البذور السوداء ..خراب الارهاب عوضاً عن ثمار التنمية الزراعية 

Related Articles

 

البذور السوداء

خراب الارهاب عوضاً عن ثمار التنمية الزراعية 

  بحث حول: تاثير المجاميع والمليشيات الارهابية على التنمية في العراق  

الباحث ريميل صومو

البحث الفائز بالمرتبة السابعة في جائزة (هشام الهاشمي للباحثين الشباب)

IFPMC_LONDON

2020

المُقَدِّمَة:

جَذَبَت المياه العَذْبة في بلاد الرافدين (العراق حاليًا)، المُتَمَثِّلة بنهري دجلة والفرات، وتَنَوَّع المناخ، وخُصوبة الأرض، الإنسان لِكَيْ يستَقَرَّ في هَذِهِ البُقْعَة، شرق الهلال الخصيب، وإِبْتَدَأَ يَزْرَع ويجمع الغِلال ويُدجِّن الحيوانات؛ مِمَّا قادَ ذَلِكَ إلى إزدِهَارٍ إقتِصادي، صاحَبَه التَنظيم السِياسي والإهتمام العِلمي، فتكوَّنَت الحَضارات الرافدينية.

كنَتيجة طَبيعيّة لقِدَم الزِراعة، إكْتَسَبَ الإنسان العراقي المَعرِفة التقليديّة، والتي هِيَ نِتاج حَضاري وحَصيلة تاريخيّة لِتفاعُل أبناء المجتمعات المَحَلِّيَّة المُختلفة، مَعَ بيئاتهم المُحيطة، ومَعَ مَواردهم المَحَلِّيَّة؛ من أجل إشباع حاجاتهم الأَسَاسِيّة، وكذلك التعبير عَن رؤاهم الحَضاريّة، وتَلبية حاجاتهم الروحيّة، بالإضافَةِ إلى تَشكّل تُراث تِقني غَني، هوَ خُلاَصة خِبرة هَذِهِ الأجيال المُتعاقبة.

الزِراعة التي كَانَت إحدى أَهَم عَوامِل التنمية وقِيام الحَضارة في الماضي، لَم تَعد كذلك في الحاضر؛ وذَلِكَ لعِدّة أَسباب، منها: إعتماد الإقتِصاد العراقي عَلَى النفط كمَصدَر وحيد للثَروة، وإهمال القِطاعات الأُخْرَى، ومنها القِطاع الزِراعي، تَهديد الأمن المائي إِمّا من المَجَاميع الإرهابيّة، أو من السِياسة السَلبيّة للدُوَل المُجَاوِرة، التي تَنبع منها مياه الأنهار العراقيّة. عزوف الفَلاح العراقي عَن الزِراعة، وبَحثه عَن مِهَنٍ أُخْرَى؛ لأَنَ المُنتَجات الزِراعيّة المَحَلِّيَّة غَير مَحميّة من مُنافَسة مَثيلاتها المُستَورَدة من دُوَل الجِوار وغَيرها. دَفَعَ الإرهاب وعَدَم الإستقرار الأمني إلى تَراجُع الإستثمار المَحَلِّي، وهُروب الإستثمار الأجْنَبي في هَذَا المَجال التَنمَوي، وغَيرها من الأَسباب.

غِياب سُلطة القانون يُشجع المَجَاميع الجِهادية، والمليشيات المُنفلتة المُوازية للدَولة، عَلَى بسط سَيطَرتها، وعَرقلة التنمية بنَشر الخَوف والإرهاب، فالإرهاب في جَوهَره مُخالَفة للقانون، وخُروج عَلَيه، وتَجاوز لِقَواعِده ونصوصه. وتُعرّف الولايات المُتحدة الأمريكية الإرهاب بإعتباره:”الإستِخدام المُتعمّد للعُنف، أو التَهديد المُتعمّد بالعُنف لبَث مَشاعر الخَوف؛ بهَدَف إجبار أو تَرويع الحُكومات أو المُجتمعات.” في المُقابِل، تُعرّف المملكة المُتحدة الإرهاب بإعتباره:”إستِخدام أو التَهديد بإستخدام العُنف المُفرِط ضِدّ أي شَخص أو ضِدّ الممتلكات؛ بهَدَف الدفع قُدمًا بتوجهٍ سِياسي أو ديني أو أيديولوجي.”

