Home الحوكمة كوفيد-19 .. وتوقعات سوق العمل في أوروبا الغربية

كوفيد-19 .. وتوقعات سوق العمل في أوروبا الغربية

0
1134

منتدى صنع السياسات – لندن

ترجمة: هالة السلام (بتصرف)

المصدر: The economist

ان عمليات الإغلاق التام، ردا على جائحة كورونا، ومخططات الإجازة المؤقتة – وهو مخطط تم اتباعه في اغلب دول اوروبا بمعايير مختلفة، يقوم على منح بعض الموظفين إجازة مؤقتة أثناء جائحة فيروس كورونا حيث يتفق فيه الموظف أو العامل مع صاحب العمل على التوقف عن العمل مؤقتًا مع الاحتفاظ بالوظيفة – المرتبطة بها تجعل وضع سوق العمل في أوروبا على عكس ما يحدث عادة في فترات الركود، حيث كانت البطالة محركا، وليس مؤشرًا متأخرًا عن التوظيف.

تخفي أرقام البطالة التقليدية حجم اضطراب سوق العمل، اذ تعتبر بعض المقاييس، مثل ساعات العمل وعدد الباحثين عن عمل، ذات صلة وثيقة بالموضوع لكنها لا تزال تدابير غير كاملة.

تم تصميم مخططات الاجازة المؤقتة بشكل عام لتكون وقتية، الا ان البلدان التي لديها برامج متينة للتأمين ضد البطالة ستجد الانتقال إلى التدابير طويلة المدى أسهل.

من المرجح أن تشهد البلدان، ذات المستويات العالية من العمل التعاقدي وشبكات أمان أقل قوة، اضطرابًا عاما أكبر، مع تباين كبير بين العقود المؤقتة والدائمة وعبر مختلف الصناعات.

أدى فرض عمليات الإغلاق التام الوطنية ومخططات الاجازة المؤقتة إلى اضطراب غير مسبوق في سوق العمل، حيث تأثرت أكثر من ربع الوظائف في العديد من الدول مباشرة بالفيروس التاجي.

وعلى عكس حالات الركود الأخرى، حيث يتخلف سوق العمل عن المؤشرات الاقتصادية، اذ ان الانهيار الناجم عن الجائحة في سوق العمل يعد قوة دافعة وراء هذا الركود، وهو أحد الأسباب العديدة التي جعلت هذا الانكماش، بشكل خاص، غير مألوف.

مع ذلك، ومع الغاء عمليات الإغلاق بشكل تدريجي، نتوقع ان تتغير ديناميكيات سوق العمل لثلاثة أسباب:

  • أولاً، سيتم تقليص مخططات الإجازة المؤقتة: حتى يتم التخلص منها بالكامل، أو تحويلها إلى خطط تأمين ضد البطالة الحالية أو اقتصارها على المناطق أو القطاعات التي لا تزال تعاني من التأثير المباشر للفيروس التاجي.
  • ثانيًا، ستستمر قيود التباعد الاجتماعي، وهذا سيحول العديد من الوظائف الخاضعة حاليا لمخطط الاجازة المؤقتة، الى وظائف عفا عليها الزمن، ما سيؤدي الى اضطراب كبير في سوق العمل والمهارات.
  • وأخيرا، ونتيجة لهذين العاملين، سينخفض الدخل الإجمالي، مما يخلق المزيد من الضغط التصاعدي التقليدي على البطالة كمؤشر تراجع لاتجاهات الاقتصاد الكلي.

وسنبحث في هذا التقرير كيف تحدث هذه الضغوطات في مختلف دول أوروبا الغربية.

لا تثق بالبيانات

أثبتت النظريات القياسية لتقييم البطالة أنها غير كافية لقياس وقع تأثير عمليات الإغلاق على النظام الاقتصادي الضخم.

حيث تعتبر الوكالات الإحصائية الوطنية في أوروبا بشكل عام الموظفين المجازين – وفق مخطط الاجازة المؤقتة، كموظفين عاملين، وبالتالي فإن بياناتهم تظهر تغييرا طفيفا نسبيا في أعداد البطالة، كما وتقوم بعض الوكالات، مثل الأيرلندية، بنشر نسب، معدَّلة، لقياس عدد الأشخاص العاطلين عن العمل أو من هم ضمن خطة الاجازة المؤقتة، والتي تبين ارتفاع بقيمة ما يقرب %20 فقط.

وقد أدت الاختلافات المنهجية الثانوية الأخرى ما بين البلدان إلى نتائج غير متوقعة؛ ففي إيطاليا على سبيل المثال، انخفض معدل البطالة بنسبة %1.7  أثناء الإغلاق الكامل وذلك لأن الوكالة الإحصائية لم تدرج العمال المشمولين بالإغلاق الكامل ضمن القوى العاملة، لكونهم لم يستوفوا شروط الباحثين عن عمل، في حين تتضمن المقاييس الأكثر فائدة للنشاط الاقتصادي عدد الباحثين عن عمل، حيث تقيس عدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل جديد، متوسط ساعات العمل، وتكشف عن الدرجة التي توقف فيها الأشخاص عن العمل أثناء فترات الإغلاق التام.

وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية – ILO – إلى انخفاض في إجمالي ساعات العمل في مناطق شمال وجنوب وغرب أوروبا، بنسبة %15.7، خلال الربع الثاني من عام 2020، مقارنة بالربع الأخير من عام 2019.

كذلك تظهر بيانات الربع الاول، وفقا للمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي – يورو ستات / Eurostat، انخفاضا ربع فصليا، يصل إلى %7.5 في إيطاليا مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، على الرغم من إغلاق إيطاليا لمدة شهر واحد فقط خلال تلك الفترة.

لقد تم تشويه حلقة الربط المعتاد، بين ساعات العمل وإنفاق المستهلك خلال أزمة فيروس كورونا، وذلك بسبب التحويلات الحكومية الهائلة منذ المباشرة بمخططات الاجازة المؤقتة. وتختلف أنماط الإنفاق، بين الاشخاص الباحثين عن عمل والعمال المشمولين بمخطط العطلة المؤقتة، الى حد كبير، عن أنماط البطالة التقليدية.

كما وتعتمد حاجة المستهلك – بشكل أقل على معدل البطالة نفسه، في حين يكون اعتمادها بشكل أكبر على سخاء وهيكلية برامج الدعم الحكومية.

اختلاف السياسات: استمرار الإجازة مقابل التأمين ضد البطالة

تم وضع مخططات الاجازة المؤقتة وتوسيعها للمساعدة في التعامل مع الموجة، غير المسبوقة، للإغلاق القسري لقطاعات الاقتصاد، وتم تصميمها بشكل عام لتكون مؤقتة، استنادا إلى فرضية – ان معظم الشركات المغلقة ستعاود الافتتاح مجددا كالمعتاد، ومع ذلك، فإن مزيجا من الكساد الاقتصادي والحاجة إلى استمرار التباعد الاجتماعي يعني أنه لا يمكن سحب المخططات بسهولة من دون أن تؤدي إلى ارتفاع في البطالة،

في الوقت نفسه، إن الاحتفاظ بمخططات الاجازة المؤقتة سوف يحصر العمال في وظائف لا يُحسدون عليها، مما يمنعهم من الانتقال إلى قطاعات ذات إمكانات نمو أعلى.

ومع سحب مخططات الاجازة المؤقتة، نتوقع أن ترتفع أرقام البطالة الرئيسية، والتي، إلى جانب الزيادة المتأخرة في البطالة من الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أعداد البطالة الرئيسية في عام 2021 عما كانت عليه في عام 2020 بالنسبة لمعظم البلدان.

ان الغاء مخططات الاجازة المؤقتة سيخلق مشاكل سياسية لصانعي السياسات، مع ذلك لا تواجه جميع البلدان نفس المشاكل بالضبط، فلدى دول شمال أوروبا، لا سيما الدول الإسكندنافية، خطط بطالة قوية تغطي بالفعل أكثر من نصف الأجور السابقة للعاطلين عن العمل ومصممة لتشجيع الحركة بين الوظائف بشكل أكبر، إلى جانب برامج دعم الأجور الموجودة مسبقا.

وبالمثل، فإن مخطط كورلاربيت الألماني – Kurzarbeit – وهو مخطط عمل قصير المدى، ساهم في الحفاظ على استقرار التوظيف خلال الأزمة المالية العالمية – أي انه سبق الأزمة الراهنة (مع اجراء توسيع لمعايير الأهلية والمخصصات خلال فترة الوباء الراهنة)، تم تطبيقه للحد من البطالة خلال الأزمة المالية العالمية 2008-2009 وكان أثره عاليا جدا، وتم دمجه في إطار المفاوضة الجماعية بين الشركات والنقابات، مما جعل من تجديده سهلا خلال هذه الأزمة.

ونتيجة لذلك، يمكن بسهولة نقل العمال المجازين (وفقا لمخطط الاجازة المؤقتة) في هذه البلدان من مخططات من نوع الاجازة المؤقتة إلى مخططات البطالة التقليدية الموجودة مسبقا. كما ان هذه البلدان تميل الى تحمل عبء ديون اقل، ويمكنها تمديد فترة الفوائد الموسعة حتى عام 2021 وبسهولة أكبر.

في دول جنوب أوروبا، التي تعين عليها التعامل مع معدلات البطالة المرتفعة منذ أزمة منطقة اليورو – منذ عام 2009 فصاعدا، توجد أيضًا خطط بطالة متطورة للغاية قادرة على إدارة مستويات عالية من البطالة. ومن المفارقات، أن البلدان الواقعة في الوسط، التي ليس لديها نموذج اسكندنافي شامل ولا بطالة عالية باستمرار، من المرجح أن تجد الانتقال أكثر صعوبة، وينطبق هذا بشكل خاص على المملكة المتحدة وفرنسا، فكلاهما تواجهان أعباء ديون كبيرة.

إضافة إلى ذلك، فقد اختلفت نقاط انطلاق البلدان قبل الوباء بشكل كبير، ففي دول مثل الدنمارك وألمانيا والمملكة المتحدة، التي لديها أسواق عمل مرنة وتشدد على التوظيف الكامل، كانت مستويات البطالة في عام 2019 أقل من %4، في حين شهدت دول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا معدلات بطالة تتراوح من %9 إلى %28 في أعقاب الأزمة المالية، وكانت بلدان مثل فنلندا وفرنسا والسويد ذات مستوى هيكلي عالٍ من البطالة بنسبة %6-9، قبل أزمة الفيروس التاجي، وحقيقةً في بعض الحالات قبل الأزمة المالية العالمية 2008-2009.

بالتالي، فإن ما يعتبر مستوى “مقبول” من البطالة يتفاوت عبر أوروبا الغربية، لكن من المحتمل أن يتغير ذلك نتيجة لهذه الأزمة ورد فعل السياسة العامة تجاهها.

التغيير الهيكلي في المستقبل

الإنتاج الصناعي للاقتصادات الأوروبية ايضا له تأثير على آفاق الانتعاش.

بعض المهن لديها مرونة وسهلة الانقياد لضوابط التباعد الاجتماعي أكثر من غيرها، الا انها لا تمر على نحو نظيف عبر القطاعات الصناعية: يمكن إجراء التصنيع المؤتمت – او الآلي، وبدرجات متقدمة في ظل ظروف التباعد الاجتماعي، لكن تصنيع المنتجات الغذائية، كمصانع تعبئة اللحوم على سبيل المثال، أدى إلى تفشي شامل لفايروس كورونا بين عمال المصانع.

ومع ازدهار تجارة التجزئة – او البيع القطاعي، على الانترنت، من المرجح أن تفقد المحال التجارية أهميتها.

كذلك بالنسبة للوظائف الخدمية – اذ تصنف وظائف قطاع المعرفة والضيافة على أنها وظائف خدمية، لكن تأثير الوباء كان متواضعا مع الأولى وضارا للغاية بالنسبة للأخيرة، إضافة إلى ذلك، فإنه من المرجح أن تتغير طبيعة العمل بشكل كبير استجابة للوباء.

لقد أصبح الاعتماد المفرط على العقود المؤقتة والعمل المستقل مشكلة أكبر من أي وقت مضى منذ ازمة وباء كورونا، وذلك من حيث العاملين في قطاعي السياحة والضيافة الذين كانوا عرضة بشكل خاص للتسريح، وبالنسبة لأصحاب العمل الحر كسائقي التوصيل الذين يتعرضون لخطر أكبر في العمل أثناء الوباء دون اللجوء إلى معايير السلامة في مكان العمل، كلاهما على حد سواء.

في الوقت نفسه، الكثير من البلدان ذات البطالة الأولية العالية، مثل فرنسا واليونان والبرتغال وإسبانيا، توظف العديد من العمال الموسميين وموظفين بعقود مؤقتة.

ويرجع ذلك – جزئياً، إلى الجغرافيا والوفرة في قطاع السياحة، وجزئيا بسبب تشديد لوائح سوق العمل للموظفين الدائمين، مما يؤدي إلى فجوة كبيرة بين العمال ذوي الأجور الجيدة وذوي المهارات والمتعلمين، وعدد أكبر بكثير من العمال الوقتيين الذين يعتمدون على العمل الموسمي، او العمل الحر او العقود المؤقتة.

ومع فترة الركود بسبب جائحة الفيروس التاجي التي تسببت في قلب أسواق العمل رأسا على عقب وخلق بطالة طويلة الأمد وعلى نطاق واسع، نتوقع أن تصبح قضايا حماية العمال – البدنية والاقتصادية على حد سواء، ذات أولوية أعلى في السياسة الديمقراطية مما كان عليه الحال منذ منتصف القرن العشرين.

NO COMMENTS

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here