قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر…الفرص والتحديات
قاسمي عبدالسميع
باحث بمنتدى صنع السياسات
IFPMC-LONDON
November 2021
مقدمة:
انعقدت بالخامس والعشرين اكتوبر 2021 الماضي قمّة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بالعاصمة السّعودية الرياض. حيث ركزّت القمة بشكل خاص على التحديات المناخية والبيئية التي تواجهها دول الشرق الأوسط والحلول المتاحة لمواجهتها في ظل تنامي خطر التهديدات البيئية على غرار انبعاث الغازات المُلوِثة، التصّحر، الجفاف، التلوث وغيرها.
تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على محاور القمة وأبرز أهدافها، علاوةً على سياقات انعقادها ومخرجاتها.
- نبذة عن المبادرة وأهدافها
قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر هي تجَّمُع بين قادة بارزين من منطقة الشرق الأوسط والعالم يصبوا إلـــى تعزيز التعاون وتوحيد الجهود نحو تنفيذ الالتزامات البيئية المشتركة. وانطلاقاً من الالتزامات البيئية الواردة في مبادرة السعودية الخضراء، حيث جاء بمبادرة من المملكة العربية السعودية بهدف تعزيز التعاون مع الدول المجاورة لمواجهة تحديات التغير المناخي بالمنطقة[1].
- سياق انعقاد القمّة
تنعقد القمة في ظل تحذيرات الخبراء بهشاشة الوضع الايكولوجي لكوكب الأرض وما قد يسببه ذلك من تداعيات تهدد الأمن البيئي للكوكب. وتأتي فعاليات القمة كذلك على مقربة من انعقاد قمة غلاسكو بالمناخ COP 26 التي تجري فعالياتها بين 31 أكتوبر و12 نوفمبر 2021[2]. وهو ما دفع بالقائمين على القمة بإدراج محور مخصص لسُبُل التعاون التي تسمح بتوحيد جهود دول الشرق الأوسط وتفعيل مساهمتهم في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ.
- محاور القمة
بعد الجلسة الافتتاحية، باشرت القمة فعالياتها من خلال التطرق لرؤية المملكة العربية السعودية لتخضير العالم ودور التمويل الأخضر في تمكين التحول إلى ما يعرف بالمجتمعات الخضراء.
ثم تبِع ذلك مناقشات بين رؤساء الدول والحكومات حول جملة من الموضوعات من بينها رسم استراتيجية مشتركة تهدف إلى تحديد الحلول والسياسات الخضراء للأصول البيئية المشتركة، كما تناول المشاركون كيفيات تبني أسلوب مشترك لتمكين التحول الأخضر: وما الذي تستطيع الحكومات تقديمه لتمكين الاستدامة المالية فــي هذا الصدد اضافة لذلك، ركزّ قادة الدول المشاركة على سبل التعاون للمساهمة الفعّالة فـــي مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 26) التي تجري فعاليات في الوقت الراهن بمدينة غلاسكو.
الجزء الثاني من جدول أعمال القمة شمِل الجانب المالي حيث تطرق من خلاله المشاركون إلى البُعد المالي في تسيير ملف البيئة والمناخ. حيث تم التطرق إلى موضوع تمويل التحول الأخضر: دور قطاع التمويل وأدواته إضافة لمداخلة قدمها رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، لاري فينك بعنوان “تخصيص 50 تريليون دولار لمشاريع التحول البيئي: ما الذي يجب على الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية فعله لضمان تحولها إلى واقع ؟”
الجزء الثالث ركز على موضوع البيئة بوصفه تحدياً عالمياً مشتركاً حيث قدّم خلاله جون كيري، المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المناخ، الولايات المتحدة الأمريكية الذي دعا إلى ضرورة اتخاذ خطوات أكبر لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة، مؤكداً أن «الأمر لا يتعلق بالسّياسة ولا بالتوازن الاستراتيجي بين القوى ولا بالآيديولوجية، وإنما يتعلق بالعلم الذي يخبرنا أنه من الضروري أن نسَّرع من وتيرة عملنا، وأن نقلل من الانبعاثات بنسبة 44 % خلال السنوات العشر القادمة، إذا كنا نريد الوصول إلى صفر انبعاثات في 2050 والحفاظ على درجة حرارة أقل». كما أضاف كيري أنه «يجب ضخ مليارات وتريليونات لتطوير تقنيات جديدة في الانتقال لكسب هذه المعركة».[3]
- مشاركة العراق
عرفت القمة مشاركة وفد عراقي ترأسه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية علي علاوي الذي ألقى كلمة أوضح فيها أن مبادرة مهمة الشرق الأوسط الأخضر تسمع بتحويل مستقبل المنطقة لأخضر خال من الانبعاثات المضرة بالبيئة والمحيط بصورة تدريجية تضمن استدامة الحياة دون المساس باقتصادياتها.
كما نوّه نائب رئيس مجلس الوزراء العراقــي إلــــى أنه لا خيار يُطرح غير الآن سوى الوقوف معاً لمواجهة تحدي المناخ، حيث أكد في هذا السّياق، على أن «العراق عازم على العمل مع المشاركين من أجل بيئة أفضل للأجيال القادمة». مشيداً لما سيكون «للقمة من آثار إيجابية على الصعيد البيئي والاقتصادي والتنموي». كما استغل علي علاوي القمة لابراز جهود العراق في ميدان البيئة والمناخ المتمثلة في الانضمام لمختلف المواثيق الدولية ذات الصلة آخرها اتفاقية باريس الذي صادقت بغداد عليه في 22 شباط 2021. فضلا عن ذلك، تحدث علاوي في كلمته بايجاز عن السياسات العمومية التي باشرها العراق للتقليل من انبعاثات الغاز والانتقال الطاقوي، حيث أكد علاوي أن “العراق يخطط للتعاقد على تشييد 7.5 ميغاواط قبل نهاية 2023 لسد الحاجات الحالية في انتاج الطاقة الكهربائية والتخطيط للوصول إلى 12 ميغاواط طاقة شمسية لسد النقص الموجود في الانتاج”.
في المقابل، لفت علاوي أن اعتماد اقتصاد العراق على صادرات المحروقات لايمكن ان يستمر بحُكم التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وهو ما يفرض بلورة سياسات تنسجم مع بنود اتفاقيات باريس التي تنص على ضرورة مساعدة الدول النفطية في تحقيق تنويع الاقتصاد والتحول إلى الطاقات النظيفة من خلال التعاون ونقل التكنولوجيات والخبرات[4].
- مخرجات القمة :
خرجت القمة بعدة قرارات هامة متعلقة بقضايا المناخ وآليات مواجهة التهديدات البيئية على غرار التصحر، الجفاف وغيرها. حيث يمكن ايجاز أهم مخرجات القمة في النقاط التالية[5] :
- إنشاء منصة تعاون دولية بمبادرة سعودية لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس مركز إقليمي للتغيّر المناخي، وفق بيان صادر عن القمة؛
- العمل على تأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية للإسهام في رفع التنوع البيولوجي البحري وخفض مستوى الانبعاثات في قطاع الأسماك بقرابة (15 %)، وإنشاء مجمع إقليمي لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وتأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف للإسهام في تقليل المخاطر الصحية الناتجة عن موجات الغبار بمبادرة سعودية؛ مع إنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب للإسهام في رفع مستوى الهاطل المطري بقرابة (20 %). حيث تم وضع هذه المراكــــز لتهيئة البنية التحتية اللازمة لحماية البيئة وخفض الانبعاثات ورفع مستوى التنسيق الإقليمي.
- كما قررت المملكة العربية السعودية إنشاء صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، ويبلغ إجمالي الاستثمار في هاتين المبادرتين ما يقارب (39) مليار ريال سعودي، كما ستساهم الرياض في تمويل قرابة (15 %) منها.
- فيما يتعلق بالتعاون المتعدد الأطراف، دعت القمة إلى تكثيف التنسيق والعمل المشترك للمحافظة على البيئة والغطاء النباتي في أفريقيا وتنميته، علاوة على تأسيس مؤسسة المبادرة الخضراء كمؤسسة غير ربحية مستقلة لدعم القمة ورفع مستوى التنسيق بين الدول المشاركة. كما اتفق القادة المشاركون في القمة على ضرورة العمل سوياً لصياغة خريطة طريق إقليمية، ومقاربة عمل لمواجهة تلك التحديات وصولاً إلى انجاز أهداف مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، لاسيما تحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة والحفاظ على التنوع البيولوجي فيها واستعادته على نحو يخدم المنطقة بصفة خاصة و دول العالم بصفة عامّة؛
- كما تم على هامش القمة إطلاق أول مشروع عالمي لاستخراج المياه من الهواء مع تشكيل فرق عمل تقنية مشتركة، ومواصلة التنسيق في إطار مبادرة الشرق الأوسط الأخضر كإطار عمل من خلال عقد هذه القمة بشكل دوري قصد وضع خطط تنفيذية كفيلة ببلوغ أهداف المبادرة.
GASMI Abdelssami
Junior Researcher
abdelssami@ifpmc.org
الهوامش:
[1] للمزيد حول القمة، ينظر الموقع الرسمي : https://bit.ly/3GLWSRM
[2] COP 26 official website : https://bit.ly/3EuA4Eq
[3] حكومات المنطقة ودول عالمية تدعم قمة السعودية لتخضير الشرق الأوسط، الشرق الأوسط، 26/10/2021، شوهد في 31/10/2021/ في : https://bit.ly/3pUcRYe
[4] كلمة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية العراقي علي علاوي في قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، يوتيوب، شوهد في 01/11/2021 في: https://bit.ly/3nNavaZ
[5] بيان رئاسي لقمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”.. أبرز النتائج، سكاي نيوز، 26/10/2021، شوهد في 01/11/2021/ في: https://bit.ly/3GJofMl