وفقًا للتعريفين، لا يُمْكِنُ القَول أن صِفة الإرهاب تَنطَبق عَلَى التَنظيمات الجِهاديّة فقط؛ بَل عَلَى كل مَجموعة تكتم الأصوات، وتَستَخدم العُنف تجاه الأشخاص والممتلكات، مِثل المليشيات العقائدية المُمَولة إقليميًا، والمُوازية للقوّات الأمنيّة العراقيّة. وهكذا، باتَت واضحًة المُنطلقات الدينية لهَذَا النوع من الإرهاب، الذي يَحمل سِمات جَوهريّة:

  • أولاً: يمتلك الإرهاب الديني وَظيفة سامية أكثَر من كَونها وَظيفة سِياسيّة؛ إذ “يُنفَّذ في إستجابة مُباشرة لإملاء أو طَلَب لاهوتي.”
  • ثانيًا: عَلَى عَكس الإرهابيين العَلمانيين، يَسعى الإرهابيون الدينيون عادةً إلى “القَضاء عَلَى فِئات من الأعداء لَها تَعريفات واسِعة”، ولا يَردَعهم إحتمال الأثر العَكسي السِياسي لعَمَليّات القَتل العَشوائي.
  • ثالثًا: لا يَسعى الإرهابيون الدينيون لأن ينالوا إعجاب أي قَاعِدة شَعبيّة سِوَى أنفسهم.

في هكذا مَناخ يَسُودُه الإرهاب الديني، لَن تزدهر المَجالات كافّة، بَل سَتَتأثر بشكلٍ سَلبي آنيًا، ولاحقًا بأثرٍ رجعي، وسيَتَطلب رفع دَمار الإرهاب وقتًا وجهدًا حَتَّى بَعدَ زَواله؛ لتعود عَجلة التنمية للدوران بصورةٍ طَبيعيّة.

أمن الماء يُقابل أمن الغِذَاء:

هُناك إرتباط وَثيق بين المياه والأمن الغِذَائي، فالزِراعة هِيَ أكْبَر مُستخدم للماء عَلَى الإطلاق، إذ تَحصل عَلَى 69% من جَميع كَمّيّات المياه المَسحوبة في العالَم بأكمله، وعَلَى أكثَر من 80% من هَذَا المَجموع في البُلدان النامية1.

يُشكِّل الأمن المائي العراقي جُزءًا لا يتَجزأ من الأمن المائي لدُوَل المنطقة، وهوَ أكثَر إلتصاقًا بالأمن المائي السوري، وما تَعَرَّضَت له سوريا من عَمَليّات عَسكَريّة وإرهابيّة حَول سدودها شكّلت خَطَرًا مُضافًا إلى مخاطر الهجمات الإرهابيّة العديدة التي تَعَرَّضَت لَها السدود والسدّات العراقيّة، وهِيَ كلٍّ من: سد الموصل، سد حديثة، سد العظيم، سد حمرين، سدّة الرمادي، سدّة الفلوجة، سدّة سامراء، سدّة ديالى. يُؤَمِّن سد الموصل لوَحده، المياه لمِساحة تَقترُب من ثلاث ملايين ونصف الدونم، من الأراضي القابلة للزِراعة عَلَى جانبي نهر دجلة، في مُحافَظات نينوى وبغداد وصلاح الدين وواسط وذي قار وميسان والبصرة. وتُؤَمِّنَ سدّة الفلوجة المياه، بمنسوبٍ مُلائِم لمَشروع ري الصقلاوية، ليتحقَّق تصريفًا مقداره 26 م3 / ثانية؛ وذَلِكَ لإرواء مِساحة زِراعيّة قدرها 230 ألف دونم.

تَعْتَمِدُ الزِراعة في شَمال العراق عَلَى مياه الأمطار بصورةٍ رَئيسيّة، فالأراضي الدَيميّة البالغة حَوالي 11 مَليون دونم، تُشكِّل 97% من مَجموع المُحافَظات الشَماليّة، وحِصّتها من التَساقط لا تَقل عَن 75% من مَجموع كَمّيّة الأمطار المُتساقطة فوق العراق سنويًا، بينما تحتاج الزِراعة في وَسَط وجَنوب العراق إلى الري المُنتظَم؛ لعَدَم كِفاية الأمطار المُتساقطة، وهَذَا يَشمل المَناطِق الواقعة عَلَى نهر الفرات بصورةٍ عامّةٍ؛ ولذلك يتم الإعتماد عَلَى إطلاقات المياه من الخزانات خَلف السدود كمَورِد مائي في تِلكَ المَناطِق، وبدون هَذِهِ الإطلاقات سيَحوم شَبَح الجفاف في وَسَط وجَنوب البلاد، وستزداد فُرص التصحر، الذي يُهدد 92% من مِساحة البلاد سلفًا.

سَيطَر تَنظيم الدَولة الإسلامية – داعش عَلَى سد الموصل، بَعدَما إنسَحَبَت قوّات البيشمركة منه دون قِتال بتاريخ 7 / 8 / 2014، لَكِن التَنظيم لم يهنَأ بالسَيطَرة عَلَيه1 نَقص الأغذِيَة في مُختلف أنحاء العالَم، منظمة الأغذِيَة والزِراعة: http://www.fao.org/3/j0083a/j0083a05.htm

طَويلاً، فقد طُرد منه مِنْ قِبَل قوّات البيشمركة نفسها مَعَ غِطاء طَيَران التحالُف الدَولي بَعدَ عَشرة أيّام، مما حَوّل مَوقِع السد إلى ساحة مَعرَكة، وتَعَرَّضَ جِسم السد لإهتِزازات قَويّة.

إستَعمَلَ التَنظيم المياه كتَكتيك وأداة حَرب ضِمن عَمَليّاته الإرهابيّة، فقد نَشر شائِعات تُفيد بأن الحُكومة العراقيّة كَانَت تؤخر مدفوعات المَحاصيل، وقَطع إمدادات المياه إمّا لتَهجير السكان كَمَا حَدَثَ في سهل نينوى، أو لإجبار المزراعين عَلَى التخلي عَن أراضيهم الزِراعيّة، كَمَا خطط التَنظيم أن يستعمل نَقص المياه كمَنصّة لحَملة جَديدة لتَجنيد المُقاتلين. وعندما كَانَ تَنظيم الدَولة يُسَيطر عَلَى سدّة الفلوجة، قامَ بإغلاق ناظِمها في أوائل نيسان من سَنة 2014؛ لبلوغ هَدَفين مُحدَّدين:

  • أولاً: التَضييق عَلَى المُحافَظات الجَنوبية ذات الأكثَريّة الشيعية، بمَنع وصول المياه لَها، أدّى ذَلِكَ إلى نَقص كَبير جدًّا في المياه في مُحافَظة النجف عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، وهوَ ما دَفَعَ الحُكومة المَحَلّيّة إلى إتّخاذ إجراءات عاجِلة لِتَجنّب قَطع المياه عَن المُحافَظة، مما يؤثر عَلَى الزِراعة بشكلٍ كَبير في تِلكَ المُحافَظات، كَونها تَعْتَمِد عَلَى المياه السَطحيّة (الأنهار).
  • ثانيًا: إغراق المَناطِق المُجَاوِرة للفلوجة، والتي تَخَضَّع لسَيطَرة الجَيش، سُرْعَانَ مَا أدّى ذَلِكَ إلى تَعطيل سَير حَرَكة مَركَبَات الجَيش، وتحجيم العَمَليّات العَسكَريّة.

أصبحَ واضحًا أن تحكُّم المَجَاميع الإرهابيّة عَلَى الأمن المائي، يَعني التحكُّم بالأمن الغِذَائي، أي الزِراعة، ونَقص المياه سيُؤَدِّي إلى نَقص غِذَائي في الأجل القَصير، وإلى إنعدام الأمن الغِذَائي في الأجل الطَويل أيضًا، وبالتالي القَضاء التام عَلَى أي فُرصة تَنمَويّة زِراعيّة.

التَراجُع الزِراعي بفِعْل التأثير الإرهابي:

عندما وَقَعت مَناطِق شاسِعة في شَمال وغَرب العراق، تحتَ سَيطَرة تَنظيم الدَولة الإسلامية – داعش، وَضَعَ يَده عَلَى مَواردها؛ لإستِخلاص الفائِدة القُصوى منها، وتَحكَّم بأراضٍ زِراعيّة يتم فيها إنتاج حَوالي 40% من مَحصول الحِنطة الإستراتيجي في العراق، ومُحافَظة نينوى وَحدها مَسؤولة عَن إنتاج 27% من الحِنطة، وصادَرَ مَليون طُن من الحُبوب بَعدَ حَصاد 2014 إلى سوريا، ورَفَضَ دَفع مَبلَغ يُقدر بـ200 مَليون دولار لحَوالي 400000 مُزارِع. كَمَا إستَولى التَنظيم عَلَى المُعدّات الزِراعيّة، والتي تُقدّر بحَوالي 290 حاصِدة و2600 جَرّار و7488 آلة زِراعيّة أُخْرَى في مُحافَظة نينوى، وقامَ بتَحوِيل مواد كيميائيّة زِراعيّة ومُبيدات وأنابيب ري إلى أسلِحة وعُبُوَّات ناسِفة، وجَعل من صَوامِع خزن الحُبوب أبراجًا للمُراقَبة، ونَهَبَ الثَروة الحَيوانيّة أيضًا، حيث إنخَفَضَت أعداد الدَواجِن بنِسبة 90% عما كَانَت عَلَيه سابِقًا، والأغنام مَع الماعز بنِسبة 80%، والأبقار بنِسبة 50%، وحَتَّى الأسماك إنخَفَضَت بنِسبة 20 – 80%. تَعَمَّدَ التَنظيم الإرهابي إحداث أكْبَر ضَرَر مُمكِن، عَلَى القِطاع الزِراعي، بَعدَ هَزيمته المَيدانيّة، كتَخريب أنظِمة الري، غِياب الدعم الحُكومي، النَقص الحاد في المُبيدات والبُذُور الجيِّدة، هَذَا أدّى لتُصبح حَوالي 70 – 80% من أراضي مَحاصيل الحِنطة والشَعير والذُرة، في مُحافَظة صلاح الدين، أرضًا غَير صالِحة للزِراعة، كَما تضَرَر ما يُقارب 32% من مَجموع أراضي مَحصول الحِنطة، فالتَنظيم خَطَّطَ لتَعطيل الزِراعة في مَليون فَدّان عَلَى المَدَى الطَويل. وحاوَلَ الإرهابيون نَشر المَزيد من الفَوضى، بإعادة بَيع وتَوزيع بَعض الأراضي الزِراعيّة؛ من أجل خَلق عَراقيل تَحول دون عَودة الوَضع إلى طَبيعته.

لا يُمْكِنُ إغفال حَوادِث حَرَائِق المَحاصيل الزِراعيّة، في مَناطِق مُختلفة من العراق، فمُديريّة الدِفاع المَدَني في العراق، أعلَنَت في بَيانٍ لَها أن عَدَدها بَلَغَ 272 حَريقًا، تَوَزَّعَت أسبابها ما بين 74 حَريق ناتِج عَن عَطَب أسلاك كَهربائيّة، و35 حَريق مُتعمّد، 25 حَريق بِسَبَبِ شَرارة نار من الحاصِدة، 22 حَريق بِسَبَبِ رَمي أعقاب السجائر المُشتعِلة، 32 حَريق مَصدَره نار خارِجيّة، و84 حَريق مَجهول السَبَب.”2

2 العراق، الدِفاع المَدَني يوضح أسباب الحَرَائِق، العربية.نت.

تسَبَّبَ الإرهاب في تَراجُعٍ حاد للتنمية الزِراعيّة في عِدّة مَناطِق، وأثر عَلَى 3 مُكوِّنات عراقيّة، نِسبة كَبيرة من أبناءها يَشتَغِلون بالزِراعة:

  • منطقة سهل نينوى: أُعتبر السهل ضِمن المَناطِق المُتنازع عَلَيها، بين الحُكومة الإتّحادية وإقليم كُردستان، بَعدَ سَنة 2003؛ ليُحوله هَذَا الصراع إلى منطقة قَلِقة أمنيًا، ومَجهولة المُستقبل الجيوسِياسي، وجَعله فَريسةً سَهلة تحتَ سَيطَرة تَنظيم الدَولة الإسلامية – داعش بتاريخ 6 / 8 / 2014، وكَانَت نَتيجة هَذِهِ السَيطَرة تَهجيرًا قَسْريًا لقسمٍ كَبير من أبناء المُكوِّن المَسيحي (الكلدان/السريان/الآشوريين) والأرمن، والقسم الآخر بين أيدي عناصر التَنظيم؛ مما أدّى إلى إبادةٍ جَماعيّة رَصَدتها “منظمة شلومو للتوثيق”، بَعدَ مُطابَقة ما حَدَثَ وفق المادّة الثانية من (إتّفاقيّة مَنع جَريمة الإبادة الجَماعيّة والمُعاقبة عَلَيها)، الصادرة بقَرَار الجَمعيَة العامّة للأُمَم المُتحدة 260 (د-3) بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 1948.

قامَت “منظمة شلومو للتوثيق” بإحصاء عَدَد وكُلفة المَشاريع الزِراعيّة المُتضررة أيضًا، في القُرى والبَلدات المَسيحيّة في سهل نينوى، بَعدَ سَيطَرة التَنظيم، وكَانَت 1070 مَشروعًا، بكُلفة تَقريبيّة تُقدّر بـ136.944.000.000 دينار عراقي، التَفاصِيل في الجَدوَل التالي:

التَسَلسُل المنطقة المَشاريع الزِراعيّة
العَدَد المَبلَغ بالدينار العراقي
1 قره قوش (بغديدا) 680 93.902.000.000
2 برطلة 88 14.543.000.000
3 كرمليس 124 14.096.000.000
4 تلكيف 37 4.377.000.000
5 تللسقف 27 871.000.000
6 باطنايا 81 4.056.000.000
7 بعشيقة وبحزاني 33 5.099.000.000
المَجموع 1070 136.944.000.000

جَدوَل للمَشاريع الزِراعيّة المُتضررة في سهل نينوى، والمُوَثَّقة حَتَّى تاريخ 30 / 4 / 2017.

سَبَّبَ التَهجير القَسْري، نُزوحًا وهِجرةً، خَسارة الكَثير من المَعرِفة الزِراعيّة التقليديّة المَوروثة، وعَكَسَ هَذَا أثرًا سلبيًا عَلَى الزِراعة، ولَم يَعُد أغلَب المُزارعون إلى مَناطِقهم بَعدَ تَحرير السهل من عناصر التَنظيم، فقد تُركت المُخَلَّفَات الحَربيّة والألغام في الكَثير من الأراضي، وأُكتشفت تحتَها عِدّة أنفاق. يَستَعرض مَعَالي وَزير العُلوم والتكنولوجيا الأسبق في كابينة العبادي، السيد فارس ججو، 59 عامًا، حَقيقةً هامّة حَول المَوضوع:”تم إستِغلال حاجة أهل المنطقة لمَصدَر رزق ثابِت يُعيلهم، بدلاً عَن إيجاد فُرص عَمَل في الزِراعة والصِناعة، فجُند أغلَبهم ضِمن تَشكيلات عَسكَريّة تابعة للحِزب الديمقراطي الكُردستاني تحتَ مُسمّى حِراسات سهل نينوى، ونفس الطَريقة البائِسة عَملتها الجِهة الأُخْرَى في الحشد الشَعبي.” كَانَ ججو قد إنتَقَد جَعل المنطقة مُتنازعًا عَلَيها واصفًا:”حين تُعتَبر، أي منطقة في العالَم، منطقةً مُتنازعةً عَلَيها سِياسيًا وأمنيًا، فأي غَبي سيُجازف برأسماله ليُوظِّفه في الزِراعة، علمًا أنها من أخصَب بِقاع الأرض.”

  • المَناطِق الكاكائيّة في داقوق وخانقين: إلتهمت الحَرَائِق أراضٍ زِراعيّة لمُزارعين من المُكوِّن الكاكائي في مَوسِم حَصاد سَنة 2019، وتكررت في مَوسِم حَصاد سَنة 2020. يقول السيد رجب كاكائي، 41 عامًا، رئيس منظمة ميثرا للثقافة والتنمية اليارسانيّة:”بَلَغت مِساحة الأراضي المُحترِقة حَوالي 9000 دونم، في مَناطِقنا بقَضاء داقوق جَنوب مُحافَظة كركوك، و3000 دونم في قَضاء خانقين شَمال مُحافَظة ديالى لسَنة 2019.” ويُكمل:” كَانَت الخسائر أقل في سَنة 2020، حيث أُحرق حَوالي 300 دونم في مَناطِقنا بقَضاء داقوق، وما يُقارب 1000 دونم في قَضاء خانقين، مَعَ خسائر أُخْرَى مثل المكائن الزِراعيّة في كِلا المَوسِمين.” ويُنوه كاكائي عَلَى:”تَلَقّي الفَلاحين تَهديدات عبر رَسائِل نَصيّة عَلَى هواتفهم سَنة 2019، قَبل 15 يومًا من إستعار الحَرَائِق، مِنْ قِبَل تَنظيم الدَولة – داعش، يُخيِّرهم فيها إمّا عَلَى دَفع الجِزية والحِفاظ عَلَى مَحاصيلهم، أو إحراقها.” و يُؤَكِّد رجب كاكائي قائلاً:”جِهتان تَتَحَمَّلان مَسؤولية الحَرق العَمد للأراضي الزِراعيّة لمُزارعين كاكائيين، هما تَنظيم الدَولة الإسلامية – داعش، والمليشيات المُسلَحة المُتستّرة بغِطاء الدَولة.”

  • منطقة سنجار: تنطبق حالة التَنازع الجيوسِياسي عَلَى سنجار، بين الحُكومة الإتّحادية وإقليم كُردستان، كَمَا عَلَى سهل نينوى، لَكِن نَكسة المُكوِّن الإيزيدي في سنجار كَانَت أكْبَر، وإرتَكَبَ “التَنظيم” بحقّهم إبادة جَماعيّة، إبتدأت بتاريخ 3 / 8 / 2014. بحَسَب إحصائيات “مَكتَب إنقاذ المختطفون الإيزيديون” فإن عَدَد الإيزيديون المُهَجَّرون قَسْرًا من سنجار وخارِجها كَانَ 360000 نَسمة، عَدَد الشهداء في الأيّام الأولى للغَزوة 1293 شهيد، عَدَد المختطفون 6417 نَسمة، نَجى منهم 3530 نَسمة، بينما لا يَزال مَصير 2887 نَسمة مَجهولاً.

أضرت هَذِهِ الحادِثة بالحياة الزِراعيّة، فهِيَ مِهنة الكَثير من الإيزيديين، كَمَا تضَرَرت المَعرِفة التقليديّة الزِراعيّة بمَوت أو فُقدان أو هُروب المُزارعين، ويوضِّح الصَحَفي الإيزيدي ميسر الأداني، 31 عامًا، العُضو السابِق لمَكتَب إنقاذ المختطفين الإيزيديين، قائلاً:”أثَّر الإرهاب بشكلٍ كَبير ومُباشر، عَلَى الجانِب التَنمَوي الزِراعي في سنجار، من خِلال نُزوح وهِجرة المُزارعين، وتَركَهم لأراضيهم وبساتينهم لستة أعوام من الإبادة، تَهديد وقَتل المُزارعين مِنْ قِبَل الإرهابيين، حَرق مَحاصيلهم قَبل الحَصاد، لأكثَر من مَرّة كل سَنة.”

الخاتِمة:

يُشِير المُفَكِّر الراحِل د. فرج فودة أن هُناك ثلاث سُبُل لمُوَاجَهَة الإرهاب، وهِيَ: التَعليم، المُشكِلة الإقتصاديّة، والوحدة الوَطَنيّة. فالدَولة يَجِب أن تُرَكز عَلَى تَعليمٍ سَليم، ونِظامٍ مبني عَلَى أساس المُواطنة، مَعَ التركيز عَلَى التنمية من أجل تَخَطّي التَّعَثُّر الإقتصادي، وأن تُدرك أنه كُلَّما زادت الأزمة الإقتصاديّة أُضيف إلى حِساب الإرهاب رَصيد جَديد.

وبالنسبة لمَناطِق الأقليات في كلٍّ من سهل نينوى وسنجار، فيتفق السيد ميسر الأداني مَعَ السيد فارس ججو حَول إعلان هَذِهِ المَناطِق مُحافَظات جَديدة، كَمَا يقترح السيد ججو حُلولاً أُخْرَى كتَحوِيلها لمَناطِق ذاتية الحكم، أو تَشكيل إقليم يَضُمُّ سهل نينوى، سنجار، وتلعفر.

نَستنتج من هَذَا كله، أن التنمية في العراق يَجِب أن تَبدأ من الزِراعة، وفائِض إنتاجها سيَعني التوجه للصِناعة، وهكذا ستنتعش جَميع قِطاعات التنمية، لَكِن هَذَا سيَتحقق بَعدَ حَل الإشكالات السِياسيّة العالِقة، وحَسم المِلَفات الأمنيّة.

المَصادِر:

  • ورقة عَمَل حَول “إسهامات برنامج الأغذِيَة العالَمي في تعزيز آفاق السلام في العراق”، دافيد برانكا، راشيل غولدين، وغاري ميلانتي، مَعهَد ستوكهولم الدَولي لأبحاث السلام (سيبري)، وبرنامج الأغذِيَة العالَمي، كانون الثاني/يناير 2020م.
  • سالم، م. د. ماجد صدام، أثر الإرهاب عَلَى الأمن المائي العراقي، بَحثٌ في الجُغرافيّة السِياسيّة، مجلة أبحاث ميسان، المجلد الحادي عشر، العَدَد الثاني والعشرون، لسَنة 2015م.
  • تاونزند، تشارلز، الإرهاب – مقدمة قَصيرة جدًّا، ترجمة: محمد سعد طنطاوي، مراجعة: هبة نجيب مغربي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة – مصر، الطبعة الأولى 2014م.
  • الموصلي، أ. د. حامد، تأملات في التنمية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة – مصر، لسَنة 2015م.
  • فودة، د. فرج علي، الإرهاب، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، 1992م.
  • التقرير السنوي لمنظمة شلومو للتوثيق، حزيران/يونيو 2017.
  • The Impact of ISIS on Iraq’s Agricultural Sector, Regional Food Security Analysis Network RFSAN, December 2016.

الشُّكْرُ مَوصول إلى السادة، الذين تَمَّت مُقابَلتهم من أجل إنجاز هَذَا البَحث، وهُم: السيد فارس يوسف ججو، السيد رجب عاصي كريم كاكائي، السيد ميسر الأداني.

Comments

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Popular stories