بيان رأي
على هامش مؤتمر دافوس
الهيكلية الجديدة للأمن في الشرق الأوسط
د. رنا خالد
رئيسة الباحثين والمدير التنفيذي
IFPMC-LONDON
MAY 2022
عقدت في اليوم الثاني لأعمال مؤتمر دافوس المنعقد في سويسرا جلسة مخصصة لمناقشة جدليات إعادة بناء وهيكلة الامن في منطقة الشرق الأوسط. الجلسة كانت محاولة لتتبع مواقف الدول العربية في قضايا الامن العالمي والنفط والطاقة والهجرة والاستقرار السياسي والاقتصادي.
شارك في هذه الجلسة كل من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ال سعود ووزير الخارجية الكويتي احمد ناصر المحمد الصباح ووزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي ومسرور البارزاني رئيس مجلس الوزراء في حكومة إقليم كردستان .
الجلسة تناولت محاور عديدة كان ابرزها كيف يمكن تصور الهيكل الأمني للشرق الأوسط
ولقد أجاب وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان ال سعود بانه من الصعب الإجابة القاطعة في تحديد اداء القوى الكبرى في ادارة الصراع العالمي والازمة الاوكرانية تحديداً.واضاف ايضاُ بأنه من الصعب تحديد شكل للهيكلية الأمنية لمنطقة معقدة الازمات مثل الشرق الأوسط ولكن بالتأكيد القواسم المشتركة للتنمية والرخاء هي الاطار العام لاي هيكل امني جديد للمنطقة . من جانبه اجاب وزير الخارجية الكويتي السيد احمد الصباح بالقول ( ان هيكلة أي بناء امني في المنطقة يجب ان ينطلق من أهمية المحافظة على مبادئ القانون الدولي لكي لا نخوض نحن شعوب الشرق الأوسط في تجارب مدمرة كما كان حدث في الماضي ). في حين اكد السيد مسرور البارزاني على مبدأ الشمولية في حل الازمات الدولية حيث أشار الى ان الازمة التي تحدث في مكان معين في العالم لا تبقى في هذا المكان بل سرعان ما تنتقل اثارها الى بقاع العالم المختلفة وهذه هي طبيعة العلاقات والترابط الدولي المعاصر. اما وزير الخارجية الأردني السيد ايمن الصفدي فقد تكلم عن مبدأ التعلم من الازمات سواء التي حدثت في الماضي والحاضر او التي ستحصل في المستقبل في سبيل بناء هيكل امني مستدام في المنطقة قادر على استيعاب الازمات المستقبلية ومعالجتها بطرق مستدامة .
هيكلية جديدة للأمن في الشرق الأوسط أصبحت واحدة من المتطلبات الملحة لتحديد موقف المنطقة من القضايا العالمية خاصة وان الشرق الأوسط يمتلك اليوم مفاتيح الصراع العالمي سواء في ما يتعلق بملف الطاقة او في ملفات السيطرة على الصراعات الإقليمية واثرها في بناء السلام العالمي وخاصة مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك العلاقات الإقليمية وخاصة العلاقات مع الرقم الإقليمي الصعب ايران وتأثيراتها.
الامن والتنمية
ان صياغة أي بناء امني جديد في المنطقة من الصعب تصوره في منطقة لا تزال تعاني من أزمات تنموية عميقة من أهمها الاستقرار والسيادة والامن الغذائي والديمقراطية وحقوق الانسان واحترام القوانين والتشريعات العامة والتوزيع العادل للثروات . فدول مثل العراق ولبنان سوريا تقع في قلب الشرق الأوسط ولكنها مناطق ساخنة مستعدة للأنفجار في أي لحظة مهددة بزلزال يقوض كل مساعي التنمية والرخاء المنشودة في المنطقة وهذا ما أكده الوزير الصفدي في معرض اجابته عن الحالة السورية حيث أشار الى “ان التساهل واهمال أي متغير في الامن العربي لن يؤثر على دولة بعينها بل ان سائر المنطقة سوف تتضرر”.
وبالتالي على دول المنطقة ان تعي هذه الجدلية الحاسمة المبنية على أساس المسؤولية المشتركة في مواجهة التحديات وان تعي جميع الأطراف ان أزمات الإرهاب او الجوع او الاضطرابات الداخلية او هيمنة القوى الكبرى على مصادر الطاقة هي مسؤولية هذه المنطقة والجميع شركاء في هذه المسؤولية وعليهم ترك اطر التفكير التقليدية لحل الازمات والتحديات والتفكير بصورة اعمق واشمل للخروج من عاصفة التغيرات العالمية ليس بمكاسب انية هشة كما حصل مع المنطقة مطلع التسعينات من القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي سرعان ما أدخلت المنطقة في دوامة صراع اخر ابان حرب العراق 2003، بل على المنطقة ان تعيد حساباتها وتوحد جهودها بحلول وأفكار وسياسات ذات اهداف عالمية وإنسانية ومبدئية مستدامة.
الديمقراطية وبناء السلام
الديمقراطية في المنطقة كانت املاً واعداً الا انه سرعان ما تحول الى كابوس من الفوضى والعنف والفساد. بالتأكيد لا يمكن تصور ان الحكم الشمولي الدكتاتوري هو الحل او انه محفز للتنمية والاستقرار بأي حال من الاحول ولكن الديمقراطية في الشرق الأوسط سمحت بتحكم القوى الراديكالية وبفساد السلطة وتعثر الاستقرار. الحالة في لبنان والعراق دليل واضح على مخاطر الديمقراطية ولكن التجربة تقول ان حتى تصحيح مسار الديمقراطية لا يعني انتهاء الازمة بل انه طريق من نار يقود الى اشتعال أزمات اكثر تعقيداً بل ويقود الى خندقة الجماعات والاضرار بالقانون والدستور. فقد أشار وزير الخارجية السعودي الى ان غالبية الشعب اللبناني قررت من وكيف تريد يكون شكل لبنان ولكن على القيادة السياسية اللبنانية التي ستنتجها نتائج الانتخابات ان تقرر فرض السيادة واحترام القانون وإعادة هيبة الدولة .
وبالنسبة للعراق تحدث السيد مسرور البارزاني عن ان العراق يمر بأزمة سياسية حادة وانه على الرغم من ان العراق انجز انتخابات ديمقراطية الا انه يفشل لحد الان من تشكيل حكومة . كما أشار الى الضغوط التي تتعرض لها أربيل باعتبارها جزء من التحالف الثلاثي الفائز في الانتخابات وأشار الى “أساس مشكلات العراق هو غياب العدالة والفقر والقرارات السيئة والحكم السيئ ” فقاطعته مديرة الحوارHadley Gamble (ولكن الحكم السيئ جعل بغداد رهينة لإيران) . كما أضاف بان العراق بحاجة الى تعاون المجتمع الدولي والى تضافر جهود الشركاء الدوليين والاقليميين ولكن دون المساس بسيادة العراق واستقلاله.
ان الديمقراطية السيئة متلازمة يعاني منها العديد دول الشرق الأوسط. والطريقة التي انتهى فيها حلم الديمقراطية في أفغانستان درس بليغ مع الأسف لا تستفاد منه الدول العربية او انها تقرأه من زوايا خاطئة تماماً . أفغانستان خسرت الديمقراطية عندما خسرت معركة بناء السلام وعندما اعتقدت ان الديمقراطية ستكون الحل السحري الذي سيشفي كل العلل البنيوية الملازمة لنشأت الدولة الهشة. لذلك اقتنعت ان القيادات المتعددة لدولة منقسمة على ذاتها سوف ترضي الجميع وقامت الولايات المتحدة بستر العيوب الكارثية لكي تطيل من امد مشروعها الفاشل قدر المستطاع ، ولكن القيادات الأفغانية صدقت المسرحية وانتهت أفغانستان الى نقطة الصفر مع مجاعة لا احد يكترث لها وعودة لأشد أنواع التشدد المتطرف في إدارة الدولة دون ان يهتز رمش للمجتمع الدولي.
بناء السلام يجب ان يكون هدف القيادات السياسية في العراق ولبنان وان تدرك هذه القيادات ان استخدام أدوات السجال الديمقراطي هو رفاهية لا تناسب الأوضاع في الشرق الأوسط بل انها تسمح للجماعات المسلحة بتحطيم سلطة الدولة وللتدخل الخارجي بانتهاك السيادة وبانتشار الفوضى الشعبية والظلم المجتمعي الذي يحطم أي بناء تنموي في المستقبل.
روسيا والحرب في أوكرانيا
خيمت أجواء الحرب على مجمل اعمال مؤتمر دافوس ولكن موقف دول منطقة الشرق الأوسط من التحدي الروسي عموماً وتأثيرات الحرب في أوكرانيا على المنطقة خصوصاً كان محور الحديث في اغلب جلسات المنتدى . وفيما يخص موضوع علاقة روسيا بالشرق الأوسط فان الغرب بدأ يستشعر ابتعاد سفن المنطقة عن التحالفات التقليدية التي سادت منذ منتصف القرن الماضي وشكلت ثوابت وحتميات في العلاقات الدولية والإقليمية. الا ان واشنطن تتحمل المسؤولية في تغير المواقف حيال سياستها في المنطقة حيث انها اثبتت ان اهم عيوب السياسة الخارجية الامريكية هي سطحية الحلول والسياسات في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط. إضافة الى انعكاس الانقسام السياسي الداخلي في واشنطن على علاقاتها في المنطقة والذي أصبحت درجة التفاوت فيها شديدة وتهدد مستقبل العلاقات الامريكية مع حلفائها التقليديين عبر العالم.
ولقد أشار وزير الخارجية السعودي في معرض اجابته عن السؤال الذي وجه اليه حول تقييم أداء الولايات المتحدة للازمة الأوكرانية بان الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن ان تكون (ب نعم أولا ) بل لابد من تقييم كامل للمخاطر والفرص من في هذه الازمة والاهم هو ” كيف يكون لدينا ايمان وثقة في النظام العالمي بصورة عامة “،واشارة الوزير السعودي الى الثقة هو تعبير عن جوهر الخلاف بين المملكة العربية السعودية مع واشنطن والغرب عموماً.
واذا كانت الولايات المتحدة تريد ان تكسب حلفاء حقيقيين وشركاء انداد في الشرق الأوسط عليها ان تحترم القانون الدولي ولا تتعامل على أساس الكيل بمكيالين في قضايا المنطقة ولا تشجع مبدأ التعامل مع الأقوى في الشرق الأوسط على حساب استقرار شعوب المنطقة كما تحاول اليوم . ولقد أشار وزير الخارجية الكويتي الى ان (موقف دول المنطقة من حصار روسيا يجب ان يستند الى مبدأ أساسه ان انتهاك القانون الدولي بالقوة امر مرفوض ولا يجب ان ننساق الى قانون الغاب او الفوضى ) .
النفط سيد الموقف
واختتمت الجلسة الحوارية التي جرت على هامش قمة دافوس2022 بالسؤال الأهم الا وهو دور الطاقة في الصراع العالمي حيث جاء السؤال مباشراً الى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ال سعود عن ما يمكن ان تقوم به إدارة بايدن لأقناع المملكة العربية السعودية برفع انتاج النفط لتغطية ارتفاع الطلب ؟ والحقيقة ان السؤال كان ملخص للعلاقات السعودية الامريكية حيث ان واشنطن اعتادت ان تتحكم في سياسات أوبك+ من خلال الضغط على حلفاءها المنتجين الرئيسيين . الا ان الوضع تغير منذ اكثر من عام حيث أصبحت السعودية وروسيا تنسق سياسات الإنتاج ، ولقد سبق ان طالب الرئيس بايدن بصورة مباشرة من المملكة العربية السعودية ان ترفع انتاج النفط لتهدئة الأسواق خلال قمة مجموعة العشرين نهاية 2021 الا ان مطالب واشنطن لن تلقى أي اهتمام يذكر.
وهذه المرة أيضا تحاول الإدارة الامريكية تغيير سياسات المنتجين في أوبك لتخفيف الضغط المسلط عليها من الحلفاء الأوربيين الذين باتت حزم العقوبات على روسيا تخنقهم اكثر من اعدائهم وأصبحت مسألة الطاقة حاسمة في الصراع مع روسيا فهي الورقة الأخطر التي تضغط بها على حلفا الولايات المتحدة. وبالتالي فان مفاتيح الحرب أضحت بين قرارات المنتجين في الشرق الأوسط الذين لم يعودوا راغبين بالانصياع الفوري لسياسات البيت الأبيض دون ان تكون هنالك ضمانات توافقية على سائر القضايا العالقة الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية. وهذا ما اكدة الوزير السعودي في معرض اجابته التي اكد فيها (ان موضوع زيادة انتاج النفط يجب ان ينظر اليه بصورة متوازنة ليس لخدمة بعض القوى بل لخدمة سائر المجتمع الدولي ). كما اكد (ان السعودية تعمل مع كل الشركاء أوبك لدعم استقرار السوق النفطي).
ورغم محاولة المملكة العربية السعودية التأكيد على ان الدول أوبك موحدة في مواقفها حيال الضغوط الامريكية والغربية الا ان الواقع ربما يشهد تغير في المواقف بعد الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن الى المنطقة منتصف حزيران الجاري إضافة الى نية الكونغرس التصويت على مشروع قانون معاقبة الاحتكار المعروف بNOPEC والموجه ضد دول مجموعة أوبك تحديداً، كما ستسعى الولايات المتحدة الى تفتيت أوبك من الداخل والعمل على توسيع الاختلافات في وجهات النظر للمنتجين الرئيسيين والذين لطالما كانت لديهم اعتراضاتهم على سياسات الإنتاج التي لا تراعي حاجات الجميع.
البناء بعد الهدم
ان فكرة إعادة تشكيل المنظومة الأمنية في الشرق الأوسط لطالما لازمتها فكرتين :
الأولى- هي ان أي الشرق الأوسط كان دائماً متلقي للنتائج والهزات الارتدادية لعواصف التغيير العالمي وهو مستعد لتقديم القرابين في محرقة صعود وسقوط القوى الكبرى .
الثانية- هي ان الهدم الذي تتعرض له المنظومات السياسية والفكرية في المنطقة تنشأ عنه أخرى مشوهة وهشة تعيش لفترة ثم تنهار مخلفة أوضاع كارثية . ويمكن اثبات تلك الفكرتين بمجرد تمريرها بكل فترات التغير العالمي التي مرت على المنطقة سواء مرحلة الحربين العالميتين الأولى و الثانية او مرحلة الحرب الباردة وما بعدها.
الا ان الأصوات أصبحت قوية في الشرق الأوسط للتخلص من دور التابع وعدم امتلاك زمام السيطرة على تداعيات الاحداث. وفي هذا السياق دارت مناقشة أخرى جرت في اليوم الأول لافتتاح دافوس2022 تناولت موضوع البناء الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا “Middle East and North Africa Economic Outlook” ولقد تحدث في هذه الجلسة السيد (آلان بجاني) الرئيس التنفيذي لمجموعة الفطيم التجارية عن أهمية ان تعي منطقة الشرق الأوسط انها كتلة اقتصادية واحدة كبيرة تمتد من شمال افريقيا الى باكستان. وقال “ان اهم فرصة ضائعة هي ان الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا تتحول الى كتلة اقتصادية”.. وأضاف “اننا ما لم نصل الى نقطة نصبح فيها منطقة واحدة فانه سيكون دائماً من السهولة ضرب هذه المنطقة وتهشيمها “[1].
كلام السيد بيجاني حمل رؤية واضحة لأمن المنطقة أوضح بكثير من القادة التنفيذيين في الشرق الأوسط الذين لازالوا يصرون على رؤية الحدود الجامدة في المنطقة ويخشون تخطيها انهم وارثون حقيقيون لكل بديهيات العلاقة بين الشرق الأوسط والغرب. وعليه فان أي بناء للأمن والسلام في المنطقة لن يكون ناجحاً ومستداماً ما لم يمر عبر هدم تلك العلاقات والمحددات التي رسمت علاقة التبعية للمنطقة مع قادة الصراع العالمي دون ان تقدم الفرص والمنافع.
DR.RANA KHALID
Executive & Senior Researchers
المصادر
(1)https://www.weforum.org/events/world-economic-forum-annual-meeting-2022/sessions/a-new-security-architecture-in-the-middle-east
(2)The Business , Davos 2022: Gulf shines amid uneven outlook for Middle East and North Africa
https://www.thenationalnews.com/business/2022/05/23/davos-2022-gulf-shines-amid-uneven-outlook-for-middle-east-and-north-africa/