سوف تُستَشعر المعاناة في جميع ارجاء المنطقة
منتدى صنع السياسات – لندن
ترجمة: هالة السلام (بتصرف)
المصدر: مجلة The economist -Jul 2020
موازنات لم تعد منطقية..
تحتاج الجزائر إلى أن يرتفع سعر خام برنت، وهو المؤشر الدولي للنفط، إلى 157 دولار للبرميل.
عُمان، بحاجة لأن يصل البرميل إلى 87 دولار. لا يمكن لأي مُنتِج عربي للنفط – باستثناء قطر الصغيرة – موازنة حساباته بالسعر الحالي للنفط، حوالي الـ 40 دولار، وبالتالي، يتخذ البعض خطوات جذرية، ففي مايو (ايار) قالت الحكومة الجزائرية إنها سوف تخفض الإنفاق إلى النصف، في حين يريد رئيس الوزراء الجديد في العراق، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، أن يقتطع رواتب الحكومة. فيما تكافح عُمان للاقتراض بعد أن أدرجت وكالات التصنيف الائتماني ديونها على أنها خردة. وقد يصل العجز في الكويت الى 40% من الناتج المحلي الاجمالي وهو أعلى مستوى في العالم.
لقد ادت جائحة كورونا (كوفيد-19) الى هبوط سعر النفط نحو أدنى مستوى في التاريخ، حيث توقف الناس عن التحرك وذلك للحد من انتشار الفايروس، ومع استئناف التجارة، عاد ارتفاع السعر مجدداً، على الرغم من ان ذروة الطلب قد تكون على بعد سنوات.
لكن لا تنخدع، اذ ان اقتصادات العالم بدأت بالابتعاد عن الوقود الأحفوري، فزيادة العرض والقدرة التنافسية المتزايدة لمصادر الطاقة الانظف يعني أن النفط قد يبقى رخيصاً في المستقبل المنظور.
إن الاضطراب الذي حدث مؤخراً في أسواق النفط لم يكن انحرافاً بل انها لمحةً عن المستقبل، فقد دخل العالم عصر الأسعار المنخفضة ولن تتأثر أي منطقة أكثر من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لقد عرف القادة العرب أن أسعار النفط المرتفعة لن تستمر إلى الأبد. فقد اصدر “محمد بن سلمان”، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، قبل أربع سنوات، خطة سُميت بـ “رؤية 2030″، تهدف الخطة إلى إبعاد اقتصاده عن النفط، كما أن لدى العديد من جيرانه إصداراتهم الخاصة المشابهة لتلك الخطة.
لكن، “عام 2030 حل (باكرا) وقد أصبح عام 2020″، وفقا لما ذكره أحد مستشاري “بن سلمان”.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، إن عائدات النفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تنتج المواد السوداء أكثر من أي منطقة أخرى، تراجعت من مايزيد عن تريليون دولار (عام 2012) إلى 575 مليار دولار (عام 2019)، ومن المتوقع أن تجني الدول العربية هذا العام حوالي 300 مليار دولار من بيع النفط، وهو مبلغا غير كافٍ لتغطية نفقاتها.
منذ مارس 2020، قامت الحكومات العربية باقتطاع الأموال وجني الضرائب وفرض الجمارك والاقتراض، إلى جانب استهلاك الكثير من خلال الاحتياطيات النقدية التي كانت من المفترض أن تنفق في تمويل الإصلاحات.
لن تكون الدول غير المنتجة للنفط بمعزل عن المعاناة القادمة، اذ انها اعتمدت منذ فترة طويلة على جيرانها من الدول الغنية بالنفط لتشغيل مواطنيهم، حيث تبلغ قيمة التحويلات الخارجية أكثر من %10 من اجمالي الناتج المحلي في بعض البلدان. علاوة على مساهمة التجارة والسياحة والاستثمار في نشر الثروات إلى حد ما.
مع ذلك، وبالمقارنة مع المناطق الأخرى، تضم منطقة الشرق الأوسط احد أعلى نسب الشباب العاطلين عن العمل في العالم، فقد عمل النفط على تمويل الاقتصادات غير المنتجة، ودعم الأنظمة البغيضة، ودعا إلى تدخلات أجنبية غير مرحب بها، لذا لا يجب أن تكون نهاية هذا العصر كارثية إذا ما حفزت على إصلاحات تخلق اقتصادات أكثر ديناميكية وحكومات تمثيلية.
من المؤكد ان تكون هناك مقاومة على طول الطريق، بدءاً بأغنى منتجي النفط في المنطقة، والذين يمكنهم التعامل مع الأسعار المنخفضة على المدى القصير، اذ تمتلك كل من قطر والإمارات، مثلاً، صناديق الثروة السيادية الضخمة، ولدى المملكة العربية السعودية، أضخم اقتصاد في المنطقة، احتياطيات أجنبية بقيمة 444 مليار دولار، ما يكفي لتغطية عامين من الإنفاق بالمعدل الحالي.
لكنهم تضرروا جميعا، بشدة، من الجائحة إلى جانب أسعار النفط المنخفضة، كما ان لديهم انفاق طويل المدى، ففي فبراير الماضي، قبل تفشي وباء كورونا المستجد في الخليج، تنبأ صندوق النقد الدولي بأن دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، والإمارات) ستستنفد، من احتياطاتها، 2 تريليون دولار بحلول عام 2034.
ومنذ ذلك الحين، أنفقت السعودية ما لا يقل عن 45 مليار دولار من أموالها، وإذا ما استمرت على هذا الوتيرة لمدة ستة أشهر أخرى، فإنها ستضغط على ربط الريال السعودي بالدولار الامريكي، وسيؤثر تخفيض قيمة العملة،بشدة، على الدخل الحقيقي للمواطنين في دولة تستورد كل شيء تقريباً.
المسؤولون قلقون، وفقا لماذكره وزير المالية السعودي “محمد الجدعان”، “إننا نواجه أزمة لم يشهدها العالم من قبل في التاريخ الحديث”.
في محاولة لتحقيق التوازن بين النفقات، علّقت المملكة العربية السعودية بدل تكلفة المعيشة لموظفي الدولة، ورفعت أسعار البنزين وضاعفت ضريبة مبيعاتها ثلاث مرات، مع ذلك، قد يتجاوز عجز الميزانية 110 مليار دولار هذا العام (أي %16 من الناتج المحلي الاجمالي). ومن المحتمل ان يتبع ذلك المزيد من الضرائب – ربما على الشركات والدخل والأراضي، لكن رفع الضرائب يهدد بمزيد من الضغط على التجارة، التي تعثرت من أجل احتواء وباء كورونا.
كانت المملكة العربية السعودية تأمل في ان تعوض الزيادة في السياحة الدينية والترفيهية، على الاقل جزئيا، عن انخفاض عائدات النفط – يبدو ان ذلك الآن أصبح ضرباً من الخيال، فمدينة مكة مغلقة أمام الأجانب منذ شباط (فبراير)، لقد استقطبت فريضة الحج السنوية 2.6 مليون حاج في العام الماضي، الا انه لم يحج هذا العام سوى حوالي 1000 شخص.
يقول “فاروق سوسة” من بنك جولدمان ساكس الأمريكي ان “المملكة عالقة في اعتمادها على النفط الذي تحتاجه للوصول إلى بر الأمان”.
مع ذلك، يرى البعض جانباً إيجابياً في الاضطرابات الحاصلة في الدول المنتجة للنفط، فمع إنتاج دول الخليج لأرخص نفط في العالم، ستحظى بحصة سوقية أكبر إذا بقيت الأسعار منخفضة، ومع فرار المغتربين، يمكن للسكان المحليين أن يحصلوا على وظائفهم، كما قد تقنع صراعات المنطقة بعض الدول بالتعجيل بالإصلاحات.
وتشيد وكالات التصنيف الائتماني برفع السعودية للضرائب، كخطوة نحو تحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج ولجمع عائدات جديدة، يتحدث القادة العرب اليوم عن موجة من الخصخصة، حيث أعلنت السعودية مؤخراً عن بيع أكبر محطة لتحلية المياه في العالم في “رأس الخير@، لكن في الوقت الحالي، يبدو ان المستثمرين أكثر ميلاً نحو سحب أموالهم من المنطقة تماماً.
في غضون ذلك، ينمو الغضب الشعبي، حيث يتمتم السعوديون بشأن الضرائب الجديدة، التي تقع بشكل كبير على الفقراء، ويمتعض العاطلون عن العمل على وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات – كـ “لماذا لا يفرض (م.ب.س) الضرائب على الأثرياء؟”، في إشارة إلى الأمير محمد بن سلمان بأحرفه الأولى، كما وتسأل امّ لأربع اطفال من منطقة الشمال، حيث يقوم الأمير ببناء المزيد من القصور، قائلة “لماذا لا يبيع يخته ويعيش مثلنا؟”.
أما في العراق، فقد عبّر المسؤولون الغاضبون من تخفيضات أجورهم عن دعمهم لحركة الاحتجاج التي تسعى لإسقاط النظام السياسي بأكمله.
وفي الجزائر، حيث انخفض دخل الفرد من 5600 دولار (لعام 2012) إلى أقل من 4،000 دولار اليوم، وعاد المتظاهرون إلى الشوارع. لم يعد حكام المنطقة قادرين على شراء ولاء شعوبهم.
حيث لا يتدفق البترول
في لبنان، استؤنفت الاحتجاجات بالفعل، حيث أوقف الفيروس مؤقتا المظاهرات التي امتدت لأشهر احتجاجا على الفساد وانهيار الاقتصاد.
لبنان ليس منتجًا للنفط (مع أنه يأمل في أن يصبح احد الدول المنتجة)، وتأتي أزمة الجمهورية الصغيرة، التي قد تشهد انكماش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من %13هذا العام، من انهيار نظام اقتصادي – في أعقاب حرب أهلية، وهو النظام الذي يعتمد بشكل كبير على الخدمات والقطاع المالي المتضخم، لكن الركود في الخليج جعل الوضع أسوأ، فانخفاض أسعار النفط على المدى الطويل سيجلب المزيد من المعاناة حتى للدول العربية التي لا تضخ الخام.
إن التحويلات المالية من الدول الغنية بالطاقة هي شريان الحياة للمنطقة بأسرها، اذ ان أكثر من 2.5 مليون مصري – ما يعادل %3 تقريبًا من سكان الدولة – يعملون في الدول العربية المصدرة للكثير من النفط. والأرقام أكبر في دول أخرى:
%5 من سكان كل من لبنان والأردن، %9 من سكان الأراضي الفلسطينية، وتشكل الأموال التي يرسلونها جزءاً كبيراً من اقتصادات بلدانهم، ومع انخفاض عائدات النفط، ستنخفض التحويلات، وسيكون هناك عدد أقل من الوظائف للأجانب وحزم أجور أصغر لأولئك الذين يجدون عملا.
الامر الذي سيؤدي إلى انهاء العقد الاجتماعي في الدول التي اعتمدت على الهجرة لامتصاص المواطنين العاطلين عن العمل، ففي حين يتخرج حوالي 35 ألف لبناني من الجامعة كل عام، يوظف الاقتصاد اللبناني 5000 منهم فقط، في حين يبحث معظمهم عن عمل في الخارج.
أدت الهجرة الجماعية إلى تسريع هجرة الأدمغة، فقد اعتادت مصر على تزويد الخليج بالعمالة غير الماهرة، وفي فترة الثمانينيات كان أكثر من خُمس مهاجريها الكادحين في السعودية من الأميين، أما اليوم فمعظمهم يمتلكون درجة تعليم ثانوي، والآن تضاعفت حصة خريجي الجامعات، وتصارع مصر اليوم جائحة كوفيد-19 جزئيا، ذلك يعود إلى افتقارها للعدد الكافي من الأطباء الذين هاجر أكثر من 10000 منهم إلى الخارج منذ عام 2016 حيث توجه اغلبهم إلى دول الخليج.
اليوم ومع تضاؤل الفرص في الدول المنتجة للنفط، قد لا يرغب الكثير من الخريجين في الهجرة، في حين تعجز بلدانهم الأصلية عن توفير الحياة الجيدة، حيث يكسب الأطباء في مصر ما لا يقل عن 3000 جنيه (185 دولار) شهرياً، مايعادل جزءا ضئيلا من ما يمكن أن يجنوه في السعودية أو الكويت.
إن وفرة الخريجين العاطلين عن العمل تعد اشبه بوصفةٍ للاضطرابات الاجتماعية، أضف إلى ذلك، احتمالات تدفق المواطنين الذين سيجبرون على العودة إلى بلدانهم عند انتهاء عقودهم، بينما لا يرغب الكثير منهم في ذلك (أي العودة)، لان دولاً كالأمارات، او قطر لا تقدم وظائف ذات أجر جيد فحسب، بل توفر خدمات من الدرجة الأولى وحوكمة نزيهة نسبياً، فقد أظهر استطلاع أجرته صحيفة “جالوب” الأمريكية نشر في كانون الثاني (يناير)، أن %10 فقط من المهاجرين المصريين في الأجزاء الغنية من الخليج يريدون العودة.
كذلك، فآن الشركات ايضا ستتضرر، اذ ان منتجي النفط يعتبرون أسواقاً كبيرة لدول عربية أخرى. في عام 2018، استوردت (دول النفط) حوالي %21 من الصادرات المصرية، و %32 من صادرات الأردن، و %38 من لبنان.
ويمكن للشركات متابعة الشركاء التجاريين الآخرين بالطبع، فمصر تصدر بالفعل إلى كل من إيطاليا وتركيا أكثر مما تصدر إلى أي دولة عربية أخرى. لكن المواد التي تبيعها هناك – المنتجات البترولية والمعادن والمواد الكيميائية – تميل إلى خلق فرص عمل قليلة للمصريين.
في الوقت نفسه تشتري بلدان المنطقة المزيد من سلع الصناعات الثقيلة مثل المحاصيل والمنسوجات والمنتجات الاستهلاكية، وأكثر من نصف التلفزيونات المصدرة من مصر ينتهي بها الحال في دول مجلس التعاون الخليجي، كما ترسل صناعة الأدوية الأردنية، التي تنتج أكثر من %10 من إجمالي صادراتها وتدعم عشرات الآلاف من الوظائف، ما يقرب من ثلاثة أرباع صادراتها إلى منتجي النفط العرب، وعليه فآن دول الخليج الأصغر والأفقر، ستزيد من العملاء عديمي الفائدة.
كما أنهم سيرسلون عدداً أقل من السياح الأثرياء، في لبنان مثلاً، يمثل الزوار من ثلاث دول فقط – الكويت، السعودية، والإمارات – حوالي ثلث إجمالي الإنفاق السياحي، وبالرغم من أن معظم زوار مصر هم من أوروبا، لكن السياح الخليجيين يقيمون لفترة أطول وينفقون المال بشكل أكبر في المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق، وفي حين انه يمكن لهذه البلدان البحث عن الايرادات في مكان آخر، لكنه سيكون من الصعب استبدال السياح الأثرياء الموجودين في فناءاتها الخلفية، حيث يقضي السعوديون الصيف في القاهرة أو بيروت لأن هاتين المدينتين متقاربتان ومألوفتان ثقافياً و تتحدثان اللغة نفسها، ومن غير المحتمل أن يفعل السلوفينيون أو السنغافوريون الشيء نفسه.
الأمر اشبه بحادث تاريخي حيث صعدت دول الخليج لتصبح محاور للسلطة والنفوذ في الشرق الأوسط، بعد ان كانت تلك الدول ولقرون عديدة من الأماكن النائية التي لم يحافظ عليها سوى الحج وتجارة اللؤلؤ.
وقد كان حكام المنطقة (الشرق الأوسط) يقطنون في العواصم العربية القديمة العظيمة : كالقاهرة ودمشق اللتان خاضتا حروباً ضد إسرائيل وقادتا النضال نحو القومية العربية، في حين كانت بيروت المركز المالي والثقافي العربي.
إن هذه القوى القديمة، التي أصبحت الآن في حالة تدهور، لها علاقة غير مريحة مع الوافدين الجدد، ففي تسجيل تم تسريبه عام 2015، سخر الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” من ثروة الخليج، وأخبر أحد المستشارين أن يطلب من السعوديين 10 مليار دولار كمساعدة مالية، وهو الطلب الذي قوبل بالضحك “وماذا في ذلك؟” رد السيسي ساخراً على ذلك : “إنهم يملكون أموالاً كالأرز”.
الا انهم كانوا دائما كرماءا معها، وآن كان ذلك بشكل انتقائي، حيث قدمت الكويت والسعودية والإمارات لمصر حوالي 30 مليار دولار كمساعدات بعد عام 2013، عندما أطاح السيسي بالحكومة الإسلامية المنتخبة.
كما ان القيادة السنية في لبنان لطالما كانت عميلة لدول الخليج، “رفيق الحريري”، الذي قاد البلاد بعد حربها الأهلية، كوّن ثروته من العمل كمقاول في السعودية، أما نجله “سعد”، الذي شغل أيضاً منصب رئيس الوزراء، فيحمل الجنسية السعودية، كما أنقذت دول مجلس التعاون الخليجي كذلك الأردن مرتين في العقد الماضي.
مع ذلك بدأ التمويل يجف في السنوات الأخيرة، يعود ذلك جزئياً إلى الخلافات السياسية، ويبدو أن العديد من الدول العربية التي دُعمت ذات مرة من الرياض أو أبو ظبي، تبدو الآن وكأنها استثمارات سيئة، حيث يشعر السعوديون بالإحباط لأن السيسي لم يرسل قوات لدعم غزوهم المشؤوم لليمن ، وأن الحريري الصغير كان متسامحًا جداً مع حزب الله، والميليشيات الشيعية والفصيل السياسي المدعوم من إيران. سخاؤهم المتناقص يعكس أيضاً ثرواتهم المتناقصة.
ففي حين لم تتلق مصر أي أموال منذ سنوات، لا يبدو أن احدا من الخليج راغب في إنقاذ لبنان، فيما كان على الأردن أن يتوسل للحصول على حزمة مساعدات مدتها خمس سنوات بـ 2.5 مليار دولار من الخليج عام 2018، اي نصف ما حصل عليه عام 2011.
في الحقيقة لا شيء من هذا سيء بالضرورة، فالكثير من العرب سيرحبون بنفوذ وتدخل أجنبي أقل في بلدانهم، لكنه سيزيد الضغط المالي على حكوماتها المديونة، وقد يشير ذلك أيضاً إلى تغيير أوسع في سياسة المنطقة، فقد اتبعت أمريكا، لاربعة عقود، “عقيدة كارتر”، التي قضت بأنها ستستخدم القوة العسكرية للحفاظ على التدفق الحر للنفط عبر الخليج الفارسي، وعلى الرغم من ذلك، وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، بدأت العقيدة تتلاشى، عندما سقطت صواريخ كروز وطائرات بدون طيار إيرانية على منشآت النفط السعودية في سبتمبر، وهو الأمر الذي لم يرمش لأمريكا جفن بشأنه، وقد تم بالفعل سحب بطاريات باتريوت للدفاع الصاروخي التي تم نشرها في المملكة بعد أسابيع، أما خارج منطقة الخليج، فقد كان ترامب أقل انخراطًا في تلك الدول، فقد تجاهل كل الفوضى في ليبيا، حيث تتنافس روسيا وتركيا والإمارات (على سبيل المثال لا الحصر) من اجل السيطرة هناك.
إن شرقاً أوسطاً أقل مركزية بالنسبة لإمدادات الطاقة في العالم، سيكون شرقاً أوسطاً أقل أهمية بالنسبة لأميركا، قد تملأ روسيا الفراغ في بعض الأماكن، لكن مصالحها الإقليمية ضيقة، مثل عزمها على الحفاظ على ميناءها (على البحر المتوسط) في طرطوس / سوريا، وهي لا ترغب في – وربما لا تستطيع – مد مظلة أمنية عبر شبه الجزيرة العربية.
حاولت الصين الابتعاد عن السياسة في المنطقة، ساعية وراء الفوائد الاقتصادية فقط: عقود البناء في الجزائر، امتيازات الموانئ في مصر، ومجموعة واسعة من الصفقات في الخليج.
مع ذلك، كلما أصبحت الدول العربية أفقر، قد تتغير طبيعة علاقتها مع الصين، ويحدث هذا بالفعل في إيران، حيث أدت العقوبات الأمريكية إلى اختناق عائدات النفط، يناقش المسؤولون صفقة استثمارية طويلة الأجل يمكن أن نرى خلالها قيام الشركات الصينية بتطوير كل شيء، من الموانئ إلى الاتصالات، وقد صيغت على أنها “شراكة استراتيجية”، لكن النقاد يخشون من أن تترك الصين تسيطر على البنية التحتية التي تبنيها، كما فعلت في بعض الدول الآسيوية والأفريقية المدينة لها.
إن انخفاض عائدات النفط يمكن أن يفرض تطبيق هذا النموذج على الدول العربية، وربما يعقد ما تبقى من علاقاتها مع أمريكا.
لا مفر
لو سُئل الشباب العرب عن المكان الذي يرغبون العيش فيه، هناك احتمال كبير بأن يختاروا دبي، فقد وجد استطلاع عام 2019 أن %44 ينظرون إلى الإمارات على أنها البلد المثالي للهجرة، وغالبًا ما يؤطرون إعجابهم على النقيض من بلدانهم الأصلية، وعلى الرغم من جميع أخطائها، تقدم دبي (وجيرانها) شيئًا غير عادي في المنطقة : الشرطة نزيهة، الطرق معبدة جيداً، والكهرباء دون انقطاع.
مع انهيار الاقتصاد اللبناني، يتحدث الجميع عن الهجرة، ومع ذلك، هناك وظائف قليلة في الخليج، تقول إحدى السيدات، “كانت دبي دائماً هي المهرب، أما الآن يبدو أننا محاصرون، دون خطة احتياطية”.
لدى الشباب في جميع أنحاء المنطقة نفس المخاوف، فمصر تشعر وكأنها تنهار تحت ثقلها، الأردن في أزمة دائمة، وبعد قرابة عشر سنوات على إشعال بائع فواكه تونسي شرارة الربيع العربي، الا ان الإحباطات التي تسببت في ذلك مازالت مستمرة حتى الآن.
إن نهاية عصر النفط يمكن أن تجلب التغيير، لكنها ستجلب الأسى أولا.
رابط المصدر