مؤسسات الخدمة المدنية من خلال تبني عدد من الاجراءات  للتصدي للفساد وكما يلي :-

1- الإصلاح المؤسسي.

يجب أن تخضع مؤسسات الدولة العراقية ، التي عانت من خسائر في الماضي ولا تزال في حالة تفشي الفساد ، لإصلاحات شاملة تتطلب تغييرات في مجموعة من الإجراءات المؤسسية والضريبية ومراجعة قوانين الخدمة المدنية لأنها من بين الأهداف. الهدف الرئيسي هو الحد من الفساد لأنه من خلاله سيتم استبدال الأنظمة الفاسدة بأنظمة أخرى تعتمد على الكفاءة

حلول مقترحة :

  1. تطوير الأساليب والإجراءات المعتمدة من قبل الجهات الحكومية والارتقاء بمتطلبات تطوير وتحسين أداء المواطن وتقديم الخدمات ، واستخدام المعايير والأدلة العلمية في اختيار الأنظمة والإجراءات الجديدة. تتعلق بكيفية تحسين كفاءة الأداء والتعديلات القانونية والتشريعية ذات الصلة.
  2. التركيز على المناهج التي تحمي الموارد البشرية وتعزز دورها في العملية الاقتصادية ، بما في ذلك السعي لربط الأجور بالإنتاجية والأداء ، وتقييم أداء الموظفين بشكل علمي موضوعي

2- الحوكمة الإدارية في مواجهة الفساد.

تشير الحوكمة إلى إنشاء أنظمة بديلة لتفرد الحكومة في إدارة جميع الشؤون الاجتماعية وتهميشها من قبل القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني من خلال إنشاء أنظمة تتحكم في العلاقات بين الأطراف التي تؤثر على الأداء. تتضمن الحوكمة أيضًا عناصر لتعزيز بناء الأنظمة والآليات ، وتوضيح المسؤوليات. يحتاج العراق إلى الحوكمة لأنها تساعد في الحد من الفساد وتخفيف العبء على الحكومة وتفريغ العديد من مهامها المتعلقة بإدارة المؤسسات الاقتصادية للقطاع الخاص ، لتصبح لاعباً منافساً في القطاع العام ، مما يجعل الحكومة تركز فقط على ما يمكن أن تفعله. للقيام بعمل أفضل ، تفويض القطاع الخاص أو المجتمع المدني بما لا يستطيع القيام به ، الأمر الذي يتطلب إصلاح دور الدولة وتمكين القطاع الخاص لضمان أفضل طريقة لتقديم الخدمات.

3- دعم أنظمة الحكومة الالكترونية

الحكومة الإلكترونية هي إحدى الوسائل المتقدمة لمكافحة الفساد ، فهي تستخدم الإنترنت وتقنيات الاتصال الأخرى لتطوير وظائف الحكومة وإتاحة الفرصة لأوسع المواطنين للحصول على المعلومات. الشفافية والحد من الفساد الإداري حيث يحد من بعض فرص العمل التقديري. وهذا يؤدي إلى الفساد ويزيد من فرص اكتشاف الفساد من خلال الاحتفاظ بمعلومات تفصيلية حول المعاملات المالية ، وتمكين ملاحقة المخربين ومتابعتهم وارتباطاتهم وأخطائهم وأفعالهم ، كما يمكّن المواطنين من اكتشاف الفساد ومعارضة السياسات الاقتصادية غير المعقولة في إدارة المشاريع. وجوانب أخرى في خدمة تصحيح عملية تحقيق أهدافها التنموية.

ثانياً : الإصلاحات الاقتصادية لمكافحة الفساد

1- إصلاح النظام الضريبي

تحتل الضرائب أهمية كبيرة في العديد من دول العالم كونها أحد مصادر الايرادات التي تعتمد عليها الدولة في رسم سياستها المالية ، ويقاس نجاح النظام الضريبي بمدى قدرته على تحقيق أكبر حصيلة مالية ممكنة تكفل للدولة القيام بأهدافها التنموية،

حلول مقترحة:

  1. تحقيق البساطة والوضوح في القوانين الضريبية على نحو يمكن فهمها بكل جوانبها حتى على مستوى المكلف البسيط.
  2. ضرورة نشر الوعي الضريبي كونه من الوسائل الجوهرية لإنجاح السياسة الضريبية في مكافحة الفساد

2- إصلاح النظام الجمركي

تعد إدارة الجمارك أحد العناصر الرئيسة التي تسهم في عملية التنمية ، كونها تتعامل مباشرة مع التجارة الخارجية ، ولذلك ينبغي أن تسعى الحكومة العراقية إلى إصلاح المؤسسات الجمركية من أجل الحد من الفساد الذي يؤدي إلى تخفيض الرسوم الجمركية من جهة ، وتهريب البضائع من جهة أخرى،

حلول مقترحة :

  1. إعادة ا لنظر في بعض المواد التي يشوبها الضعف في قانون الجمارك وبخاصة الفقرات التي تمنح الموظف الاجتهاد غير المبرر الذي يضر بالاقتصاد الوطني.
  2. تفعيل دور المحكمة الجمركية في مكافحة التهريب ، وتزويدهم بأجهزة حديثة للكشف عن الغش والتلاعب الحاصل في البضائع العابرة للحدود.

3- إصلاح الموازنة العامة

إن نظام الموازنة العامة الحالي في العراق قائم على الفصل والمشاريع ، ويركز على تحقيق الإيرادات ، ولا يأخذ في الحسبان التخطيط المتوسط ​​والطويل الأجل ، ولا يقيم عوامل الإنتاجية والأداء ، ويحدد النفقات العامة على أساس النفقات العامة. يؤدي عدم الاهتمام بالاستخدام الأمثل لهذه الموارد إلى إهدار هذه الموارد ، بمعنى آخر ، يركز نظام الموازنة العامة في العراق وتوليد الإيرادات على القواعد والإجراءات والأنظمة أكثر من التركيز على الكفاءة الاقتصادية. لذلك من الضروري تحدي جوانب التمويل الحكومي التي تهدف إلى ترشيد الموازنة العامة والعمليات المرتبطة بها من خلال إزالة تشوهاتها.

4– إصلاح نظام العقود والمشتريات الحكومية

يعد مجال المناقصات العامة أحد المجالات الرئيسية التي يتم فيها تقييد المعاملات المالية بين القطاعين العام والخاص ، وبالتالي فهو هدف رئيسي لمختلف أشكال الفساد والهدر والمحسوبية والرشوة ، كما تجلى في مرحلة ما بعد الحرب. يظهر العراق في عام 2003 بوضوح فشل أنظمة التعاقد والمشتريات المحلية والأجنبية ، التي اتسمت بهدر الأموال العامة

حلول مقترحة:

  1. منح العقود على أسس تنافسية ، وعلى وفق نظام يتميز بالشفافية والنزاهة
  2. اخضاع العطاءات لمراقبة داخلية ورقابة عامة مشددة من خلال وجود آلية قانونية مستقلة

رابعاً: الاستنتاجات:

  1. الفساد الاقتصادي في العراق شكل عقبة أساسية في وجه عملية النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بسبب تأثيره المباشر والسلبي في الاستثمار، وتشويه الإنفاق الحكومي، وتقليل ايرادات الدولة، وتأخير المشاريع المصادق عليها في الخطط السنوية
  2. من أهم أسباب انتشار الفساد الاقتصادي في العراق عدم الالتزام بمواثيق العمل الإداري والقوانين التي تحظر بشكل قاطع الفساد الاقتصادي لصانعي السياسات ، وغياب أخلاقيات العمل الإداري الثقافي التي تجعله مستحيلا. للعديد من كبار المسؤولين وغيرهم للعمل. الأعمال الفاسدة أحد أسباب تدهور اقتصاد العراق وخدماته.

خامساً: التوصيات:

  1. تحسين كفاءة الأجهزة الحكومية وتعزيز كفاءة القطاع الخاص ، والقيام بالإصلاحات الهيكلية لتنظيم الإدارة العامة .
  2. مكافحة الفساد في العراق من الوسائل التي لا يمكن تأخيرها أكثر من ذلك ، خاصة في السعي إلى التنمية ، ويجب اتخاذ خطوات جادة على جميع المستويات ، حيث أصبحت مخاطر هذه المشكلة وآثارها الضارة على العراق عقبات. لعملية التنمية من المشاكل الملحة للتقدم الاجتماعي ، والتي تتطلب منع تدهورها من خلال دراسة أسبابه وآلياته ، تساهم في “إعادة إنتاج الفساد” في مرافق وجوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

د. فادي حسن جابر

مدير مشاريع منتدى صنع السياسات العامة

المصادر:

  1. أحمد صقر عاشور ، تحسين أداء التنمية من خلال إصلاح إدارة الحكم في الدول العربية، نيويورك، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2004
  2. البنك الدولي ، إعادة بناء العراق : الإصلاح الاقتصادي والمرحلة الانتقالية ، وحدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إدارة الشرق الأوسط ، 2008
  3. بهاء زكي محمد ومهدي جابر محمد ، الفساد في الع ا رق ” صور ، أسباب ، معالجات” ، وزارة النفط العراقية ، مكتب المفتش العام ، بغداد ، 2009
  4. رياض بن جليلي ، برنامج الإصلاح المؤسسي ، الكويت ، المعهد العربي للتخطيط، 2009
  5. منار العبيدي , مؤسسة عراق المستقبل http://iraqfuture.org/

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories