ما بعد كورونا،، العالم مختلف وأشد قسوة

Related Articles

ما بعد كورونا،، العالم مختلف وأشد قسوة

د. ياسين البكري

يناضل العالم بجهد كبير للسيطرة على فايرس كورونا، وما زالت جهود إنتاج لقاح فعال غير مبشرة، وتبقي الوقاية عن طريق منع الإختلاط وحظر التجول التي طبقتها الكثير من الدول الخيار المتاح حالياً

   تلك الإجراءات الإحترازية مع انها ضرورية لتطويق الفايرس غير إنها تضرب في الصميم الإقتصاد العالمي من خلال تباطئ النمو الإقتصادي، فزيادة المخاوف ضرب مباشرة بورصات الأسهم التي خسرت مئات المليارات، ففي الولايات المتحدة منيت البورصات بخسائر هي الاسوء منذ الأزمة المالية 2008، كما يلاحظ تضرر سلسة التوريدات العالمية مع شبه توقف لقطاعات النقل الجوي وقطاع السياحة، وانكماش في قطاع تصنيع السيارات، وتراجع أسعار النفط لمستوى 25$ برنت ليوم 23 اذار، ولا يعتد كثيراً بتفسير إنخفاض أسعار النفط بسبب الحرب السعرية بين السعودية وروسيا فمع تأثيرها تبقى متغيراً تابعاً، تلك المؤشرات وغيرها تؤكد المخاوف من ان الركود الإقتصادي بات أمراً لا مفر منه بل إن الأسوء يؤشر دخول الإقتصاد العالمي لمرحلة الكساد مع تأثر أكبر إقتصادين في العالم الولايات المتحدة والصين إذ يمثل ناتجهما القومي بحدود 40% من الناتج الإجمالي العالمي، مع شكوك في قدرة حزم التحفيزالإقتصادي (تنوي الإدارة الأمريكية تقديم حزمة بمقدار تريليون دولار) على تحقيق تعافي لمدة طويلة في ضوء تصاعد مخاطر كورونا

الإقتصادات النامية والهشة والريعية ستكون أكثر المتضررين من تسونامي إقتصادي هائل بدء يضرب العالم واحتمالية تغير الهياكل الإقتصادية العالمية بسبب تراجع الإنتاج وتراجع التجارة الدولية بسبب محددات الوباء، ومع إستمرار الوباء قد نشهد تراجع العولمة الإقتصادية والانكفاء على الذات في الانتاج والإستهلاك الذي يعني للدول الريعية تراجع في وارداتها من النفط ونهاية مرحلة الرفاهية لبعض الدول النفطية بما ينذر بتبعات وتداعيات كبيرة على المجتمع والسياسية

المؤشرات الإقتصادية السابقة تجاوزت مرحلة القلق وأصبح السؤال المطروح الأن هو كيف سيكون شكل العالم بعد كورونا؟

سيناريو زيادة مستويات الفقر ومعدلاتها عالمياً سيكون الأثر المباشر للأزمة الإقتصادية والأكثر ترجيحا، ففي القياس العادي للركود أو ما يعرف بالتأثير السلبي المضاعف، إذا انخفضت معدلات الاستثمار، تنخفض نسبة التوظيف بالتبعية، ومن ثم معدلات الإنفاق أيضًا، وبالتالي سوف تتراكم السلع غير المباعة لدى الشركات، مما يقلل الاستثمارات، غير ان المشهد الحالي للركود مختلف بسبب مؤثر عالمي صحي لا يتعلق مباشرة بمعدلات الإستثمارالتقليدية ومخاوفها وتقلبات السوق ودورته، ولا بانخفاض نسب التوظيف وتراجع معدلات الإنفاق ومن ثم تراكم السلع (زيادة في العرض وقلة بالطلب)، المشكلة الحالية تتعلق بتوقف الإنتاج في قطاعات واسعة نتيجة الحجر الصحي العام للأيدي العاملة وتضرر أكبر إقتصادين دوليين، وتوقف الإستثمارات القائمة وخسارتها بما يجبر المستثمرين على تسريح العمال ما يعني تشكل كتلة بطالة هائلة لا تملك القدرة الشرائية حتى لو توفر العرض

 إسقاط النموذج السابق على دولة ريعية مثل العراق يعني ان المشغل الأكبر(الدولة) الذي يوظف 6.5 مليون موظف ومتقاعد سيجد نفسه عاجزاً عن سداد رواتبهم بسبب تراجع أسعار النفط الى مستوى 25$ أو أقل، ما يؤدي عملياً الى عجز مخيف في الموازنة لن تستطيع الدولة مواجهتها بالقروض الخارجية بوجود قروض سابقة مستحقة دفع فوائدها هذه السنة، وبسبب إن الأزمة الحالية أزمة عالمية تشكل ضغوطً على مؤسسات الإقراض الدولية، أما الحديث عن تعظيم موارد الموازنة بزيادة الضرائب  فذلك غير ممكن وغير عملي مع وجود أزمة عالمية تكون فيها الدول مضطرة لتقديم حزم تحفيز وتقليل الضرائب وتقليل نسب الفائدة على القروض، ما قد يعني في النهاية ستجد الحكومة نفسها مضطرة لتمويل العجز بالتضخم عبر الإصدار النقدي الجديد، وهو إجراء لو حدث سيعني تأكل قيمة الموجودات في مشهد مقارب لفترة الحصار وتأكل قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، وقد يجد العراق نفسه مجبراً على تغير هيكله الإقتصادي الريعي بعد أن تقاعس على تغيره باستثمار الإيرادات الضخمة التي بددت بالإهمال والحروب والفساد

دول الخليج ستكون أكثر قدرة على مواجهة التقلبات بحساب مدخراتها في صناديقها السيادية، لكن ذلك سيعني تأكل تلك المدخرات تدريجياً وربما سيعني نهاية مرحلة الرفاهية لتلك الدول قريباً، فدولة مثل الإمارات تعد مركزاً مالياً دولياً ستخسر كثيراً بسبب تراجع الإستثمارات الدولية وتراجع عولمة التجارة، إما السعودية التي تمارس حرباً في اسعار النفط فربما أدركت متأخراُ إن العصر الذهبي للنفط قد ولى لغير رجعة مع تطور التقانة النظيفة وتقانة النفط الصخري العاملان اللذان سيقللان مستويات الطلب على نفط اوبك لتاتي الأن أزمة كورونا لتقضي على الوقت الذي كانت تحتاجه السعودية لتغير هياكلها الإقتصادية مع مشروع رؤية السعودية 2030، من هنا يمكن فهم سلوك السعودية في حرب النفط بدافع إقتصادي يبغي الحفاظ على الإسواق المستقبلية الضيقة في حرب مع أوبك وليس مع روسيا فقط، يساعدها في ذلك صناديق سيادية أكبر من غيرها يجعلها أكثر قدرة على المطاولة من غيرها من المصدرين

سيناريو زيادة مستويات الفقر يفتح الباب على متغيرات إجتماعية وسياسية كبرى تحديداُ في الدول الهشة سياسياً وتعاني من إضطرابات وعدم إستقرار، وكذلك في دول تعاني من كبت سياسي وهيمنة بطرياكية مكنتها قدرتها المالية على إسكات معارضيها أو شراء سكوت مواطنيها بالرفاهية، وتلك مواصفات تنطبق على طائفة واسعة من الدول قد يكون الشرق الأوسط وصفة معيارية لها

العراق مرشح لهزات متعددة في ضوء أوضاعه غير المستقرة التي قد تشكل بالتفاعل مع تداعيات كورونا وسيناريو الفقر، بيئة مناسبة لنشوء دكتاتورية جديدة قد تطيح بكل أمال بناء ديمقراطية لم تحسن الطبقة السياسية التعامل مع بذورها طوال 17 عاماً، وقد تفضي الهزات في مشهد مأساوي الى التقسيم

السعودية وايران مرشحتان لسيناريوهات إنتفاضات شعبية

في أوروبا قد تجد الحركات اليمينة والقومية والشعبوية في متغيرات كورونا والاضطرابات التي قد يخلفها مناخاً مناسباً لتأكيد حضورها وقد تتراجع حظوظ الإتحاد الأوروبي في الاستمرار أو التجميد بعد فشله بتقديم سياسات جمعية لمواجهة كورونا، وسيناريو التقسيم الاوسطي قد يجد مثيله واسبانيا كمثال مرشحة للسير بهذا الطريق ومطالبات كتلونيا ما زالت طازجة

الولايات المتحدة قد تجد نفسها أكثر إنكفاءً على نفسها وأقل تفاعلاً مع السياسة الدولية في محاولة لترميم نفسها يساعدها في ذلك قدرتها على تحقيق إكتفاء ذاتي نسبي وقدرتها على تحقيق مجال حيوي قاري ملتصق بها جغرافياً، وعدم رغبتها في الإنخراط الدولي الأوسع الملتهب بالقلاقل وعدم الإستقرار

العالم بعد كورونا سيكون مختلفاً عما قبله، وربما سنكون أمام نظام عالمي جديد مختلف عما عهدناه، فمع نهاية كل حرب كونية كانت تصاغ المعادلة الدولية بطريقة مختلفة وباقلام المنتصرين، بعد الحرب العالمية الأولى كانت عصبة الأمم، وبعد الحرب العالمية الثانية كانت منظمة الأمم المتحدة، وكورونا قد تكون الحرب العالمية الثالثة التي تعيد صياغة العالم ونظامه، حرب عالمية ثالثة لا منتصر فيها فكل الدول ستكون خاسرة مشتتة مضطربة تعاني من أثار موجعة، فهل سنشهد شيء جديد هذه المرة؟

ما زال مبكراً تحديد معالم النظام العالمي الجديد، لكن أثار وباء كورونا ستفرض نمطاً مختلف

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories