الطريق نحو التعافي… آفاق الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الوباء

Related Articles

الطريق نحو التعافي… آفاق الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الوباء

الباحث :قاسمي عبدالسميع

IFPMC-LONDON 

Abril 2021

مقدمة:

أصدر صندوق النقد الدولي هذا الشهر تقريرا خاصاً يتعلق بآفاق الاقتصاد العالمي، تناول فيه مجموعة من المختصين الأزمة الراهنة التي يعيشها الاقتصاد العالمي والتي تسببت فيها جائحة كورونا وما تبعها من خسائر واجراءات وقائية أدت لركود الاقتصاد العالمي والاقتصاديات الوطنية بما فيها الاقتصاد العراقي.  كما قدّم التقرير جملة من التوصيات والتوقعات تتعلق بإدارة مرحلة ما بعد الوباء على نحوٍ يحقق التعافي الاقتصادي لكل دول العالم.

يستعرض هذا التقرير بالسرد والتحليل أهم ما جاء في التقرير مع التركيز بشكل خاص على المحاور المتعلقة بالعراق ومنطقة الشرق الأوسط.

  1. نبذة حول التقرير

تقرير آفاق الاقتصاد العالمي هو عبارة عن مسح يقوم به مجموعة من المتخصصين والباحثين بصندوق النقد الدولي ، يتم نشره مرتين كل سنة، في الربيع والخريف. وتكمن أهمية التقرير في حجم المعلومات والبيانات الاحصائية والاستشرافية التي يتضمنها حيث يتم تحضير التقرير من قِبل موظفين متخصصين في المجال الاقتصادي والمالي قبل أن يتم عرضه للنقاش والتحليل على المدراء التنفيذيين.

تضَّمَن التقرير في نسخته الصادرة بداية هذا الشهر أربعة فصول رئيسة حاول من خلالها التقرير تناول أهم القضايا الاقتصادية العالمية لا سيما انعكاسات جائحة كوفيد-19 وآفاق احتوائها والتخطيط لمرحلة ما بعد الوباء. وقد جاءت الفصول الأربعة كالآتي :

  • آفاق وسياسات عالمية
  • مرحلة ما بعد تداعيات وباء كوفيد-19: توقعات الخسائر الاقتصادية على المدى المتوسط
  • الركود والتعافي في سوق العمل : نماذج ، سياسات وخطط للاستجابة لتداعيات كوفيد-19
  • تغيير السرعة : تداعيات السياسة النقدية أثناء مرحلة التعافي من جائحة كورونا.

  1. سياقات اصدار التقرير:

   لا شك أن أهمية التقرير في نسخته الأخيرة تتمثل أساساً في السِّياق الاستثنائي الذي أُصدِر فيه؛ حيث أنه يأتي بعد سنة من انتشار فيروس كوفيد-19 وبداية جائحة كورونا واجراءات الحجر الصحي العالمي الذي فرضته جلّ دول العالم بما فيها العراق. هذه الإجراءات التي خلّفت تداعيات اقتصادية كبيرة لاسيما  على الدول ذات الدخل المتوسط والضعيف [i].

كما يأتي التقرير في ظل تحولات اقتصادية وجيوسياسية مهمة، من بينها عودة الولايات المتحدة لاتفاقية المناخ[ii]، وتأكيد عدة فواعل على رأسهم منظمة الأمم المتحدة على ضرورة التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتعزيز التعاون التكنولوجي على نحو يخلق مناصب شغل مستدامة مثلما هو تم التسطير له ضمن أهداف التنمية المستدامة 2030.

  1. أهم ما جاء به التقرير:

في فصله الأول، أكدّ التقرير على أن العالم في طريقه للتعافي من تداعيات جائحة كورونا غير أن وتيرة التعافي تبقى مرهونة أساساً بمدى سرعة ونجاعة انتاج لقاح مضاد للفيروس. كما يشير ذات الفصل أن الاقتصادي الصيني استطاع التعافي اضافة لعودة ناتجه الداخلي الخام إلى مستواه الطبيعي سنة 2020، بينما الولايات المتحدة هي قيد اجتياز مرحلة الوباء وسيعود ناتجها الداخلي الخام الى وضعه الطبيعي هذه السنة، في حين أن دولاً أخرى عديدة لن تعود إلى مستواها الطبيعي حتى مطلع 2022 و[iii]2023.

التبايُن في التعافي من تداعيات جائحة كوفيد-19، سيخلق حسب التقرير فجوة كبيرة في مستوى العيش بين الدول النامية والدول المتقدمة وبنسبة أكبر من تلك التي كانت متوقعة قبل جائحة كوفيد-19. حيث أن ذلك سيزيد من نسبة الفقر بالعالم ويقدر التقرير أن عدد الفقراء قد زاد ب95 مليون سنة 2020 بينما 80 مليون أصبحوا يعانون من سوء التغذية.

في الفصل الثاني، يؤكد التقرير أنه رغم صعوبة الوضعية الاقتصادية الراهنة التي يعرفها العالم؛ فإن تداعيات جائحة كورونا المتوقعة على المدى المتوسط لن تكون أكثر سوءاً من التداعيات التي خلّفتها الأزمة المالية العالمية سنة 2008 على الاقتصاد العالمي[iv].

أما في فصلِه الثالث، أشار التقرير أنه من المتوقع أن تزيد الفوارق الاجتماعية بالدول النامية، حيث يتوقع أن تزيد الفوارق في الأجور أساساً، خصوصاً وأن فئة الشباب والعاملين ذوي المهارات المحدودة يعدون من بين أكثر المتضررين في سوق العمل في ظل الجائحة سواءً في أسواق العمل المتطورة أو النامية. علاوةً على ذلك، تبقى نسب توظيف المرأة محدودة مقارنة بالرجل، وهو ما يزيد من درجة اللامساواة. ويصف التقرير كيف أثرت الجائحة على واقع العمل والشغل، حيث أثرت بشكل كبير على قطاعات العمل التقليدية التي خسر عمالها وظائفهم بينما أسهمت في صعود القطاعات التي تعتمد على الرقمنة أساساً والتي عرفت نجاحاً بحكم التباعد الاجتماعي الذي جعل من الاعتماد عليها ضرورةً وحتمية[v].

إضافة لذلك، تناول التقرير في الفصل الرابع أهم التداعيات المتوقع تأثيرها على السياسة النقدية في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء. إذْ أكدّ التقرير على ضرورة تكثيف الجهود في مجال مكافحة التهرب الضريبي والتحويل الغير المشروع للأموال. إضافة لذلك يرى الفريق المشرف على التقرير أن انعكاسات الأزمة الصحية على الوضع النقدي في عديد دول العالم وخصوصا الولايات المتحدة، بحكم المصاريف الإضافية الغير مخطط لها التي تطلبتها مكافحة الوباء وهو ما يستلزم سياسة جبائية خاصة لتدارك الوضع واحتواء أي أزمة قد تنتج عن ذلك[vi].

  1. العراق في التقرير

لم يركز التقرير بشكل كبير على العراق كونه جاء ليسلط الضوء على الاقتصاد العالمي بشكل عام؛ وقد قسّم التقرير اقتصاديات العالم إلى صنفين :

  • الاقتصاديات المتقدمة Advanced economies؛
  • الاقتصاديات النامية Developping economies؛ وهي الفئة التي ينتمي لها العراق[vii].

في المقابل، وفي معرض سرده لبعض المؤشرات المعتمدة في التقرير؛ قدّم التقرير أرقاماً تمت ترجمتها في الأشكال الموضحة أدناه.

فيما يتعلق بالناتج الداخلي الخام، يوضح الشكل 01 معدل التغير السنوي للناتج الداخل الخام، والتوقعات التي وضعها صندوق النقد الدولي في سياق الأزمة الصحية الراهنة. هذه الأخيرة التي تسببت في تراجع حجم الناتج الداخلي الخام بنسبة 10.9% سنة 2020، غير أنه من المتوقع أن يتعافي السنة الحالية، وسيواصل على نفس المسار سنة 2022 مقابل تراجعه مجدد سنة 2026 بنسبة 1.1%.

الشكل 01. معدل التغير السنوي للناتج الداخلي الخام العراقي

الشكل 02 أدناه، يبين معدل التغير في الاسعار الاستهلاكية بين 2003 و2026، وعلى نحو يتناسب مع الشكل 01. سنة 2020 عرفت ارتفاعاً حاداً في الاسعار الاستهلاكية هو الأعلى منذ سنة 2003، حيث سجلت أسعار المواد الاستهلاكية صعوداً بنسبة 9.4%، وذلك يعزى أساساً لجائحة كوفيد-19 وتداعياتها على الاقتصاد العراقي وحركية التجارة والسلع. في مقابل ذلك، من المتوقع أن تعرف الأسعار الاستهلاكية انخفاضاً معتبراً سنة 2021 بنسبة 1.9% وسنة 2022 بنسبة  5.5% مقابل ارتفاعها مجدداً بنسبة 1.2% سنة 2026.

الشكل 02. معدل التغير في الاسعار الاستهلاكية في العراق بين 2003-2026

 

خلاصة:

جاء تقرير صندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي بعد سنة تقريباً من بداية تفشي فيروس كوفيد-19 ومباشرة اجراءات الحجر الصحي التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية. في خضم ذلك، حاول التقرير ابراز أهمية المرحلة الحالية التي تعرف بداية انتاج تلقي اللقاح وتعافي عدة اقتصاديات من تداعيات جائحة كورونا على غرار الصين، وقد ربط التقرير مسألة تعافي الاقتصاد العالمي بمدى تسريع وتيرة انتاج وتوزيع اللقاح.

أوصى التقرير بضرورة استغلال المرحلة الحالية ومباشرة تغييرات جادة وعميقة في المجال الاقتصادي عبر التحول التدريجي نحو الاقتصاد الأخضر اضافة لاعتماد التكنولوجيا بشكل أوسع في جميع مناحي الحياة.

فيما يتعلق بالعراق، أبرز التقرير مجموعة من الأرقام حول الناتج الداخلي الخام وارتفاع الاسعار الاستهلاكية التي أظهرت مدى حجم تأثر العراق بتداعيات جائحة كورونا سنة 2020 بينما توقّع التقرير أن يتعافى الاقتصاد العراقي السنوات المقبلة.

الهوامش:  

[i] World Economic Outlook: Managing Divergent Recoveries, IMF, (USA: Washington DC), April 2021, p. xiii

[ii] US makes official return to Paris climate pact, The Guardian, 19/02/2021, accessed on 27/04/2021 at : https://bit.ly/333KA4B

[iii] World Economic Outlook: Managing Divergent Recoveries, op.cit, pp. 1-41

[iv] Ibid., pp. 43-60

[v] Ibid., pp. 63-79

[vi] Ibid., pp. 81-97

[vii] Ibid., p. 138

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories